من خلال هذه الحلقات العلمية القيمة، سنجول مع الدكتور التهامي الراجي الهاشمي في حدائق القراءات القرآنية المتواترة، حيث، سيمهد للقارئ بفضل خبرته الطويلة في هذا الميدان العلمي الذي يصح أن نقول إنه حجة فيه الطريق إلى اكتشاف كنوز هذه القراءات، تاريخا، وحفظا، وأداء، وقواعد، وأسرارا. المحرر• شرعنا في الحلقة السابقة نتحدث عن القراء السبعة الذين رأينا منهم اثنين هما نافع المدني وابن كثير المكي، وعلمنا أن لكل واحد منهما راويين؛ فنافع المدني له، كما قلنا قالون وورش ولابن كثير المكي راويان أيضا هما البزي وقنبل، وتبين لنا بعد ذلك أن الروايات القرآنية المطبوعة حتى اليوم سبع وأن التي تنتظر الطبع ثم النشر إن شاء الله سبع كذلك. ثالثا: أما القارئ الثالث الذي يشارك في القراءات السبع فهو أبو عمرو البصري؛ إنه زيان ابن العلاء بن عمار بن العريان المازني التميمي البصري. كان، رحمه الله إمام البصرة ومقرئها، أعلم الناس بالقرآن والعربية مع الصدق والأمانة والثقة والدين. ولد بمكة سنة 70 ه ونشأ بالبصرة ثم توجه مع أبيه الى مكة والمدينة. أما أساتذته الذين تلقى عنهم القراءة فهم: شيبة بن نصاح. عبد الله بن كثير. عاصم بن أبي النجود. نافع بن أبي نعيم. عاصم بن أبي النجود. أبو العالية. ويكفي، أعتقد، لإظهار علو قراءة ابي عمرو البصري أن أذكر ان أبا العالية قرأ على عمر ابن الخطاب وعلى أبي بن كعب وعلى زيد بن ثابت وعلى عبد الله بن عباس وجميع هؤلاء الأئمة، كما نعلم، قرأوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. توفي، رحمه الله تعالى، بالكوفة سنة 154 ه. أشهر الرواة عن قارئ البصرة أبي عمرو هذا اثنان؛ هما: الأول: الدوري نسبة الى (الدور) موضع ببغداد ومحله بالجانب الشرقي. والإمام الدوري هو حفص بن عمر ابن عبد العزيز بن صهبان بن عدي. كان إمام القراءة في عصره وشيخ الإقراء في وقته، ثقة علامة، فصيحا ضابطا، إماما في اللغات والآداب حتى قيل أنه أملى عشرة آلاف ورقة من صدره عن شيخه أبي عمرو خاصة غير ما أخذه عن الخليل وغيره، وهو أول من جمع القراءات. يقول المحقق ابن الجزري عنه في نشره: «ولقد روينا القراءات العشر عن طريقه». لايقرأ الآن برواية الدوري عن البصري في العالم الإسلامي إلا إخواننا في السودان وفي شرق التشاد، ولاسيما في عاصمتهم العلمية «أبشي». تجدر الإشارة هنا الى أن الإمام الدوري الذي اتحدث عنه الأن يروي عن ثلاثة قراء؛ اثنين من السبعة هما: أبو عمرو البصري والكسائي وواحد من الأربعة عشر هو الحسن البصري، فله إذن ثلاث روايات رغم أنه كان، رحمة الله، ضريرا. قال أبو داود: رأيت احمد بن جنبل يكتب عن ابي عمرو الدوري «(النشر في القراءات العشر، الجزء الأول صفحة 256 الترجمة رقم 1159). تعودت أن أقول وأن أتحدث عن القراءات مع طلبتي: (دوري البصري) عندما يكون راويا عن ابي عمرو البصري، وأقول: (دوري علي) عندما يكون راويا عن الكسائي وأقول: (دوري الحسن) عندما يكون راويا عن الحسن البصري؛ أقول هذا ربحا للوقت. أرجو أن لايعتقد القارئ أن رواية «دوري البصري» تشبه رواية «دوري علي» أو أن إحدى هاتين الروايتين تشبه رواية «دوري الحسن» مادامت تروى عن إمام واحد، بل إن لكل واحدة من هذه الثلاث خصائصها. توفي الدوري في شوال سنة 246 ه. الثاني: السوسي: صالح بن زياد بن عبد الله بن إسماعيل بن ابراهيم بن الجارود أبو شعيب السوسي، يعرف عندنا ب (قطب الإدغام) لأنه تميز عن غيره بهذا النوع من الإدغام، والإدغام في اللغة عبارة عن إدخال الشيء في الشيء وهو ينقسم الى كبير وصغير؛ يكون الكبير في المثلين والمتقاربين وسمي بالكبير لتأثيره في إسكان الحرف المتحرك قبل إدغامه، والصغير ما اختلف في إدغامه من الحروف السواكن نحو: «ومن لم يتب فأولئك «ودال» قد «وذل» إذ «وتاء التأنيث ولام» هل «و» «بل» ولا يكون إلا في المتقاربين. لاشك أن المسلمين المؤمنين سيفرحون كثيرا حينما يعلمون ان رواية السوسي عن أبي عمرو البصري هي الآن في آخر مرحلة من تصحيحها من طرف لجنة متخصصة في الموضوع؛ أعتقد أنها تستعد الآن لتسليمها لدار القراءات بألمانيا التي تتكفل بطبعها. وعلمت أن عروضا قدمت للدار من هنا وهناك من محسنين يريدون، جزاهم الله خيرا المساهمة في تكلفة الطبع؛ أما نحن فنتمنى أن نراها في السوق قريبا لننتشي بقراءتها تقربا الى الباري عز وجل. رابعا: أما القارئ الرابع الذي يشارك في القراءات السبع فهو ابن عامل الشامي. أنا لا أعرف أحدا من علمائنا اختلف في اسمه اصحاب تراجم الرجال مثل ما اختلفوا في قارئ الشام؛ فمنهم من قال ان اسمه «ابو عمران» ومنهم من من قال إنه «أبو نعيم» وقيل «أبو عليم» و قيل «أبو عبيد» وقيل «أبو محمد» وقيل «أبو موسى» وقيل «أبو معبد» وقيل «أبو عثمان الدمشقي» وقيل «أبو عامر »، لكننا نحن قراء المغرب لايحلو لنا أن نسميه إلا ب «ابن عامر اليحصبي« وفي جل الأوقات ب «ابن عامر الشامي». كما أنني أيضا لا أعرف قارنا اختلف الناس في إسناد قراءته كما اختلفوا في إسناد قراءة ابن عامر الشامي هذا. وفعلا لقد ورد في إسناده تسعة أقوال. أولها: أنه قرأ على المغيرة، وهذا لاشك صحيح ولايمكن، أعتقد، أن ينازع فيه أحد. الثاني: أنه قرأ على أبي الدرداء وهذا مؤكد للغاية ما دام مثبتا من طرف أبي عمرو الداني الثالث: أنه قرأ على فضالة بن عبيد وهذا جيد كما قال عنه ابن الجزري في «الغاية» الرابع: انه سمع قراءة خليفة رسول الله عثمان بن عفان؛ وهذا غير مستبعد أبدا. الخامس: أنه قرأ على عثمان بن عفان بعض القرآن. السادس: أنه قرأ على واثلة بن الأسقع الليثي رضي الله عنه وهو أمر جائز جدا لأن واثلة توفي سنة خمس وثمانين وله ثمان وتسعون سنة. السابع: أنه قرأ على الخليفة عثمان جميع القرآن وهذا بعيد ولايثبت. الثامن: أنه قرأ على معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنه ولايصح هذا في نظري رغم أن معاوية» وردت عنه الرواية في بعض حروف القرآن؛ هذا ما أكده لنا شيخ القراء الإمام أبو عمرو والداني في كتابه «تاريخ القراء» وما قاله ابن عباس رضي الله عنه لمعاوية وهو في بيته حينما سمعه يقرأ»: تعب في عين عامية «فقال: «ما نقرأها إلا: «... حمئة». التاسع: أنه قرأ على معاذ. وصف هذا السند المحقق ابن الجزري فقال عنه: «إنه واه» أما اسمه الكامل فهو: عبد الله بن عامر بن يزيد بن تميم بن ربيعة اليحصبي وهو من التابعين. ولد سنة ثمان من الهجرة، وكان إمام اهل الشام، قال عنه ابن الجزري: «كان ابن عامل إماما كبيرا وتابعيًا جليلا وعالما شهيرا، أم المسلمين بالجامع الأموي سنين كثيرة في أيام عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه؛ لمعاوية وهو في بيته حينما سمعه يقرأ»: تعرب في عين حامية » فقال: «ما نقرأها إلا: «.... حمئة». التاسع: أنه قرأ على معاذ، وصف هذا السند المحقق ابن الجزري فقال عنه: «إنه واه» أما اسمه الكامل فهو: عبد الله بن عامر بن يزيد بن تميم بن ربيعة اليحصبي وهو من التابعين. ولد سنة ثمان من الهجرة، وكان إمام أهل الشام. قال عنه ابن الجزري : «كان ابن عامل إماما كبيرا وتابيعا جليلا وعالما شهيرا، أم المسلمين بالجامع الأموي سنين كثيرة في أيام عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه؛ فكان يأتم به وهو أمير المؤمنين. جمع له أمير المؤمنين بين الإمامة والقضاء ومشيخة الإقراء بدمشق؛ فاجمع الناس على قراءته وعلى تلقيه بالقبول. أشهر الرواة عن قارئ الشام ابن عامر هذا اثنان؛ هم: الأول: هشام بن عمر بن نصر بن مسيرة السلمي الدمشقي، وكنيته التي اشتهر بها هي: أبو الوليد. أؤكد على النسبة «دمشقي» وذلك لأمرين اثنين: أولهما أن روايته التي يرويها عن ابن عامر الشامي هي التي نسميها «مصحف دمشق» وأنا سعيد غاية السعادة ان أخبر القراء ان لجنة من المتخصصين في رسم القرآن وشكله منهمكة الآن في إعداد هذه الرواية للطبع وستسلمها، بمجرد الانتهاء من ضبطها، الى دار القراءات بالمانيا التي وعدت بطبعها ونشرها على الناس، سيزداد فرح المسلمين عندما يعلمون أن اللجنة العلمية المنهمكة في إعداد هذه الرواية أخضعت آياتها للعد الدمشقي. وهذا هو عين الصواب الذي كنا ننتظر تحقيقه من زمان؛ إذ يجب ان تطبع كل رواية قرآنية متواترة بعد المصر الذي يوجد فيه مصحفها. الثاني: قلنا: إن رواية هشام تتبع في عد آيها العد الدمشقي دون سواه. كما أن رواية قالون يجب أن تخضع للعد المدني الأول ورواية ورش للعد المدني الثاني وروايتي البزي وقنبل للعد المكي وروايتي دوري البصري والسوسي للعد البصري. كما ن رواية ابن ذكوان التي سيرد الحديث عنها قريبا تخضع للعد الحمصي. الثاني ابن ذكوان وهو عبد بن أحمد بن بشر ، يطلق عليه بشير كذلك، ابن ذكوان ابن عمر القرشي الدمشقي ويكنى با عمرو ، يعد الراوي الثقة وشيخ الإقراء بالشام وإمام جامع دمشق، أخذ القراءة عرضا عن أيوب بن تميم وهو الذي خلفه في القيام بالقراءة بدمشق، قدم الكسائي الى الشام فقراً عليه ابن ذكوان سبعة أشهر كما قرأ عليه القرآن مرات. ألف كتاب «أقسام القرآن وجوابها وما يجب على قارئ القرآن عند حركة لسانه» قال الوليد بن عتبة الدمشقي: «ما بالعراق أقرأ من ابن ذكوان» وقال أبو زرعة الدمشقي: «لم يكن بالعراق ولا بالحجاز ولا بالشام ولابمصر ولابخرسان في زمن ابن ذكوان أقرأ عندي منه». ولد يوم عاشوراء سنة ثلاث وسبعين ومائة وتوفي يوم الاثنين لليلتين بقيتا من شوال سنة اثنتين وأربعين ومائتين. نحن بصدد تصحيح رواية ابن ذكوان التي وعدتنا دار القراءات بألمانيا بطبعها ونشرها وسيكون، إن شاء الله، العد الحمصي مطبقا في مصحفه.