بوريطة: المغرب شريك استراتيجي لأوروبا .. والموقف ثابت من قضية فلسطين    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    السفيرة بنيعيش: المغرب عبأ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني على خلفية الفيضانات    الحسيمة : ملتقي المقاولة يناقش الانتقال الرقمي والسياحة المستدامة (الفيديو)    تعيين مدير جديد للمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بتطوان    المنتخب المغربي يفوز على نظيره المصري في التصفيات المؤهلة لكأس أمام أفريقيا للشباب    إقصائيات كأس أمم إفريقيا 2025 (الجولة 5).. الغابون تحسم التأهل قبل مواجهة المغرب    اشتباكات بين الجمهور الفرنسي والاسرائيلي في مدرجات ملعب فرنسا الدولي أثناء مباراة المنتخبين    مقاييس التساقطات المطرية خلال 24 ساعة.. وتوقع هبات رياح قوية مع تطاير للغبار    بحضور التازي وشلبي ومورو.. إطلاق مشاريع تنموية واعدة بإقليم وزان    عنصر غذائي هام لتحسين مقاومة الأنسولين .. تعرف عليه!    المنتخب المغربي الأولمبي يواجه كوت ديفوار وديا في أبيدجان استعدادا للاستحقاقات المقبلة    وزيرة الاقتصاد والمالية تقول إن الحكومة واجهت عدة أزمات بعمل استباقي خفف من وطأة غلاء الأسعار    لمدة 10 سنوات... المغرب يسعى لتوريد 7.5 ملايين طن من الكبريت من قطر    الدرك الملكي بتارجيست يضبط سيارة محملة ب130 كيلوغرامًا من مخدر الشيرا    الأرصاد الجوية تحذر من هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم وغدا بعدد من الأقاليم    أزمة انقطاع الأدوية تثير تساؤلات حول السياسات الصحية بالمغرب    هل يستغني "الفيفا" عن تقنية "الفار" قريباً؟    مصرع شخص وإصابة اثنين في حادث انقلاب سيارة بأزيلال    بتهمة اختلاس أموال البرلمان الأوروبي.. مارين لوبان تواجه عقوبة السجن في فرنسا    بعد ورود اسمه ضمن لائحة المتغيبين عن جلسة للبرلمان .. مضيان يوضح    ‬المنافسة ‬وضيق ‬التنفس ‬الديموقراطي    أحزاب المعارضة تنتقد سياسات الحكومة    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين تسلم "بطاقة الملاعب" للصحافيين المهنيين    ألغاز وظواهر في معرض هاروان ريد ببروكسيل    الحكومة تعلن استيراد 20 ألف طن من اللحوم الحمراء المجمدة    صيدليات المغرب تكشف عن السكري    ملتقى الزجل والفنون التراثية يحتفي بالتراث المغربي بطنجة    الروائي والمسرحي عبد الإله السماع في إصدار جديد    خلال 24 ساعة .. هذه كمية التساقطات المسجلة بجهة طنجة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    نشرة إنذارية.. هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم الخميس وغدا الجمعة بعدد من أقاليم المملكة        معدل الإصابة بمرض السكري تضاعف خلال السنوات الثلاثين الماضية (دراسة)    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    مركز إفريقي يوصي باعتماد "بي سي آر" مغربي الصنع للكشف عن جدري القردة    الاحتيال وسوء استخدام السلطة يقودان رئيس اتحاد الكرة في جنوب إفريقا للاعتقال    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    إسرائيل تقصف مناطق يسيطر عليها حزب الله في بيروت وجنوب لبنان لليوم الثالث    الدولة الفلسطينية وشلَل المنظومة الدولية    أسعار النفط تنخفض بضغط من توقعات ارتفاع الإنتاج وضعف الطلب    عواصف جديدة في إسبانيا تتسبب في إغلاق المدارس وتعليق رحلات القطارات بعد فيضانات مدمرة    "هيومن رايتس ووتش": التهجير القسري الممنهج بغزة يرقي لتطهير عرقي    هذه أسعار أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    ترامب يعين ماركو روبيو في منصب وزير الخارجية الأمريكي    غينيا الاستوائية والكوت ديفوار يتأهلان إلى نهائيات "كان المغرب 2025"    كيوسك الخميس | المناطق القروية في مواجهة الشيخوخة وهجرة السكان    الجيش الملكي يمدد عقد اللاعب أمين زحزوح    غارة جديدة تطال الضاحية الجنوبية لبيروت    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ادريس هاني ايقونة الشيعة على الطريقة المغربية في حوارمثير…..
نشر في عالم برس يوم 19 - 10 - 2015

س شاركت مؤخرا في المؤتمر الدولي "للزهراء" بالعراق، هل شاركت بصفتك مغربي شيعي أم بصفة أخرى؟
ج جاءت الدعوة إلى هذا المؤتمر في سياق طبيعي، وهي أنني أدعى عادة لمؤتمرات كثيرة بصفتي باحث في الفكر الإسلامي، وكاتب متخصص.
س ولكن هذا المؤتمر كان مؤتمرا للشيعة، كما أشارت إلى ذلك بعض التقارير الصحفية؟
ج أولا، هذا مؤتمر جمع جميع الأديان والطوائف وحتى "اللاّدينيين". لقد كان عنوان اللّقاء هو "الوحدة الإسلامية". كما حضره ممثلّون عن جميع الأديان وجميع الاتجاهات الإنسانية. فالذّين يتحدثون بهذه اللغة ،هم أناس خارج التغطية.
س صور اللقاء تؤكد أنك حظيت بمكانة متميزة، إحداها تظهر فيها وأنت تتحدث مع الزعيم الشيعي مقتدى الصدر؟
ج هذا أمر عادي جدا ولا إشكال في ذلك. فالسّيد يحظى بوضع خاص. ألقى كلمته التي تصب في إطار الوحدة الإسلامية ونبذ الطائفية بقوة، واعتبر أن الدعوة إلى المذهبيات والطائفيات، هي دعوى غير إسلامية.
س الذين يعرفونك، يلاحظون أنك تقوم بزيارات شبه متكررة للعراق وسوريا وإيران ولبنان، وهي دول يبقى القاسم المشترك بينها هو تبنيها للمذهب الشيعي؟
ج أنا أحضر مؤتمرات لها علاقة بقضايا دينية وغير دينية أصلا، حسب الدعوة. والذين يركزون على مثل هذه الأمور يفعلون ذلك لغاية في نفس يعقوب. الحقيقة أن هناك حصارا مفروضا عليّ. وإلاّ، هل دعتني دول أخرى ولم ألبّ الدعوة؟
س من يفرض عليك الحصار في نظرك؟
ج هذه حرب استباقية. ولا أقول أننا وجب أن نحدد من نحارب. هناك جهات معروفة لها مشكلة مزمنة معي، ومع أي إنسان يخالفها التفكير. خصوصا ما يعرف بالتيارات الوهابية، سواء الواضحة منها كالسلفيات، أو تلك التي تتلبس بالانفتاح، ولكنها لازالت تنطوي على خلفيات اعتقادية وهابية. هؤلاء يقولون فيك كل شيء، ويستبيحون منك كل شيء. هؤلاء عندهم مشكلة مع العالم، عندهم مشكلة حتى مع المواطنين في بلدانهم؛ مع المثقفين والمرأة والعلمانيين، مشاكل مع الجميع.
س لنأخذ أمثلة، صحيفة التجديد الناطقة باسم حركة التوحيد والإصلاح، وحزب العدالة والتنمية، سبق أن صنفتك كمسؤول أول عن نشر "التشيع" في المغرب؟
ج هم يبحثون عن "فرفر" يعلقون عليه الجرس. وأنا لست "فرفرا". هؤلاء يتحدثون لغة لا أفهمها. أنا لست داعية طائفيا أو مذهبيا. وكلهم يدركون ذلك. وكلهم قرؤوا لي في قضايا ومطارحات فكرية لا علاقة لها بهذا الأمر. لماذا لا ينسبون إلىّ الأفكار التي يأخذونها منّي دون أن يحيلوا عليّ ولو مرة واحدة ومن دون أمانة علمية؟ لكن بالمقابل يحاولون بخبث اختزالي وحشري في موضوع مذهبي. وهذا جزء من لعبة قذرة يتواطئون فيها مع جهات في الدّاخل والخارج. أنا أعرف هذه اللعبة جيدا. وقادر على إحباطها. لأني سبقتهم للإعلام والكتابة. ففي يوم من الأيام كنت أؤلف الكتب وأطارح، بينما هم كانوا مجرد أهل دعوة ووعظ وإرشاد.
س كلامك يؤكد وجود خلاف كبير بينك وبينهم؟
ج هم الذين يختلفون وهم الذين لهم مشكلة معي. أنا ليست لديّ أي مشكلة مع العالم. لذلك تجد عندي صداقات مع جميع التوجهات والأديان والمذاهب. وقد كنت من الأوائل الذين تحدثوا في حوار الحضارات ومشكلة العلاقة مع الآخر، حتى قبل أن يصدر كتاب "صدام الحضارات" لصامويل هنتنغتون. كما كتبنا و تكلمنا في التعايش والنهضة والإصلاح. نحن سباقون إلى هذه إلى فتح الفكر الإسلامي على هذه المفاهيم في اليوم الذي كان فيه هؤلاء يترنّحون في تخلّفهم ويعكفون على الكتب الصفراء وكتابات الوعظ والإرشاد الوهّابية. وكنا نحن نخوض في مجال النهضة والتقدم وأسئلة تطوير الفكر الإسلامي ومجال الإصلاح الديني.هل يستطيعون نكران ذلك أيضا؟
س المغرب يحارب التوجه الشيعي، وهناك من يعتبر أن التشيع خطر قادم ينبغي التصدي له، لماذا تختار السباحة عكس التيار؟
ج هذا اختياري وأنا طفل. الغريب أنهم لا يعرفون أنني قمت باختيارات فكرية وأنا في مرحلة الطفولة. والذي حدث هو أنّ المشكلة ما فتئت تكبر معي وتصبح أكثر جدّية. في الحقيقة أنا كنت أبحث عن الفكر الإصلاحي وعن العقل والعدالة، فوجدت نفسي قد سقطت في المدارس الموسومة في الفكر الإسلامي بالمدرسة "العدلية" والعقلانية، التي يمثلها الشيعة والمعتزلة تحديدا. أنا كنت أبحث عن العدل وأبحث عن العقل، وكنت هاربا من هذه الاختيارات الظلامية، والتي انتهت إلى ما نراها عليه اليوم. أنا هربت منهم، أنا هربت من تخلّف خطاب الحركة الإسلامية المغربية أنذاك و تخلفها الفكري. وبالتالي كانوا يحاربونني لأني كنت أوسّع من ثقافتي، كما كانت لهم مشكلة معي وهو أنني في نظر البعض كنت أقرأ كتب الضّلال.ولكي أنجو من الضلال قرأت كتاب " المنقذ من الضّلال" لأبي حامد الغزّالي. فازددت حيرة ووقعت في الشّك المنهجي قبل التّعرّف على الكوجيتو الديكارتي. وحينما كنت أقرأ من باب الفضول المعرفي لماركس و فرويد ونيتشه، كان بعض الإسلاميين يقولون أنني سأقع في الضلال. أنا لم أترب في بيئة طائفية ولم أكن أعرف هذه الفروق ولا كنت مبتلى بهذا المرض. فبروح رياضية كنت أبحث عن مساحات للتفكير الحر والعقلاني، وهكذا سارت الأمور بكل تلقائية.
س هل اطلعت على هذه الأمور في المغرب أم خارجه؟
ج أنا كنت أبحث عن الحقيقة في زمن مبكّر. بينما كانت الحركة الإسلامية تطعّمنا بأمور كثيرة لم أكن أستسلم لها. كنت أقول حينما يتحدثون بشيء ينتمي للتاريخ أو عموم الفكر الإنساني، أن الأمر يستدعي البحث والتحقيق.هم كانوا يكفّرون الفكر الإنساني، وكنت أدرس الفكر الإنساني لأعرف ما إذا كان فعلا فكرا تآمريا جاهليّا كما يقول محمد قطب أو لا؟ هؤلاء للأسف نسوا تاريخهم وأرادوا أن يكذبوا على الناس. أنا كنت من الذين قلبوا الطاولة في وقت مبكر، على هذا الخطاب التكفيري الدّخيل على الحركة الإسلامية نفسها.
س تصر وتؤكد مرارا على أن التوجهات الإسلامية بالمغرب، توجهات متخلفة. هل تقصد أن جماعة العدل والإحسان وحركة التوحيد والإصلاح والسلفيين، كلها جماعات ذات فكر متخلفة؟
ج أساسا هذه الجماعات ليس لها فكر حتى نحاسبها حول ما إذا كان فكرها متقدّم أم متخلّف. هي فقط جماعات للوعظ والإرشاد. وطيلة هذه الفترة كانوا عالة على أفكار تأتي من الإخوان المسلمين. نحن تجاوزنا هذه القضية. لأنه وقبل أن يبدؤوا تجربة التدليس والهروب إلى الأمام، كنا قد قمنا بمراجعات قديمة ومن دون ضوضاء، ضد هذا كل ما هو متخلّف في تجارب الحركة الإسلامية.لقد قلت بأنّهم كانوا ولا زالوا عالة على فكر الإخوان المسلمين في المشرق لم يفكّروا في إبداع نموذجهم الخاص. وأتحدّى أن تكون لديهم فكرة واحدة يستطيعون أن ينسبوها لأنفسهم. ولذا لما انحصروا، صاروا يحاولون التغطية على التاريخ المرير الذي عاشوه من دون فكر ولا فقه، سوى العبثية والنقول والتمثلات. أعتبرهم مجرد حركة دعوية مقلّدة وغارقة في التبعية، سرعان ما تحولت إلى حركات سياسية أخذت من السياسة كل ما هو سياسوي، فجمعت بين التخلف الفكري، والنزوع المصلحي أو النزعة السياسية ذات البعد "الصفقاتي". لقد جمعوا بين "الصفقجية" السياسية والتدهور الفكري. لذلك أنتجوا لنا شكلا من المسخ في الخطاب السياسي والثقافي.
س أنتم لا تختلفون فقط مع التوجهات الإسلامية المعروفة في المغرب، بل أنتم تختلفون مع الدولة نفسها؟ج الدولة مؤسسة. وأيّا كان أمرها، ديمقراطية أو غير ديمقراطية، فهي مؤسسة عقلانية حسب علم الاجتماع السياسي. قد تكون هناك تخوفات وقد تكون هناك قراءات ومصالح، ولكن كيفما كان الأمر، تبقى للدولة رهانات ومصالح وتصورات، وطريقة في تدبير هذه الملفات تختلف عن أولئك الذين ينطلقون من منطلقات عقائدية ولا يهتمون بالتحقيق بقدر ما يهمهم إزالة واستئصال المختلف معهم.هناك صراع على الإسلام في المغرب بين التيارات الدينية.وهناك بطبيعة الحال التيارات الوهابية هي التي تفتعل هذه الأمور لحجب نشاطها التغلغلي قي المغرب. وعندنا الحركات الإسلامية أصبحت حركات وهابية بعناوين مختلفة. لذلك نحن نواجه جهة واحدة، جهة وهابية بتشكيلات وألوان مختلفة، ولا داعي لأن أسميها، فهي حتى وإن تنوعت تبقى في عمقها ذات نزوعات ومصالح وهابية. وهذا لم يعد حكرا على الجماعات الإسلامية بل بات يبدو أنّ المشهد برمّته يواجه خطر التّوهيب.
س بين الفينة والأخرى، تتخذ الدولة بعض المبادرات، فهي التي أمرت بإغلاق المدرسة العراقية في الرباط بتهمة نشر التشيع، وهي التي قطعت العلاقة مع سوريا ومع إيران. ما رأيك في هذه القرارات؟ج حينما يكون هناك سلوك من الدولة مبني على رؤية أو وجهة نظر أو سياسة معينة، فليس في كل تصرفات الدولة ما هو نهائي. لأن العلاقات الدولية هي مسرح للوصل والفصل. أحيانا تحدث حوادث دبلوماسية قد تكون صائبة أو خاطئة، ولكن هذا لا يعني نهاية المطاف، لأن هذا الموقف ليس موقفا عقائديا، بل هو موقف سياسي.
س ما رأيك في القول بأن مواقف الدولة لها ما يبررها، خاصة أن تاريخ الشيعة، تاريخ دموي؟
ج ليس الأمر كذلك. إنّ تاريخ الشيعة هو تاريخ مظلومية بامتياز. أمّا الحديث عن تاريخ دموي فهو كلام وعناوين تصدر عن جهات تعمل على تكريس هذه الصورة النمطية. الشيعة لم يقتلوا مخالفيهم، ولكنهم كانوا دائما ضحايا القتل والقمع بسبب أفكارهم. حتى أنه لا يسمح لهم بالتعبير عن آرائهم لا في الماضي ولا اليوم, وإذا غمّ عليك أن تعرف ذلك، انظر كيف يتعاملون مع الشيعة فقط لأنهم يريدون التعبير عن أنفسهم.ففي كل مناطق الثورات، أعطني مثال واحد على أن الشيعة يقتلون المدنيين؟ بالعكس هم أنفسهم يكونون ضحايا التفجيرات الطائفية، وهم الذين يتعرضون للقمع الممنهج. وبالتالي هذا كلام لا يقوله إلا بعض التكفيريون، الذين بدؤوا يتعاطون مؤخرا التاريخ بهدف تزويره. ولكن المؤرخين الكبار بما فيهم المستشرقين المنصفين، لهم وجهة نظر مختلفة تماما عن هذه التوصيفات النمطية الخبيثة.
س نأخذ أمثلة، نموذج حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، هذا الأخير يدعم النظام الدموي في سوريا، وهذا الأخير يقتل الأبرياء؟ج هذه متتالية رياضية فاسدة.اثبت لنا أولا أن النظام في سوريا يقتل والنصرة والمتطرفون لا يقتلون؟ إذا كانوا يزعمون أن هؤلاء "شبيحة"، ففي الطرف الأخر هناك "نبيشة" و"ذبيحة". وقد كانوا يقولون هذا: "قولوا للشبيحة نحن الذبيحة". وبالتالي هناك حرب ومعركة كبيرة لها أبعاد متشعبة. ويجب أن تقرأ في هذا السياق. أي أن هناك اصطفافات ذات أبعاد استراتيجية وسياسية. أما إذا اختزلناها في مزاعم أنّ هناك نظام يقتل الشّعب وأنّ هناك مجموعة تقاتل من أجل الديمقراطية أو أنّ هذه الجهة تتدخّل لأسباب طائفية وكأنّ الطرف الآخر ملائكي، فسوف نكذب على أنفسنا، وعلى الرأي العام وعلى العالم.س في نظرك بشار الأسد لا يقتل الأبرياء في سوريا؟
ج بشار يقوم بدور رئيس دولة مسؤول عن حماية التراب الوطني السوري، الذي تعرض لاختراق وعدوان من قبل ألاف المسلحين من مرتزقة العالم والتكفيريين. فهل يا ترى سيبقى الجيش العربي السوري مكتوف الأيدي، فقط لأن هناك أطرافا إقليمية تريد إسقاط النظام السوري؟ إنّ الرئيس مطالب دستوريا بأن يحمي بلده. والجيش مطالب أيضا بأن يحمي بلده و يكافح ضدّ المخرّبين. فهل هؤلاء مجرد متظاهرين مدنيين كما كانت وسائل الإعلام تكذب على الرّأي العام؟ إنّ هؤلاء كما رأينا كذبوا في البدايات.وقالو أنهم ليسوا مسلحين. لكننا اكتشفنا في الأخير أنهم يأكلون الأكباد، وينبشون القبور، ويقتلون الأبرياء، ويغتصبون النّساء.هؤلاء أرجعونا إلى الجاهلية الأولى. وبالتالي أنا أعتقد أن موضوع سوريا يجب أن يعالج من الناحية الإستراتيجية والسياسية.
س (مقاطعا) ولكن بشار بإمكانه حقن الدماء، من خلال التنازل عن السلطة؟
ج (متهكما) لكي يسلمها للإخوان السوريين والجيش الحر والنصرة، وأكلة الأكباد، و"نبيشة" القبور؟؟؟ إذا تنازل الأسد عن السلطة الآن فهو خائن للشعب السوري. فليس هناك من يطالب بإسقاط النظام غير المرتزقة وبعض الدوائر الإقليمية وإسرائيل و"الناتو". أما الأغلبية الصامتة من الشعب، فهي التي تسند بشار وتمنحه القوة. وعلى فكرة، إن بشار لن يسقط.س كنت أول من أكد في تصريحاته أن بشار الأسد لن يسقط، هل مازلت على رأيك؟ج أنا كنت أتعجب من الذين يقولون أنه سيسقط وأن قضيته قضية ساعات وأيام وشهور. ومنذ ذلك الوقت قلت إن الأسد لن يسقط.واتضح أن هؤلاء جميعا بلا استثناء، كانوا على غلط.
س نظمت وزارة الخارجية، لقاءا لأصدقاء سوريا في المغرب، ودعمت من خلاله الثوار، والمغرب ككل يوجد ضمن الخندق المضاد لبشار الأسد، ألا تعتقد أن الأمر سيضعك في مشكلة؟
ج أنا عبرت عن رأيي وكفى، ولم أمنع المؤتمر. هل يا ترى، أنا أعيش في بلد غير ديمقراطي حتى لا يتحمل رأيا واحدا مخالفا؟ في بريطانيا التي تتحامل على سوريا، يوجد فيها كثير ممن يختلفون مع النظام. نفس الأمر يحصل في فرنسا وأمريكا. حتى في إسرائيل هناك من يختلف مع الحكومة في موضوع سوريا. بمعنى أنا أعبر عن رأيي فقط. ثانيا أنا غير مهتم بما يقوم به وزير خارجية ينتمي لحركة معروفة بانتمائها لتيّار إخوانيّ سروريّ. ولديهم ثأر تاريخي ضد سوريا.ولذا لا زلت أتعجّب من هذه الازدواجية واللاّمبدئية في سلوك هؤلاء. وعندما كان وزير الخارجية المغربي أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية، زار دمشق رفقة مجموعة من القياديين في جماعته، والتقى مع المسؤولين، وأقاموا علاقة صداقة بين حزب البعث العربي الاشتراكي السوري وحزب العدالة والتنمية المغربي. ما الذي تغير؟؟ ألم يكن هناك نظام مجرم وقتها؟؟ لماذا اليوم فقط أصبح مجرما؟؟وإن شئتم سأقول لكم شيئا أخفوه عن الرّأي العام طيلة هذه السّنوات. هل تريدون أن تعرفوا ماذا قال بشار الأسد لوزير الخارجية الحالي وللجماعة التي زارته حينئذ؟ لقد قال لهم: بما أنكم في المغرب بعيدون عن هذه الصراعات والتعقيدات التي تجري في الشرق الأوسط، يمكنكم أن تلعبوا دورا للمصالحة (الوساطة) بين النظام والإخوان المسلمين السوريين. وهذا يعني أن بشار كانت له مبادرات للمصالحة منذ سنوات. لكن سؤالي هل تحرك هذا الحزب في اتجاه هذه الوساطة، ولماذا خانته الشجاعة حتى يكشف للرأي العام هذه الحقيقة. وهل كانت هناك ‘رادات لا تريد المصالحة وتعدّ لمخطّط بعيد المدى؟ هل قالوا لنا من حال بينهم وبين هذه المبادرة؟
س ما رأيك في القوميين المغاربة، طالما أن الحديث عن العراق وسوريا وفلسطين إرتبط بتحركات القوميين المغاربة، هل تعتقد أنهم "جبناء" بسكوتهم؟
ج لقد بدا بعض القوميين أشبه ما يكونوا بالظاهرة الصوتية. وفي وضوع سوريا اتضح من هو الشجاع وغير الشجاع. للأسف هناك خوف بدا على مجيّا البعض منهم. وبعضهم التبس عليه الأمر. فيما البعض الآخر انتابته حالة من الذعر. للأسف، وضّح موضوع سوريا من هم الجبناء ومن هم الشجعان.
س هناك من يقول بأن بعض القوميين المغاربة كانوا يتلقون أموالا من سوريا وليبيا، وعندما انطلق الربيع العربي سكتوا؟
ج بالتأكيد كانت هناك جهات تتلقى دعما من ليبيا والعراق، من صدام ومن القذافي. ولكن دعني أقول لكم أن سوريا لا تعطي أموالا. لذلك لم يقفوا معها كما وقفوا مع العراق إلى آخر رمق. لأن العراق كان يقدم "كبونات" حتى في أوج الأزمة. وبالتالي بقوا معه إلى أن تيقنوا أنه أعدم.
س على ذكر العراق، عقدت المجموعة الوطنية لمساندة العراق وفلسطين، مؤتمرا خصص للملائمة وللتشطيب على إسم العراق وأصبحت المجموعة "مجموعة العمل الوطنية لمساندة فلسطين"؟؟؟.
ج هذا في الحقيقة مجرد صدى لمواقف تتخذ عادة في بيروت، المعروفة باحتضانها للتيارات القومية. هذه التحولات في مواقف البعض، مصدرها أحيانا "خير الدين حسيب" العراقي. ففي فترة من الفترات، كان هذا الأخير متعاطفا مع النظام العراقي السابق. لذلك هم كانوا متحمسين لهذا الأمر. وأصل الموضوع في مساندة العراق، كان ملتبسا. ولم يكن هؤلاء يعرفون من هم الذين يقاومون في العراق. وطيلة هذه الفترة كانوا يعتقدون أن القاعدة هي التي تقاوم الاحتلال. لكنهم أدركوا مؤخرا أن الذين كانوا يقاومون، هم تيارات شيعية وتحديدا "العصائب" و"الكتائب". وهم الذين كانوا يكبّدون الاحتلال خسائر كبيرة. ولكنهم لم يكونوا يعلنون عن أنفسهم وعملياتهم. وكانت القاعدة تنسب لنفسها كثيرا من العمليات ، وتساهم الجزيرة في تأكيد هذا الالتباس الممنهج.لأن الآخرين يسكتون لأسباب خاصة. بمعنى أن القوميين كانوا يساندون القاعدة في ذلك الوقت، بشكل غير مباشر.
س تتبعت فصول الربيع العربي، هل عشنا في تونس ومصر وليبيا، ثورات للشعوب، أن حصل هناك شيء أخر؟
ج في الحقيقة وقع هناك خلط، حتى لدى بعض الذين يعتقدون أنهم محللون إستراتيجيون. التبست عليهم هذه الأمور، لأنهم غير قادرين على الجمع بين مجموعة من الحقائق كلها تفسر لنا هذه الحوادث التي عرفها العالم العربي. هم يعتقدون أنهم إذا قالوا أن عنصر التآمر والتدخل موجود في هذه الثورات، فذلك يعني أنهم سيحرمون الشعوب من ثورات بهذا الحجم. هذه الأمور متداخلة. والاحتقان موجود في العالم العربي بلا شك. والشعوب انطلقت بالفعل، لأنه ارتفع من أمامها المانع. وكانت هناك قرارات دولية، مرتبطة بالتحولات الإستراتيجية في أمريكا، التي قررت عدم التدخل العسكري في الدول، وتعويض ذلك بتشجيع الحركات الاجتماعية.هذا الربيع ليست به صفة الشمول، وفيه كثير من النفاق الذي يتجلى من خلال دعم ثورات وقمع ثورات أخرى. هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فإن هناك صفقات داخل هذه الثورات. والذين وصلوا إلى الحكم لم يكونوا هم قادة الثورة. لا في تونس ولا في مصر ولا غيرها.
س الربيع العربي في صيغته المغربية، أوصل بنكيران لرئاسة الحكومة؟
ج الإخوان وغيرهم، وصلوا إلى الحكومات بصفقات وليس بالربيع العربي. هذا مجرد عنوان استهلاكي، هدفه استغباء الرأي العام. وهم اليوم يدفعون مستحقات هذه الكذبة الكبيرة. عندما عبروا عن مواقف لم تكن الحكومات السابقة لتعبر عنها بهذه الوقاحة والجرأة. سواء فيما يتعلق بالشأن العام الداخلي أو ما يتعلق بالقضايا الوطنية في كل هذه البلدان. بمعنى أن هذه الحكومات، عندها قدرة هائلة على التنازل. ونحن نعلم أنه في علم الثورات، الحكومات التي تأتي عبر الثورة تكون أصعب الحكومات في موضوع التنازل. وكون هذه الحكومات تتنازل باستمرار، فهذا معناه أنها جاءت بصفقة ولم تأت بثورة.
س ولكن أصحاب العدالة والتنمية في المغرب يؤكدون أنهم نموذج للتغيير على طريقتنا، التغيير مع ضمان الاستقرار"؟
ج أولا هم لم يغيروا شيئا، لا قبل الربيع العربي ولا بعده. والربيع العربي كذبة استعملت لزعزعة استقرار كثير من الدول لأهداف "جيواستراتيجية" لا علاقة لها بالشأن الداخلي. وعندما كانوا يتحدثون عن تونس مثلا في بداية الثورة، كنت أقول لهم بأنها لن تكون هي سويسرا، فأوج ما ستصل إليه بعد الانفراج السياسي هو أنها ستصبح دولة تشبه المغرب.
س هل سيطرح موضوع التشيع مشكلة مع إمارة المؤمنين؟
ج إمارة المؤمنين في النّسق السياسي المغربي لها علاقة بسياق تاريخي وسوسيو سياسي شكّل مكسبا سياسيا خاصّا يجب فهمه ضمن جدل الشّرعية والمشروعية. وهي لا علاقة لها بالخصوصية المذهبية. فقد يوجد أشاعرة و مالكيين وجنيديين في الدّاخل أو في الخارج، وتكون لهم مشكلة مع إمارة المؤمنين لأسباب سياسية. لذا فهي مكتسب سياسي له سياقات أعقد من الخصوصيات المذهبية.
س هل تعتقد أن الشيعة موجودون بكثرة في المغرب؟
ج هذا الحيص بيص الذي "ولغ" فيه الإعلام الممول من طرف بعض الجهات الإقليمية ذات الأجندة الطائفية، هدفه أن يطلق بالونا من الهواء. هذه الظاهرة موجودة في العالم كله. ففي كل بلد عربي يوجد فيه أناس لهم اختيارات فكرية كثيرة، إما دينية أو غير دينية. هذه الأمور موجودة، فلماذا هذا الاختزال؟ نحن نتحدث فقط عن شباب قد تحصل لهم بعض القناعات الشيعية، كما قد تحصل للبعض الآخر بعض القناعات المسيحية، كما قد تحصل للبعض قناعات غير دينية. العالم يسير في اتجاه الانفتاح وليس الانغلاق. مع العلم كما عبرت عنه في كل كتاباتي أنني ضد التبشير الديني وغير الديني، وأنني مع حرية الإنسان ومع احترام المختلف الديني والمذهبي.احتراما حقيقيا وليس مجرد ادعاء كما تفعل بعض التيارات الإسلامية المعروفة بتكفيرها للمختلف.
س في إطار ما تسميه قناعات شيعية قد تحصل للبعض، هل يمكن أن نتحدث عن ميولات سياسية معينة لهذه الشريحة؟
ج من المغالطات، أنهم حينما يتحدثون عن الشيعة ينسون أن هذا عنوان لمذهب ديني ومدرسة إسلامية وليست حزبا بالمعنى السياسي والتنظيمي. فلا يقال الحزب السنّي أو المنظمة السنية وإنما المذهب أو المدرسة السنية. نعم هي فرقة إسلامية كلامية، ولا يصحّ الحديث عنها كحزب أو منظّمة. والحال يمكن أن يكون هناك شيعي بنزوعات يمينية، أو يسارية، وقد يكون هناك شيعي منفتح أو العكس. كما هو الحال في الطرف الآخر، حيث يوجد سني منفتح، وسني منغلق.هل يمكن أن نقول مثلا أن من يوجدون في الإتحاد الاشتراكي أو حزب الاستقلال ليسوا من السنة؟ لماذا عندما نتحدث عن الشيعة بالضبط، نتحدث كما لو أننا نتحدث عن حزب أو منظمة؟ هذا تغليط للرأي العام هدفه الاختزال والتجذيف، لخدمة التهويل الطائفي الذي يأتينا من الشرق ولا علاقة لنا به هنا.س بشكل واضح، هل تتوقع اصطداما دمويا بين الشيعة والسنة في المغرب على غرار بلدان عربية أخرى؟
ج (يضحك) الشيعة في بلدان أخرى في الشرق، عاشوا قرونا وفي بعض البلدان كانت الأغلبية شيعية، وتعيش فيها أقلية سنية في نوع من التوافق والوئام.ما يحصل في إيران أو في العراق أو في لبنان، ليس بذلك الشكل الذي يتصوره البعض. فهناك أطراف إقليمية هي التي تؤجج الصراعات الطائفية والعشائرية والعرقية.فكل المجتمعات متعدّدة إن عرقيا أو دينيا أو مذهبيّا أو طبقيا…وكل شيء ممكن يكون عنصر إسناد للدولة أو عنصر إزعاج. ذلك بناء على الطريقة التي يتم فيها تدبير الإختلاف في إطار المواطنة السياسية في ظلّ دولة الحقّ والقانون.
س هل يدخل في إطار ذلك، الخرجات الإعلامية لبعض المحسوبين على التيار العلماني، مثل حالة الهجوم على رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم مثلا؟ج وإن لم نكن نريد أن نتحدث بناء على نظرية المؤامرة، فعلى الأقل هذا النوع من الإثارة هو قابل للتوظيف.
س الناشط الأمازيغي أحمد عصيد، مثلا، يقول بأن رسالة الرسول تتصف بالإرهاب؟
ج إذا صرنا نبتر نصوصا ومواقف ونقرأها في ضوء المعجم السياسي الحديث، فسوف نقع على أشياء من هذا القبيل. وإلا فقد كانت رسالة الرسول لكسرى ولغيره لما بعث لهم رسله، في مرحلة الدعوة. ولم يكن عنده جيش، وكان هو مستضعفا في قومه. فبعث لهم رسالة على أساس أسلم تسلم، بمعنى أنه يحمله المسؤولية المعنوية عن تخلف قومه وضلالهم.باعتبار أن المجتمعات في ذلك الوقت كانت على دين الحاكم والأمبراطور هو من يتحكّم في عقائد القوم. ولذا قيل عصرئذ: "الناس على دين ملوكهم". فالتوجه إلى الأمبراطور إنّما كان من باب الدخول بالدعوة من بابها. أي أنه تحدث معهم بلغة أخلاقية. وما قيل في هذا الصدد هو خطأ في وضع الأمور في سياقها التاريخي. على عكس ذلك، كانت هذه الرسالة نموذجا للموقف النبوي المسالم. لأنه كان يتحدث وهو مستضعف في قومه لا خيل له ولا رجال. وهؤلاء الذين كان يراسلهم كانوا يحكمون إمبراطورية عظمى (الفرس والروم) ويملكون جيوش جرارة. لقد تحدث معهم الرسول الأعظم(ص) بلغة يمكن أن نسميها لغة حوار الأديان.
س هل كان المولى ادريس شيعيا؟
ج فيما يتعلق بتشيع إدريس الأول، فهذا أمر كان من البديهيات التاريخية. وأي شخص يناقش فيها فهو يواجه التاريخ، لأن أكثر المؤرخين المغاربة، أمثال عبد الهادي التازي وإبراهيم حركات وعبد الله العروي وغيرهم يقولون بأن إدريس الأول كان شيعيا ولا إشكال في ذلك.وحينما ندرس الأحداث التي عصفت بالمشرق والتي سببت هروب المولى إدريس من المشرق إلى المغرب والتي كانت هي معركة "فخ" بين "العلويين" و"العباسيين"، نجد أنّ إدريس كان من قادة العلويين هو وأخوه يحيى. وحينما هرب يحيى إلى "طبرستان" أسس له الدولة العلوية هناك، وحينما أتى المولى إدريس إلى هنا أسس له دولة الأدارسة بالمغرب. فما معنى أن يكون يحيى شيعيا في الشرق، وأخوه إدريس غير شيعي في المغرب؟ علما أن عبد الله الكامل المعروف بعبد الله "المحض" وهو أبو إدريس، له مزار معروف قرب النجف الأشراف، وهو مزار للشيعة. أعني سجنه الذي هدمه فوق رأسه الخليفة العباسي.وبالتالي فأينما ذهبت ستجد إدريس شيعيا.وبما أن الأمر يتعلق بالاعتقاد، ولو أخدنا بعين الاعتبار أن المغاربة أشاعرة كما يقال، أي يؤمنون بالأشعري كإمام للعقيدة، فكان أحرى أن لا يتعالموا ويمارسوا الأستاذية على الإمام الأشعري. فهو بنفسه يشخص لنا أن إدريس ابن ادريس كان شيعيا، حينما قال في كتاب مقالات "الإسلاميين"، بأن هناك دولا غلب عليها التشيع، مثل "قم" و"العراق" و"دولة إدريس ابن إدريس بطنجة". فالذين يقولون أن إدريس ليس شيعيا هم يكذّبون الأشعري، أي ليسوا على عقد الأشعري وليسوا أشعريين. ولكن أنا أتسف من بعض الأفكار المتطرفة التي تريد أن تقرأ تاريخ المغرب بأثر رجعي. وأتسائل: ترى، لو هرب المولى إدريس اليوم من الشرق إلى المغرب، هل كان سيحضنه المغاربة حيث أصبحوا يفكرون بهذه الطريقة؟ أشكّ في ذلك. فهم لم يحضنوا إدريس ابن بلدهم فكيف يحضنون إدريس ابن الجزيرة العربية؟ وهذا يعني أنهم كانوا أكثر انفتاحا بالأمس من اليوم.
س تؤكد أن أصل الدولة شيعي، ولكن اليوم مذهبها سني، ما الذي حدث في نظرك؟ج في الحقيقة هذه قضية ملتبسة كثيرا. لأن الدول ليس لها في الحقيقة مذهب. نعم هي ترعى وتدبر الشأن الديني وتحاول أن تحافظ ما أمكنها ذلك على المذاهب الغالبة في التاريخ. الدين ليس فقط المدونة أو العقائد. بل هو هذا الكل الذي تعبر عنه حتى التعبيرات السوسيو-ثقافية. فالهوية الدينية المغربية مركبة. بمعنى أن هناك دولا أشعرية مثلنا أو مالكية، ولكن تعبيراتهم الدينية تختلف عنا.
س ما رأيك في التشكيك الذي طال نسب المولى إدريس الثاني، حيث يقول البعض أنه ولد بعد 11 شهر من وفاة المولى إدريس الأول؟
ج هذه حكاية شاذّة أثيرت قبل قرون وردّ عليها ابن خلدون في المقدّمة لى الرّغم من نزعته الأموية. وأنا أراها لا تنفع الإخوة في التّيار الأمازيغي. لأنّ فيها قذفا صريحا للسيدة كنزة الأمازيغية. هذا في حين أنّ الظّروف المحيطة بهذا البيت الطاهرة الذي غلب عليه التّقى والطهارة يمتنع عن ذلك.وفي الشّرع يكون الولد للفراش. ولا أحد ادعى أنه غير كذلك.إذا كان إدريس الثاني بقي في بطن أمه 11 شهرا، فإنّ ابن خلّكان في وفيات الأعيان يتحدّث من باب الفضائل عن بقاء الإمام مالك في بطن أمّه ثلاث سنوات.في نظري لا شيء يؤكّد على ذلك. وأنّ هذه الحكايات فيها من التّكلّف ما لا يعقل. والأصل المشهور المعتدّ به أنّ إدريس الثاني طاهر المولد والنّسب بقرينة وجوده في بيت طاهر كما هي قرينة سوق المسلمين في طهارة الذّبيحة، كما يقول الفقهاء.
س ما هو موقفك من تصريحات "الإخواني المصري"عصام العريان بخصوص تنقيصه من دور لجنة القدس الذي يرأسها المغرب؟ج لا أعتقد أنّ هذا التّصريح جاء بريئا. لأنّ التّحرّش بلجنة القدس له سابقة حتى في عهد حسني مبارك.وهذه المرّة يبدو أنّ هناك مخطّطا مدروسا لعزل المغرب وإبعاده عن موضوع القدس، باتفاق بين قطر وتل أبيب. فلا ننسى أنّ العريان وعموم الإخوان يريدون الهيمنة على المؤسسات المعنية بالعمل الفلسطيني. وقد جاء ذلك في سياق زيارة القرضاوي إلى غزّة.وهم يريدون أن تكون مؤسسة القدس الدولية التي يرأس القرضاوي مجلس أمنائها البديل الحتمي عن لجنة القدس. ولذا لم نجد في تصريح وزير الخارجية العثماني ردّا حقيقيا، حيث اكتفى بالاستغراب من موقف العريان رئيس الفريق البرلماني لحزب الحرية والعدالة الإخواني، وذلك لأنّ اللعبة لها علاقة بالمشروع القطري الساعي إلى أن تكون هذه الأخيرة هي الوريث لكل اللجان والهيئات المنبثقة عن منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدّول العربية ، كما هو الأمر بالنسبة إلى لجنة القدس التي تأسست في المؤتمر السادس للمنظمة في 1975م بجدّة وأسندت رئاستها للعاهل المغربي في المؤتمر العاشر بفاس.فالهجمة لم تكن مبدئية.إذ كان أحرى أن يوجّه العريان نقدا لمحمد مرسي الذي أغلق الأنفاق ومعبر رفح، كما كان عليه أن ينتقد مرسي في رسالته الغزلية لشيمون بيريز. فالمزايدات الإخوانية في موضوع القدس وفلسطين باتت مفضوحة اليوم. وأمّا العريان فلقد كان هو عرّاب الصفقة بين الإخوان وواشنطن في سياق مشروع التمكين حتى في عهد مبارك. وكانت الصفقة تشمل بالدرجة الأولى موقف الجماعة من فلسطين والقدس.ودعني أخبرك عن أمر سرّي للغاية في موضوع العريان. فخلال كل هذه السنوات كان العريان يلتقي بمسؤولين أمريكيين في بيروت للتفاوض على صفقة المستقبل قبل الإطاحة بمبارك. ليس آخرها حينما حضر مؤتمرا دعا إليه في بيروت ألستر كروك الرئيس السابق للاستخبارات البريطانية،بينما كان المقرر على هامش المؤتمر اللّقاء بعناصر ال(cia) لاستكمال جولات الصّفقة.فالعريان هو شخصية متورّطة في علاقات مشبوهة منذ عهد حسني مبارك. وكان يخدم أجندة في إطار مثلث واشنطن قطر تل أبيب.وحديثه عن لجنة القدس جاء في هذا الإطار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.