لقد كانت مجلة "دفاتر السينما" لوحدها قادرة على الإطاحة برموز سينمائية و وضعها على رفوف النسيان ولو بشكل مؤقت ، وتجعل من آخرين كانت هامشية أو مازالت في بداية المشوار في واجهة النجاح وخلق نوع من الإجماع حولها. كان هذا في زمن لعب فيه الناقد السينمائي دورا أساسيا في صناعة الفرجة وجعلها ممكنة من خلال بث الحياة في عمل سينمائي، ودلك بالترويج له و تبنيه. كان الناقد يعيد النظر في التاريخ الرسمي للسينما الذي كانت تتحكم في الاستوديوهات وكبريات الشركات السينمائية ويعيد كتابته و يرد الاعتبار للمخرج المؤلف، حيث كان النجم هو المحدد الأول للفيلم و يعتبر المخرج تقنيا موظفا من طرف الأستوديو لخدمة صورة النجم. الآن تخلت صناعة السينما عن الناقد لصالح مواقع التواصل الاجتماعي ، والشركات وصناع الحملات الإشهارية، أصبحت أهمية الفيلم مرتبطة بقدرته على خلق الحدث والإثارة ، وكأن الأمر يتعلق بنشرة أخبار الثامنة والنصف على قناة عمومية. أصبح لزاما على المخرج أن يكتب فيلمه، أن يتقن فن تحرير وصياغة ملفات الترشيح لمختلف صناديق التمويل، ملفات تسيل لعاب اللجان وإثارة انتباهها ، أن يسافر عبر العالم أينما وجد التمويل ومنتديات الإنتاج، أن يصور فيلمه بعد انتظار طويل بالإمكانيات المتاحة بعشرة في المائة من التمويل الذي توقعه ، و يحاول عبثا أن يجد موزعا ، و أن يفكر في بلورة استراتيجية الترويج والدعاية , و أن يملأ استمارة التسجيل لأكبر عدد ممكن من المهرجانات ...ماذا يتبقى من الإبداع بعد هدا السفر المرهق؟ بعد أن يكون الحامل للمشروع قد تخلى على جزء من طراوة فكرته في الطريق ، وانصاع بوعي و لانتظارات السوق و المهرجانات المحتملة و مؤسسات البث. كان الناقد صديقا حميما للمخرج ورفيق دربه، يتابعه ، ينتظر جديده ليسائله و يجد له مكانا في تاريخ السينما، يرصد نواياه الخفية و يعيد بناء العمل . في تلك الأثناء نكون نحن جمهور السينيفليين في كل بقاع العالم قد تعلمنا درسا في السينما دون اللجوء إلى المعاهد و الجامعات المتخصصة التي كانت غير موجودة، يحدث هذا غالبا حتى قبل أن يحط الفيلم الرحال في قاعات البلد. كان انتظار الفيلم يعادل انتظار دعوة طال التنبؤ بها. الآن نشاهد الفيلم وكأن الأمر يتعلق بطبق في إحدى المطاعم ، نعلق عليه في حديث عابر وما أن نعبر باب المطعم لا نعود إليه إلا بمناسبة السؤال: هل شاهدت الفيلم الفلاني. بل أصبح لا يعمر الفيلم طويلا ولا يستطيع أن يقاوم النسيان ويصنع الذاكرة. ما أن ننتهي من مشاهدة فيلم حتى نمر لآخر وكأننا في سباق مع الزمن. باختصار شديد، توجد سينما حينما يوجد فيلم في علاقته مع أفلام أخرى ، و يخلق سلسلة من الإحالات ، أقول مرة أخرى ، توجد السينما حينما يقوم الناقد بدوره أو تتاح له إمكانية ذالك .