ركز جلالة الملك محمد السادس، منذ اعتلاله العرش، على أهمية دور الأحزاب في تعزيز الممارسة الديمقراطية في البلاد مؤكداً أنه لا يمكن تصور الديمقراطية بدون أحزاب فاعلة. ودعا جلالته مراراً إلى إعادة الاعتبار للعمل السياسي، في الوقت الذي حاولت بعض الجهات تبخيس دور الأحزاب وإضعافها ، طمعاً في الانتصار لمقاربة أخرى أثبتت فشلها وكان من تجلياتها ما عانته البلاد من أزمة متعددة الأبعاد، خصوصا في المجالات الاقتصادية والاجتماعية. غير أن التوجه الملكي. في إطار المشروع المجتمعي الرامي إلى تأهيل البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعيا انتصر للخيار الديمقراطي والإرادة القوية، في أن تضطلع الأحزاب بدورها كاملاً في تأطير المواطنين وتمثيلهم وتدبير الشأن العام. وقد أكد جلالة الملك في خطابه بمناسبة الذكرى التاسعة لعيد العرش انه مهما تكن شمولية وأهمية أي إصلاح تنموي عميق، فإنه سيظل محدود الأثر إذا لم يعزز بمواصلة التأهيل السياسي الشامل، مجدداً الحرص على مواصلة تعميق الديمقراطية، بانتظام الاستحقاقات الانتخابية وتكريس شفافيتها ونزاهتها، من قبل كل الفاعلين وتشكيل الحكومة على أساس نتائج الاقتراع. وفي هذا الشأن لابد من تسجيل ان المسلسل الانتخابي في عهد جلالة الملك محمد السادس، شهد تطوراً كبيراً بما طبعه من ترتيبات وضمانات للنزاهة والشفافية. وأصبحت الانتخابات تجري في مواعيدها بانتظام، وأخذ فيها التنافس طابعاً جديداً بمبادرة الأحزاب إلى التقدم للناخبين ببرامج مدققة ومرقمة، ولم يعد الجهاز الإداري يصنع مسبقا الخرائط السياسية ويتدخل، كما فعل في الماضي، في صنع نتائج الاقتراع، مما كان ينتج مجالس ومؤسسات عديمة المصداقية ومشلولة. ومن تجليات تخليق المسلسل الانتخابي ، ما طبع الانتخابات التشريعية الأخيرة من أجواء ايجابية، كان المنتصر فيها هو الديمقراطية، التي تعززت بإعمال جلالة الملك التقاليد الديمقراطية، في تعيين الوزير الأول وتشكيل الحكومة على أساس اقتراع 7 شتنبر الماضي وانخراط الحكومة في عدة أوراش للإصلاح بتوجيهات من جلالته، من بينها مشروع تعديل الميثاق الجماعي، في سياق مواصلة تعزيز الديمقراطية المحلية، بمناسبة الانتخابات الجماعية المقبلة. وفي إطار تعزيز التأهيل السياسي، أكد جلالة الملك ضرورة المساهمة الفعالة للهيئات السياسية الجادة في حمل مشعل الإصلاح والتحديث وانبثاق مشهد سياسي معقلن، بأحزاب قوية، متكتلة في أقطاب متجانسة، تنهض بدورها الدستوري في التأطير الناجع والتمثيل الملتزم والتنافس الانتخابي الحر، على حسن تدبير الشأن العام. والواقع أن المشهد السياسي الطبيعي في بلادنا يقتضي أن يكون منبثقا من تعددية حقيقية تفرزها طبيعة المجتمع وديناميته وليس من تعددية مفتعلة وأن يكون التنافس بين القوى السياسية حراً، يحتكم لإرادة الناخبين. وفي هذا الشأن شدد جلالة الملك على أنه سيظل ملكاً لجميع المغاربة، على اختلاف مكوناتهم ورمزاً لوحدة الأمة ومؤتمناً على سيادة المملكة وحوزتها الترابية وضامناً لحقوق الأفراد والجماعات. إن التأهيل السياسي الشامل الذي ينشده جلالة الملك، يعتمد على دور الأحزاب وفعاليتها وقوتها الاقتراحية ، في مشهد سياسي رشيد، تعزز فيه الديمقراطية ومعها قدرة الشعب المغربي على استنهاض طاقاته لمواجهة تحديات مغرب اليوم وهي تحديات يقول جلالة الملك أنه لا يمكن رفعها بوصفات جاهزة أو بإجراءات ترقيعية أو مسكنة أو بالترويج لمقولات ديماغوجية ترهن الحاضر بالهروب إلى مستقبل نظري موهوم.