ازمة الخليج الحاليّة ليست وليدة الساعة، وليست الأولى، ولن تكون الأخيرة .الخلافات بين دول مجلس التعاون كانت دائما موجودة رغم إنكارها، وكان المجلس وما زال يعاني من أزمة ثقة بين حكّامه، ومن خلافات حدوديّة بين بعض دوله. لقد فشل أيضا في إقامة مؤسّسات سياسيّة واقتصاديّة وقانونيّة وعسكريّة تكون نواة لتعاون حقيقي موسّع يوفر لدوله وشعوبه الأمن، وأدّت سياسات حكّامه العربية والدولية إلى خلق مشاكل سياسيّة واجتماعيّة لا تخدم استقراره ومصالحه . الخلاف الخطير الحالي بين قطر وبعض دول المجلس ليس على مكافحة الإرهاب . الإرهاب في هذه الدول عمره أكثر من ربع قرن، وضرب عدة دول خليجية، ولم تتمكن الدول المتضرّرة من إحتوائه والقضاء عليه. ألأزمة السعودية القطرية هي في حقيقتها جزء من الصراع الدولي الدائر بين المحور الأمريكي السعودي الإسرائيلي من جهة، ومحور المعارضة السوري الإيراني المدعوم روسيا من جهة أخرى . إدارة ترامب تعمل على إستخدام التهديد الإيراني المزعوم لإبتزاز دول الخليج ماليا وسياسيا. السعودية دفعت 550 مليار خلال زيارة ترامب لها، ووافق الكونجرس الأسبوع الماضي على بيع طائرات مقاتلة لقطر بمبلغ يزيد عن 20 مليار دولار، والكويت بحوالي 11 مليار، أي ان صفقة قطروالكويت الأخيرة كانت بحوالي 31 مليار، وستتبعهم في الدفع الإمارات التي ستشتري المزيد من الطائرات المقاتلة والأسلحة الأمريكية. الولاياتالمتحدة واسرائيل نجحتا في إقحام السعودية وبعض الدول الخليجية والعربية في صراع مع إيران لن يستفيد العرب منه شيئا، ولكنه قد يقود المنطقة إلى حروب قبلية ودينية تشرذم وتدمّر الجميع، وتمكن أمريكا من تشديد قبضتها على مصادر النفط والغاز، وتخدم أهداف إسرائيل . إيران عدوّة لإسرائيل وأمريكا . إنها ليست عدوّة لأمتنا كما تدّعي بعض الدول الخليجية والعربية ! إدّعاء السعودية والإمارات والبحرين بأن قطر خرجت عن الإجماع الخليجي في تعاملها مع إيران لا أساس له من الصحة ! الكويت وعمان حافظتا على علاقات طبيعيّة مع إيران منذ تأسيس المجلس فلماذا لم تعترض السعودية على ذلك ؟ الحقيقة هي أن سياسات دول مجلس التعاون الخليجي العربية والدولية كانت دائما مختلفة، وافتقرت إلى الإجماع في قضايا مصيرية كقضية فلسطين، والصراعات والحروب الدائرة في المنطقة، والعلاقة مع الإخوان المسلمين ومنظمات إسلامية وسياسية أخرى، والتدخلات الأجنبية الأمريكية والإسرائيلية والروسية والتركية والإيرانية وغيرها ! قطر دولة مستقلة ذات سيادة لها سياستها في تعاملها مع القضايا العربية والدولية، وهناك من العرب من يعارض ويؤيد مواقفها، إلا انها كانت الدولة الخليجية الأولى التي عملت على تطبيع العلاقات بين العراق والدول العربية بعد حرب الخليج، ودعمت أهل غزّة ماليا في محنتهم، وأجرت تعديلات إيجابية على قوانين إقامة العمالة الأجنبية، وقامت ببعض الإصلاحات السياسية الداخلية التي لم ترضي بعض دول مجلس التعاون . أن جريمة قطر تكمن في تمرّدها على التحالف الأمريكي الإسلامي الجديد الذي أقيم لتطويق إيران، وليس لمحاربة الإرهاب كما تدّعي إدارة ترامب والعرب الذين انضموا إليه . السعودية جنّ جنونها، وخلقت هذه الأزمة مع قطرلأنها رفضت التهديد الإيراني المزعوم أمريكيا وإسرائيليا، وتمرّدت علنا على محاولات السعودية للسيطرة على قرار دول مجلس التعاون، والظهور كدولة حامية للسنّة، وزعيمة للعالم العربي ! ما يجري في دول الخليج قد يعرّضها لأخطار كارثيّة. ترامب وإدارته ونتنياهو يعملون على إدارة الصراع في المنطقة بشكل مختلف.إنهم يدفعون العرب إلى إنتحار جماعي من خلال نهب ثرواتهم، وإشعال الحروب الدينيّة والقبليّة التي ستدمّر مؤسسات دولهم الفاسدة القائمة، وتخلق فوضى عارمة .. تصومل .. معظم الوطن العربي، وتغير تكوينه الجغرافي والسكاني خدمة لأعدائه .