احتل موضوع إصلاح الحقل السياسي مكانة هامة جدا في خطاب العرش على اعتبار أنه السبيل للتحديث وتقوية الانتقال الديمقراطي المغربي وتحصينه من أي انزلاق. حيث دعا جلالة الملك محمد السادس في خطاب العرش30 يوليوز2004 إلىالانكباب في إطار من التشاور على إعداد قانون للأحزاب السياسية لتأهيلها للقيام بدورها الدستوري في تمثيل وتأطير المواطنين، وتأهيل النخب للمشاركة الديمقراطية وخدمة الصالح العام تكون صلة وصل قوية بين الدولة والمواطن، وعلى عكس ما بدا يروجه البعض حول وجود نية وتوجه لتهميش الأحزاب السياسية وإضعاف دورها في المجتمع، أكد جلالة الملك حرصه على تقوية الهيئات السياسية، وإعادة الاعتبار للعمل الحزبي الجاد، وهو العزم والهدف الذي مافتئ جلالته يؤكده ويجدد التنبيه إليه في أكثر من خطاب وفي أكثر من مناسبة. لكن أحزابنا السياسية في عمومها لم تلتقط الإشارات الملكية عمليا، وظلت في ركودها ومشاكلها وحساباتها الضيقة تتخبط حتى جاءت انتخابات 27 شتنبر2002 فأعطتنا خريطة سياسية مبلقنة، ثم جاءت انتخابات 12 شتنبر,2003 وكانت النتيجة نفسها التي تلتها مسرحية تشكيل المكاتب المسيرة للمجالس القروية والبلدية وخاصة في المدن الكبرى الست، حيث كانت التحالفات غريبة وعجائبية، والممارسات المشينة المنفرة من العمل السياسي والانخراط في الشأن العام. وهي المحطات والمعطيات التي لم تقف أمامها جل الأحزاب السياسية برؤية نقدية وعزيمة حقيقية على الإصلاح، إلا أن جلالة الملك محمد السادس أبى في خطاب العرش إلا أن يضعها في المرآة ويطرح عليها السؤال: هل سننتظر عشية الاستحقاق الانتخابي لسنة2007 للبحث عن تراض صوري ومرتجل من شأنه أن يكرس بلقنة الخريطة السياسية؟،مشيرا إلى أن ذلك لم يعد مقبولا، وأنه بات على الأحزاب السياسية والمشهد السياسي المغربي أن يتأسس على أقطاب قوية. ووجه في ذلك جلالة الملك محمد السادس دعوة صريحة واضحة لا لبس فيها إلى الطبقة السياسية بتحمل مسئولياتها في جعل انتخابات 2007 تشكل منعطفا هاما، لإعطاء دفعة قوية ونوعية للمسار الديمقراطي، وبروز فضاء سياسي جديد يتسم بأغلبية متماسكة، ومعارضة بناءة، تتنافسان وتتناوبان بحسب نتائج الاقتراع على حسن تدبير الشأن العام، من خلال نخب متجاوبة مع عصرها، لا تختزل نفسها في اليمين أو اليسار، وإنما تجعل من الحكم القويم المحك الحقيقي لممارسة العمل السياسي بمفهومه النبيل. دعوة تشكل بحق في كل مضامينها المشهد السياسي والحزبي والمشاركة الديمقراطية كما حلم ويحلم بها المغاربة، الذين سئموا من الممارسات السياسوية لجل أحزابنا وخطاباتها المكرورة، وملوا من أعطاب وسلبيات الخريطة السياسية المبلقنة، سواء في المجالس البلدية والقروية أو في البرلمان والحكومات، وسئموا من العمل السياسي والحزبي الموسمي والضعيف الذي يحرص على مصالح الهيئات أكثر من حرصه على المصلحة العامة، كما نفر المغاربة من العمل المذكور لخلوه من الأخلاق والنبل المطلوبين. لقد وضع خطاب العرش الأحزاب السياسية على المحك، وجعل الكرة في ملعبها كما يقال، إما أن تتحمل مسؤوليتها، فقد فتح جلالة الملك محمد السادس بخطابه يوم 30يوليوز2004 داخلها ورشا كبيرا للإصلاح. محمد عيادي