لا شك أن المؤتمرات تعتبر محطات حاسمة في حياة المنظمات والأحزاب ، ففيها تتبلور المواقف والبرامج وآليات التنفيذ ، وفيها تتحدد الأجهزة التنظيمية وأدوات العمل ، وفيها تتضح الامتدادات الجماهيرية وقاعدة التحالفات التي تتمتع بها هذه الأحزاب. والمؤتمرات لحظات فارقة واستثنائية تماما، ومن لا يتقن وضع الخطط فيها قد يدمره حدثها . وقد برهن حزب الاستقلال مرة أخرى على أن مؤتمره العام الخامس عشر كان فعلا محطة لربح الرهانات ، فقد كانت محطة تجديدية على جميع الأصعدة ، ومن المؤكد أن النتائج التي تمخضت عنها ستكون لها انعكاسات مهمة على المستويات الاستراتيجية والسيكولوجية والسياسية، تجعلها أهم محطة بالنسبة لحزب الاستقلال بشكل خاص، وبالنسبة للمشهد السياسي بشكل عام . لقد استطاع حزب الاستقلال ، خلال مؤتمره العام الخامس عشر، ربح الرهان على جميع الواجهات: أولا ربح رهان التشبث بالمواقف الثابتة للحزب المتمثلة في الدفاع المستميت عن وحدة الوطن وسيادته و عن قيم الشريعة الإسلامية السمحة وعن الملكية الدستورية ، وثانيا ربح رهان تجديد وتشبيب نخبته السياسية ،وثالثا ربح رهان ضمان قوة ووحدة صفوفه، وهي جوانب من الصعب تحقيقها لولا أن السجل السياسي لحزب الاستقلال كان مختلفاً، باعتبار أن تنظيمه قام على أساس النضال من أسفل ، وبالاعتماد على الديمقراطية الداخلية والتدبير اللاممركز للشأن الحزبي . لقد ظل حزب الاستقلال كما هو. ملتزما بالثوابت التي رسخها الرواد الأوائل، فلم يتوان في الدفاع عنها لحظة واحدة ، ولم تتمكن مختلف المؤامرات من التقليص من توهجه وإشعاعه ، و أثبت المناضلون الاستقلاليون مدى القوة التي يتمتع بها حزبهم في مختلف المعارك والاستحقاقات ، مما حاز إعجاب جميع الفرقاء السياسيين والاجتماعيين ، وهو أمر تجسد فعلا في الحضور القوي والوازن للقيادات الحزبية والنقابية والمجتمع المدني في هذا المؤتمر التاريخي . ولا شك أن النجاح الذي حققه حزب الاستقلال في محطته الأخيرة ومختلف المحطات والمعارك الأخرى ، يرتكز على عاملين أساسيين يتمثلان في إيمان الاستقلاليين والاستقلاليات بالثوابت التي ترسخت عبر السنين ، والإصرار داخل الحزب على الوضوح في المواقف والبرامج والانفتاح على الآخرين بعيدا عن الخضوع لإكراهات التغيرات الظرفية الطارئة .. ومن المهم جدا التذكير، في هذا الإطار بأن نجاح حزب الاستقلال في هذه المحطة هو نجاح للمشهد السياسي المغربي ونجاح للشعب المغربي في معركته من أجل الديمقراطية والتقدم والعيش الكريم .. إن الحضور الوازن لمختلف تلاوين التشكيلات السياسية من معارضة وأغلبية والنقابية والحقوقية والثقافية بقياداتها يعطي صورة واضحة جدا للتقدير الكبير الذي يحظى به حزب الاستقلال في المشهد السياسي الوطني، وحرص المسؤولين من مختلف المواقع الرسمية بالخصوص يترجم بوضوح كامل الموقع المتقدم الذي يعطيه هؤلاء جميعا لحزب الاستقلال في سلم ترتيب مكونات المشهد السياسي في البلاد، وكل هذا يتكامل بطبيعة الحال مع ما يوليه الشعب المغربي لهذا الحزب الذي ما فتئ يؤكد على هذه الحقيقة في مختلف الاستحقاقات والمواعيد الانتخابية. إن طبيعة الحضور في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العام الخامس عشر لحزب الاستقلال أكدت بكل تأكيد الإجماع على التقدير للدور الهام الذي يقوم به الحزب، وعلى التقدير لرصيده التاريخي الذي صنعه رجال ونساء ستظل أسماؤهم محفورة في ذاكرة هذا الشعب، ولا يهم أن تنتبه بعض الأقلام الجافة إلى التقاط هذا المؤشر الهام، فالحقيقة تعلو ولا يعلى عليها.