اتهم محمد اليازغي، القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حزب العدالة والتنمية بالوصولية والانتهازية والركوب على رياح الربيع الديمقراطي وحركة شباب 20 فبراير, معتبرا أنه استغل حساسية تلك الظرفية ونضالها الذي لم ينخرط فيه لتبوء مكانة الصدارة في الاستحقاقات التشريعية السابقة, وشدد على أن رئيس الحكومة له استراتيجية وتكتيكا لا يهم الشعب المغربي ولكن استطاع أن يخدم بهما حزبه ما سيضمن له الاستمرارية في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. وقال اليازغي، في سياق الندوة الوطنية التي احتضنتها كلية الحقوق أكدال بالرباط، يوم الخميس الفائت, إن التجارب التي شهدها المغرب مهدت للانتقال الديمقراطي الذي أبان عنه حينما استقبل رياح الديمقراطية بهياكل ايجابية، معبرا على أن لا المؤسسة الملكية ولا الأحزاب عارضا انتفاضة الشباب أو حركة 20 فبراير بل الجميع انخرط معهما في رياح التغيير لترسيخ مقومات الفعل الديمقراطي الحديث. واعتبر أن الوضعية المغربية معقدة وتتطلب من الباحثين السياسيين والمؤرخين التعاطي معها بكل جدية وحزم وموضوعية، والابتعاد عن القانون المقارن الذي قد يفضي إلى تحليلات وتفسيرات سهلة لكن مغلوطة في الغالب، محذرا من مقارنة النسق السياسي المغربي لخصوصيته الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية بتجارب أخرى ولو ثبت بعض التشابه بينها. من جهته أوضح محمد اوريد، أستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن ما يعيشه العالم العربي اليوم من اهتزازات واضطرابات هو ناتج بدرجات متفاوتة عن عدم ترسيخ كيان ومفهوم "الدولة". وربط مفهوم الدولة بالمسار والمسلسل الذي يحيل على الاستمرار والقائم على عقد اجتماعي وغاية وهي الشأن العام، وعلى منظومة وقيم مشتركة وليس على بنيات غير مجتمعة. وأبرز أوريد، في سياق الندوة التي أثيرت حول موضوع الثنائية في النسق السياسي المغربي، أن الحداثة السياسية خلال القرن الماضي كانت تفهم بالأساس من خلال وثيقة دستورية تنظم اختصاصات الفاعلين السياسيين، وأن الديمقراطية أداة لتحقيق الاستقرار السياسي وهما ما دافعت عنه الحركة الوطنية، ليتبين حسب ذات المتحدث، بعد الحصول على الاستقلال، أن كل من الدستور والديمقراطية بناء على أحزاب وانتخابات, هما وسيلتين للممارسة السياسية فقط في ظل وحدة وتماسك بنية الدولة. واعتبر أن مفهومي الدولة العميقة أو البنى الموازية، يضعفان كيان الدولة ووحدتها في جميع الحالات، داعيا إلى تجنبهما وبناء الدولة بناء وحدويا مؤتمنا على الصالح العام مع الإبقاء على إمكانية الالتئام مع بنيات موازية تفرضها طبيعة تاريخية أو خصوصية اجتماعية لكن في إطار مؤسسي، وكشف بأنهما مصطلحان دخيلان منبثقان بالأساس من السياق التركي، أفضيا إلى إذكاء الصراع والعنف وتوليد الاضطرابات في الكثير من المحطات. من جهته أكد مولاي إسماعيل العلوي، وزير سابق في حكومة التناوب في مداخلته، أن الازدواجية في النسق السياسي هي ناتجة بالأساس عن ضعف الطبقة السياسية المغربية، التي أهدرت فرصا كثيرة وأخلفت المواعيد في الكثير من المحطات التاريخية قبل الاستقلال وبعده، معتبرا ألاّ معنى لهذا الأخير بدون دولة مؤسسات ديمقراطية. وقال إنه لا يمكن لأي شعب أن يصل إلى دمقرطة الحياة، والدخول إلى الحداثة، التي هي مسير مستمر، وهو مطبوع بفوارق اجتماعية كبيرة وبجهل لا زال مهيمن على أغلبية المواطنين، مدليا بإحصائيات تفيد بأن 32 في المائة من المغاربة لازالوا يعانون تفشي الجهل والأمية في صفوفهم. وتساءل كيف يمكن أن نستثمر مضمون دستور 2011 أمام هذه المعضلة، بل اعتبر الأخطر من ذلك، وجود أمية سياسية وممارسين سياسيين جهلاء. وأبرز مولاي إسماعيل, أن الازدواجية في الحكم نابعة من سياق تاريخي متجذر ولو كانت بشكل "صوري" حيث كان السلطان يأخذ برأي المفتي أو العالم في بعض المواقف، لكن موقفه يظل حاسما لأنه يملك من السلطة ما يفرض ذلك. وقال بأن كل المحاولات التي ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين للدخول في الحداثة الذاتية الوطنية أجهضت وفشلت، إلى أن أتى الاستعمار وفرض الدخول في حداثة مطبوعة بطابع فرنسي جاكوبيني، بمعنى أن الحكم يوضع بيد الشعب ظاهريا لكن في العمق هو في يد من يصل إلى الحكم، بطرق متعددة منها الديمقراطية التمثيلية ومنها بعض الأساليب الأخرى التي تستطيع تجاوز ذلك، مؤكدا على أن الحداثة دخلت إلى المغرب مع الاستعمار الفرنسي بالأساس وهو الأمر الذي خلق نوعا من الثنائية في المغرب. وأبرز المحللون السياسيون في سياق الندوة، التي نظمتها الجمعية المغربية للعلوم السياسية، ومنتدى المواطنة والمجلة المغربية للسياسات العمومية، ومؤسسة فريدريش نومان، أن ما زاد من تعقيد المشهد السياسي المغربي الراهن حرص بعض الفاعلين الرئيسيين على إعادة إنتاج تلك "الثنائيات" التي ظلت تميز الفضاء العمومي بكل أبعاده، بل ومأسستها أحيانا إلى حد إرباك المنظومة المعيارية القانونية التي يقوم عليها أداء المؤسسات العمومية، وإحلال بعض الضبابية على مستوى المسؤولية السياسية أمام المواطن، خاصة في ظل امتداد دائرة القرار العمومي وانفتاحه على فاعلين متعددين من قبيل هيآت الحكامة ومجالس الجماعات الترابية وفعاليات المجتمع المدني والمنظمات النقابية والحقوقية حيث تشكلت ثنائية الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية الأكثر انفتاحا، موضحين أن هناك فاعلا ثالثا أصبح يدلي بدلوه في الحياة السياسة المغربية ويؤثر في بعض قرارارتها ابتداء من سنة 1995 وهو البنك الدولي.