تم منذ حوالي عشرة أيام إلقاء القبض في المكسيك على أكبر تاجر في المخدرات المدعو "إيل تشابو" الذي تمكن مرتين من الفرار من السجن بطريقة ذكيتين بالرغم من الإجراءات الأمنية و الحراسة المشددة ، و ستقوم السلطات المكسيكية بتسليمه للسلطات الأمريكية التي كانت قد أطلقت أمرا دوليا بإلقاء القبض عليه بعد اتهامه يترويج كميات هائلة من المخدرات في مختلف أنحاء الولاياتالمتحدةالأمريكية. القضايا المرتبطة بالهجرة غير الشرعية و بترويج المخدرات بين الولاياتالمتحدةالأمريكية و المكسيك تم تناولها في عدة أفلام أمريكية من أحدثها فيلم "سيكاريو" الذي يعرض حاليا ببلادنا من إنجاز المخرج و السيناريست الكندي " دونيس فيلنوف " و من بطولة الممثلة البريطانية " إيميلي بلانت " في دور السيدة المطلقة "كايت" الحديثة العهد في الاشتغال بالمكتب الأمريكي للتحقيقات و التي تم اختيارها في فريق مكون من مجموعة من زملائها المحنكين لإلقاء القبض في الحدود الأمريكيةالمكسيكية على مجرم كبير يرأس عصابة خطيرة متخصصة في ترويج المخدرات و في تصفية كل المنافسين له. ستقبل "كايت" المشاركة في هذه المهمة ، و لكنها ستشعر مستغربة مع مرور الوقت بأن الأمور لا تسير بالشكل المنطقي الذي كانت تتوقعه و تؤمن به، و هو أمر لن يجعلها تندمج كليا في هذه العملية كما سيلاحظ ذلك المشاهد، فهي تبدو منذ البداية محتاطة وحائرة و مستغربة لما يجري حولها من تطورات ، بل إنها تتفاجأ بأنها شاركت بسذاجة و حسن نية كطعم في لعبة خطيرة كادت تقتل فيها على يد شاب وسيم أغراها في ملهى ليلي و دخلت معه مخمورة في علاقة لم تعمر ليلة واحدة قبل أن تكتشف أنه شخص ماكر و خطير. ستتواصل التطورات الخطيرة بالانتقال من مكان إلى مكان آخر في أجواء محفوفة بالمخاطر و مظلمة في أغلبها، و ستزداد "كايت" اقتناعا بأن هناك أشياء غريبة تجري داخل فريقها ، الأمر الذي سيجعلها مع مرور الوقت تفقد الثقة تدريجيا في زملائها و من بينهم المحامي الأجنبي السابق "أليخاندرو" (الممثل بينيسيو ديل طورو) المتظاهر بالطيبوبة و الحكمة و الرزانة و الذي تمت الاستعانة به في هذه القضية كي يساعدهم على الوصول إلى رئيس العصابة المبحوث عنه، بل إنها ستفقد كل ثقتها فيهم و ستكتشف أنها كانت في هذه القضية كالغزالة وسط الذئاب، و أن الفساد و الخيانة ينخران حتى المؤسسة المكلفة بمحاربة المجرمين، و سترغم تحت التهديد بالقتل من طرف "أليخاندرو"على توقيع تقرير يؤكد على أن المهمة التي كلف بها فريقها نفذت بنجاح بالكيفية المطلوبة، مما ستضطر مرغمة للتوقيع على التقرير في آخر لحظة دامعة العينين و حاقدة على الخائنين. الفيلم بوليسي و عنيف و مشحون بالطلقات النارية المكثفة و بلقطات المطاردات والتصفيات الدموية البشعة و المروعة على الطريقة المافيوزية و طريقة أفلام الوستيرن أيضا، تتوالى التطورات خلال 122 دقيقة بطريقة خطية في السرد و بإيقاع بطيء نسبيا معتمدا على الحوار في التفسير و الربط بين الأحداث التي لا تختلف في مجملها عن ما سبق مشاهدته في أفلام أخرى من نفس النوع. تتناوب في هذا الفيلم بكيفية كلاسيكية لحظات التوتر و الاسترخاء ، و تتصاعد فيه الإثارة بشكل تدريجي إلى أن تصل قمتها عند الاقتراب من النهاية التي سيكتشف فيها المشاهد اللغز الذي بنيت عليه القصة، و هو لغز غير مفاجئ و ليس جديدا من ناحية نوعه بل تم تناوله في أفلام سابقة بكيفيات أخرى. الفيلم قوي بطريقة إخراجه و بالممثلين المشاركين فيه و على رأسهم الممثلة إيميلي بلانت و الممثل بينيسيو ديل طورو، و لكن السيناريو ليس قويا من الناحية الدرامية إلى درجة قطع أنفاس المشاهد، و كان يمكن فيه تفادي بعض التساهل والاستغناء أيضا عن بعض اللقطات التفسيرية و التمطيطية التي أثرت سلبا على إيقاعه في نصفه الأول ، وعن البناء غير المقنع لبعض الأحداث أذكر من بينها التركيز بين الحين و الآخر على أسرة أحد رجال الشرطة لإبراز طيبوبته و حنانه من خلال علاقته مع ابنه و زوجته، وكل هذا لخلق تعاطف معه من طرف المشاهد و صدمه بعد ذلك حينما سيكتشف أنه هو أيضا يقوم بترويج المخدرات، و هو بناء ساذج طبعا، و بالرغم من ذلك فهو فيلم مسل و مثير سيروق لا محالة عشاق هذا النوع من الأفلام.