تعرف الاستحقاقات الجماعية لانتخاب ممثلي المجالس الجماعية على غرار الاستحقاقات الانتخابية المهنية السابقة منافسة بين مختلف الأحزاب السياسية، غير أن هذه المنافسة قد تخرج عن إطارها التنظيمي والقانوني القاضي بفصل الدين عن السياسة خصوصا في ظل التعليمات الصارمة التي قدمتها وزارة الداخلية لمنع الحملات الدعائية في المساجد ومختلف أماكن العبادة وملحقاتها والأضرحة والزوايا وأسوار المقابر، وفي هذا الشأن و- حسب ما علم - من جماعة "أولاد ازباير"، فقد لجأ أحد المرشحين المحسوبين على حزب "العدالة والتنمية" لاستغلال المسألة الدينية وتوظيفها في العملية الانتخابية أثناء حملته الدعائية، والنموذج يمكن استعراضه من الدائرة الانتخابية رقم 20 المسماة "حجير بومليح" بأولاد ازباير بإقليمتازة؛ حيث تقول – أنباء واردة من هناك - بأن مترشح "المصباح" في هذه الدائرة، وبعيدا عن الإطار الذي يمنحه له الدستور باعتباره مواطنا له حق الترشح مثلما له حق التصويت ومثلما هو معمول به في المقتضيات التنظيمية للحملات الانتخابية... عمد وبعيدا عن كل الأخلاقيات والآداب التي ينبغي أن تتوفر في رجل دين من المفترض أن يخلص الدين من السياسة... وبعيدا عن تبني المرجعية السياسية للحزب الذي قدم له التزكية فقط وهو حزب العدالة والتنمية، عمد إلى توظيف الدين الإسلامي في حملته الدعائية، لكن بطريقة غير مشروعة؛ إذ أفاد مجموعة من المواطنين - في عين المكان حسب زعمهم - بأن السيد المذكور يلجأ بطريقة تدليسية تحايلية باعتباره مترشحا عن دائرة "حجير بومليح" ب"أولاد ازباير" إلى الانفراد ببعض المصلين داخل المسجد أو بجواره من خلال الحديث غير المباشر معهم تفاديا للإجراءات التنظيمية التي تمنع ذلك داخل المساجد واحترازا من رقابة السلطة المحلية، ولكن هذه المرة من خلال اتباع المنطق الواقعي البراغماتي القاضي باتباع أسلوب دعائي مهذب وسلس يقوم على "البروباغاندا" الدينية التي تتبنى سياسة "اقتل الناخب بالدعاية الدينية وسر في جنازته السياسية"... هذا الأسلوب – حسب ما عبر عنه مجموعة من الناخبين - قائم على ثعلبة دينية تقضي استهداف بقية المترشحين بدعايات تحريضية مغرضة وبالمقابل إظهار خصال الورع والتقوى التي من الممكن أن تستقطب الجماهير... ويرى مجموعة من شباب المنطقة ورجالاتها – حسب تعبيرهم - بأن المترشح المذكور قد لوث الدين الإسلامي بممارسات لا أخلاقية ولا أخلاقوية، توجد فقط في المجال السياسي من قبيل الكذب السياسي والتبرير السياسي، والنفاق السياسي المغلف بغطاء ديني..... غير أن الخطير في الأمر و- حسب ما صرح - به مجموعة من ساكنة جماعة "أولاد ازباير" - هو أن المعني تمادى في توظيف الدين في السياسة من خلال ترويجه لفكرة أنه حاج زار بيت الله الحرام وأنه مداوم على الصلاة بالمسجد وأنه رجل ورع تقي صالح يتميز عن غيره من المترشحين، بل من المواطنين بلحيته السنية التي يعبر من خلالها بأنه محسوب من أهل الجنة والعدالة والتقوى والإيمان والصلاح والفلاح، وأن لباسه الإسلامي يميزه عن أهل الحق والباطل وعلى ذلك فهو منزه وشريف ولا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه، وبالتالي فهو الأحق والأجدر بالفوز كمثثل عن دائرة "حجير بومليح" بأولاد ازباير – على حد تعبيرهم-... وفي استطلاع لرأي شريحة من المواطنين بجماعة "أولاد ازباير" لآرائهم حول المتاجرة السياسية بالدين على هذه الشاكلة؛ ارتأت الغالبية العظمى من المستطلعين بأنهم ضد تلفيق التهم للأشخاص أو سبهم وشتمهم بالبت والمطلق مثلما هم ضد توظيف الدين في السياسة خدمة للحسابات الضيقة والأغراض الانتفاعية والمصلحية التي تستهدف تحقيق المصلحة الشخصية على حساب المصلحة العامة وعلى حساب اللعب على الوتر الحساس للمواطنين الذي هو الدين وتضليل الناس به والتحايل عليهم، مطالبين بتبرئة الدين من السياسة وبمزيد من الرقابة وقطع الطريق على من يتغطون ويتخفون وراء الرداء الديني، ومنوهين في ذات الوقت بالقرار الملكي التاريخي القاضي بمنع الأئمة والخطباء وجميع المشتغلين في المهام الدينية من "ممارسة أي نشاط سياسي"، ومنع "اتخاذ أي موقف سياسي أو نقابي"، إضافة إلى المنع عن "القيام بكل ما يمكنه وقف أو عرقلة أداء الشعائر الدينية" معتبرين ذلك هو السبيل الناجع لتفادي المتاجرة بالمظاهر الدينية في المجالات السياسية. هذا وتجدر الإشارة – في سياق متصل دائما بمدينة تازة - إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي وبشكل خاص موقع "فايسبوك"، حفلت بحملات مجموعة من النشطاء الفايسبوكيين المنتمين لإقليمتازة تدعو إلى مقاطعة التصويت على حزب "العدالة والتنمية " في انتخاب 4 شتنبر القادم لأعضاء المجالس الجماعية والجهوية؛ وذلك بعد أن تهجم رئيس الحكومة والأمين العام لحزب المصباح "عبد الإله بنكيران" على سكان من الإقليم واصفا إياهم ب"البلطجيين" في لقاء جماهيري له بالمدينة زوال الإثنين المنصرم، وهو لقاء يندرج ضمن سلسلة لقاءات حملاته التجمعية الانتخابية في مجموعة من المواقع الوطنية. وقد عبر – الناشطون- على صفحاتهم الفايسبوكية وضمن تعليقاتهم على الطرد الذي تعرض له "بنكيران" بتازة بعد محاصرته عن ابتهاجهم وسرورهم عن هذا العمل التاريخي المشهود – على حد وصفهم – خصوصا بعد تم تداول شريط "فيديو" على صفحات الجرائد الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي يظهر فرار "بنكيران" واستهجانه، كما اعتبر النشطاء أن نعت "بنكيران" لمواطنين من ساكنة الإقليم قدحي ولا يليق برئيس حكومة وبعيد كل البعد عن الأخلاقيات السياسية وأدبيات الحملات الانتخابية... بل يتجاوز مقتضيات القانون التنظيمي المؤطر للعملية الانتخابية والذي يقتضي - من ضمن ما يقتضيه - عدم المس بالكرامة الإنسانية, وهو القانون الذي أشر عليه "بنكيران" نفسه كرئيس للحكومة ورئيس لحزب "العدالة والتنمية". وتأتي هذه الدعوة لمقاطعة التصويت على حزب "المصباح" لتنضم لدعوات في مدن وأقاليم أخرى لها نفس المطلب والغاية، كما تأتي في سياق مطالب موسعة تبنتها هيئات وجهات أخرى على غرار حزب "النهج الديمقراطي" وشبيبته، وجماعة "العدل والإحسان" وحركة "الشبيبة الديمقراطية التقدمية"، التي تمثل القطاع الشبابي ل"الحزب الاشتراكي الموحد" المشارك في الانتخابات، تطالب هي أيضا بمقاطعة التصويت بشكل كلي في الانتخابات الجارية والتي اعتبرتها "مسرحية مفصلة وحكاية هزلية محبوكة". وقد اعتبر دعاة مقاطعة التصويت على "البيجيدي" أن سكان تازة ومعهم بقية سكان جهة فاس - مكناس الشرفاء مطالبون في يوم الجمعة 4 شتنبر المقبل بتجسيد مطلب الانتصار للشعب الذي خذله حزب "العمالة والتعمية" على - حد تعبيرهم - والذي كان ينظر إليه بمثابة ذاك النور المنقذ الذي علقت عليه الآمال والذي جاء سنة 2011 ليخلص الشعب من معاناته، فإذا به يزيد منها وبهذه الزيادة زاد الطين بلة، واعتبروا أن أي تصويت لمرشحي هذا الحزب الشيطاني البئيس – على حد وصفهم – إنما هو خيانة أخرى لأبناء "تازة" وتزكية للتسفيه والتجريح البذيء الذي تعرضوا له على لسان "بنكيران" وإعطاء فرصة أخرى لاستكمال مسلسل تفقير وتجويع واستحمار واستغباء الشعب المغربي- على حد تعبيرهم - . هذا في وقت ارتأى فيه نشطاء آخرون من ذات المدينة بأن حزب "العدالة والتنمية" قد تحول إلى حزب فاسد ولوث الدين الإسلامي حينما جاء على صهوة الدين الذي اتخذه كمطية للفوز بانتخابات 2011، وحينما قدم تزكيات في الانتخابات الحالية (انتخابات 2015) إلى مرشحين أيديهم ملطخة بالفساد وآخرين مشبوهين باستخدام المال في حملاتهم الانتخابية... يذكر أن "عبد الإله بنكيران" كان يلقي كلمة له في تازة الإثنين المنصرم في مهرجان لحزب "العدالة والتنمية" الذي استقدم له شبابا من القاعدة الممثلة لحزب "المصباح" بالرباط وسلا وتمارة من ضمن شبيبة التوحيد والإصلاح/البيجيدي لتأمين الحماية لوزراء الحزب، وبعد أن وصل به الغضب إلى درجة الحنق نتيجة ما وجده من ضعف الإقبال على الانتماء لحركة التوحيد والإصلاح بتازة، وهي الحركة التي تعتبر الدراع الدعوي للحزب، وبعد ما تلقاه من انتقادات عن الأداء الحكومي الهزيل الذي ارتأى من خلاله مواطنو إقليمتازة أنه خان أمانة المغاربة بعد الوعود التي قطعها لهم سنة 2011 ولم يف بها... وصف على إثر ذلك "بنكيران" أبناء من سكان "تازة" ب"البلطجييين"، مما أجج حفيظة الجماهير الحاضرة وأثار ثائرتها، فكان أن قطعت عليه كلمته التي لم تتجاوز 15 دقيقة، وحاصرته مع مجموعة من أعضاء حزبه مرددة عبارات "تازة بلاد الرجال والأحرار"، "ارحلوا يا حزب الشيطان"... وقد تلقى "عبد الإله بنكيران" صفعة طائشة من الجمهور الغاضب أثناء محاولة إخراجه من مكان المهرجان من طرف شبيبة "البيجيدي" التي ظل أعضاءها يرددون في صراخ مستمر عبارة "السمطة، ديرو السمطة"، والتي مفادها ومطلبها ضرورة إحداث سياج من الحراس حول "بنكيران" كي لا يتعرض لمزيد مما قد لا تحمد عقباه، خصوصا بعد أن تطورت الأوضاع إلى مؤشرات حدوث عراك ودهس واشتباكات بين الجماهير الساخطة وحراس "بنكيران"... ولم يفلت "بنكيران" إلا بصعوبة، وقد نعتت بعض الجماهير الناقمة هذا الأخير ب"البياع" و"الخائن"، وردد جم غفير منهم أثناء إلقاء كلمته عبارة" إرحل، إرحل" كما ردد آخرون عبارة:"وا الحكومة وا الشفارة". وتظهر أشرطة فيديو معروضة على الأنترنيت قبل ذلك "بنكيران" محاطا بفرقة موسيقية، ويدخل في نقاش مثير للسخرية مع المحتجين مصحوب بقهقهات وضحكات استهزائية منهم أرفقها بألفاظ وعبارات:" أنتم ارحلوا، أودي على الرجلة..."، كما تظهر أيضا طلب "بنكيران" من أحد المرافقين - يعتقد أنه المسؤول عن تشغيل الموسيقى – إيذاع أغنية لتجاوز الهتافات الاستهجانية من المحتجين وذلك على النحو التالي:"هاديك الأغنية ديالك فين راها، هاديك (أرواح رواح)". يذكر أن "تازة" عاصمة المغاوير ومسقط رأس الأمين العام لحزب الاستقلال "حميد شباط" عرفت سنة 2011 أحداثا ساخنة تعتبر الأشرس والأخطر على الصعيد الوطني آنذاك في حي "الكوشة" بتازة العليا، ترتب عنها اضطرابات ومواجهات عنيفة مع قوات الأمن واعتقالات وضحايا. وهي الأحداث التي عرفت أيضا ب"خريف تازة" والتي انطلقت باحتجاجات عادية حول ارتفاع أثمنة الماء والكهرباء، قبل أن تتطور إلى قيام محتجيين غاضبين بإحراق سيارة للأمن، وقيام اعتصام داخل مقر عمالة الإقليم؛ فرافق ذلك اعتقالات طالت عددا من شباب المدينة، وتحولت مظاهر الاحتجاج على غلاء الماء والكهرباء إلى احتجاج على التهميش والإقصاء، ترتب عن ذلك مجموعة من الأحداث الدامية، عجلت بعقد اجتماع طارئ بين رئيس الحكومة عبد الإله "بنكيران" والممثلين البرلمانيين للإقليم بالرباط، وهو الاجتماع الذي لم يقدم أي شيء أو جديد لتازة حسب ساكنتها.