عادت قضية الحجاب في فرنسا إلى الواجهة، بعد دعوة المجلس الأعلى للاندماج إلى حظر ارتدائه في الجامعات التي قد تلتحق قريبا بالمؤسسات الحكومية والمدارس العامة التي يحظر فيها الحجاب بشكل قاطع. وقال المجلس في توصية سرية تسربت لصحيفة "لوموند" إن هناك حاجة لاتخاذ هذه الخطوة لمواجهة المشاكل التي تسببها طالبات يرتدين الحجاب، ويطالبن بمكان للصلاة وقوائم طعام خاصة في الجامعات، معربا عن قلقه مما اعتبره:" ازدياد الانتهاكات لمبدأ الحياد الديني في الجامعات الفرنسية". وبدأت فرنسا في تقنين منع الحجاب عام 2004 عندما حظرت ارتداءه في المدارس العامة، ضمن ما سُمي ب" منع الرموز الدينية"، واستثنيت من القرار الجامعات. وفي أول تعليق له على تقرير المجلس، لم يستبعد وزير الداخلية الفرنسي احتمال تنفيذ هذه التوصية التي اعتبرها "جديرة بالاهتمام"، فيما ارأت "لجنة 15 مارس - حريات" التي تناهض ظاهرة "الإسلاموفوبيا" أن التوجه إلى حظر الحجاب في الجامعات الفرنسية "خطوة أخرى على طريق شرعنة اضطهاد المسلمين"، مضيفة أن "فرنسا ترغب في الفصل بين الدين والدولة ولكنها تتبع أساليب خاطئة فى إصدار قوانين تستهدف المسلمين في المقام الأول، بينما كان من الممكن أن تتبع الحيادية وتحترم الخيارات الشخصية". وفيما اعتبره المراقبون تزايدا لمشاعر "الإسلاموفوبيا" في فرنسا، حذر عدد من الساسة والجامعيين من أن حظرا جديدا قد يثير التوترات بين الحكومة الاشتراكية التي تدافع بقوة عن علمانية فرنسا، والمسلمين الذين يشعرون أن مثل هذه القوانين تهدف إلى عزلهم ومعاقبتهم. ويتزامن تقرير المجلس الأعلى للاندماج الذي سيُكشف عن تفاصيله قبل نهاية أكتوبر الجاري، مع الزوبعة العنصرية التي أثارتها زعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبين، بمطالبتها قبل أسبوع بحظر ارتداء الحجاب في الأماكن العامة بما في ذلك المحلات التجارية ووسائل النقل وحتى في الشوارع، والتوقف منذ اليوم عن تمويل المساجد بصورة مباشرة أو غير مباشرة، سواء كان التمويل محليا أو أجنبيا باستثناء الحالات المحددة في اتفاقيات المعاملة بالمثل.. ولم تترد في القول إنها مستعدة في حال ما كانت في الحكم ل"طرد كافة السلفيين الأجانب من الأراضي الفرنسية" وتعديل الدستور بشكل ينص على أن الدولة "لا تعترف بأية طائفة". ومثل هذه النداءات التي تطلقها زعيمة "الجبهة الوطنية" (اليمين المتطرف)، تفضح بقوة مخططات التذويب التي ترسمها بعض الدوائر العنصرية لإرغام المهاجر على حمل ثقافة البلد المحتضن ولو جزئيا وعزله وتمييزه تدريجيا كي يحتضر شيئا فشيئا في إطار ما يمكن تسميته بالعنصرية الهادئة أو المقنعة. ومن الطبيعي أن تنتج عن ذلك ردود فعل هوياتية قد تصل أحيانا إلى حد العنف والتصادم. وصراع العلمانية والهوية الذي يشعل اليمين المتطرف فتيله، يؤكد حجم الأرق الذي يعاني منه خصوم الإسلام الذين يجرّمون تارة الحجاب وتارة البرقع وتارة المآذن وإن كانت صامتة ممنوعة من رفع الآذان، من دون فهم أو تفهم لهذا الدين ومن دون استيعاب دلالاته الروحية لدى المسلمين دون تخوف من أي مد أو أي ضرر قد يلحق بالهوية والعلمانية التي تنشدهما فرنسا. ولا تفرق مارين لوبن التي رضعت حليب العنصرية من فكر أبيها، بين الإسلام والهجرة، فتضع الإسلام في خانة ضيقة ومغلقة على النحو الذي يُفهم أنه غير قادر على التحاور والاختلاط مع الحضارة الغربية، بل تذهب إلى حد اعتبار الإسلام دين المهاجرين فقط لجهلها أو لتجاهلها بأن الإسلام موجود في فرنسا منذ أكثر من قرن، وليس ظاهرة مهاجرة، بل هو عقيدة يدين بها عُشر الفرنسيين وخُمس البشرية. وأظهر استطلاع للرأي نشرت نتائجه، أول أمس، صحيفة "لوفيغارو" أن 78% من الفرنسيين يعارضون السماح "بارتداء الحجاب أو غطاء الرأس الإسلامي في قاعات التدريس في الجامعات". ويفيد الاستطلاع الذي أجراه معهد إيفوب بأن 4% فقط من الفرنسيين يؤيدون السماح بارتداء الحجاب في قاعات التدريس في مؤسسات التعليم العالي، بينما امتنع ال18% الباقون عن إبداء رأيهم. والشبان دون 35 سنة هم أكثر انفتاحا على السماح بارتداء الحجاب من كبار السن المتقاعدين الذين أبدوا بنسبة 86% رفضهم للحجاب مقابل 1% فقط أيدوا السماح بارتدائه، في حين وافق 11% من الشبان وعارضه 63% منهم.