سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بينما العالم العربي يترنح تحت ضربات الإرهاب: جلالة الملك يقدم في خطاب تاريخي النموذجَ المغربيَّ لمحاربة التطرف والإرهاب في الدول العربية.. بقلم //عبد القادر الإدريسي
تَتَصَاعَدُ وتيرة الأزمات التي تعيشها بعض البلدان العربية نتيجة ً للصراعات المحتدمة وللتوترات الحامية ولتفاقم ظاهرة التطرف والإرهاب بكل أشكاله، مما يجعل هذه البلدان الشقيقة في وضع شديد الخطورة بات يهدد العالم العربي في أمنه واستقراره. فالحروب الدائرة في كل من العراق وسوريا واليمن وليبيا، ليست حروبًا محلية، ولكنها مصادر للخطر المحدق بالدول العربية كافة، الأمر الذي يجعل التفكير في إيجاد تسوية للأزمات العربية المتراكمة مسؤولية مشتركة بين القادة العرب، خصوصًا أولائك القادة الذين لهم الشرعية التي يستندون إليها، ويمتلكون المصداقية، والذين يخلصون في أداء الواجب والوفاء بالأمانة التي هم مطوقون بها. إذ لم يسبق أن مرّ العرب بمثل هذه الأزمات، حتى في زمن الاستعمار والاحتلال والانتداب والحماية، ولم يسبق أن كان القادة العرب مسؤولين بهذا القدر عن تدهور الأوضاع العربية بشكل مطلق. ولقد كان جلالة الملك في مستوى هذه المسؤولية التاريخية في الخطاب الذي وجهه إلى الشعب في الذكرى الثانية والستين لثورة الملك والشعب، حينما دق ناقوس الخطر، ووصف الحالة العربية بدقة متناهية، وبإحساس القائد البصير بالأمور العارف بحقائقها المدرك لخطورتها، إذ قال : (إن العالم اليوم، والمنطقة المغاربية والعربية خاصة، تعرف تطورات متسارعة، بسبب تنامي نزوعات التطرف باسم الدين، وتزايد عصابات الإرهاب. ولأننا نعرف أن الإرهاب لا دين له ولا وطن، فقد انخرط المغرب في الجهود الدولية التي تهدف إلى محاربة هذه الآفة العالمية). وليسن من شك أن تنامي نزوعات التطرف باسم الدين وتزايد عصابات الإرهاب، هما مصدر الخطر الذي يتهدد العالم كله، وليس العالم العربي فحسب. وفي كلام جلالة الملك ملمحٌ من ملامح السياسة الواقعية التي يسلكها المغرب في محاربة التطرف الذي هو الدافع القوي للإرهاب. ذلك أن تعبير (التطرف باسم الدين)، ليس هو تعبير (التطرف الديني) الذي يتحول في بعض وسائل الإعلام العربية والغربية إلى (التطرف الإسلامي)، أو (الإرهاب الإسلامي)، أو (الإسلام الإرهابي) بعبارة مكشوفة. ولذلك نجد في الخطاب الملكي الدقة الموضوعية في استخدام المفردات، وهو ما يميّز الخطب والكلمات والرسائل التي تصدر عن جلالة الملك. والأمر هنا ليس أمرَ لغةٍ، ولكنه الفكر السياسي الذي يلتزم به المغرب، سواء في تدبير الشؤون الداخلية، أو في التعامل مع القضايا العربية والدولية. ولقد قدم جلالة الملك للعالم العربي نموذجًا راقيًا للسياسة التي يتعين أن يعمل بها في مواجهة التطرف الذي تحركه الدوافع الدينية غير السوية والمفاهيم المغلوطة. فقد قال جلالته : (إن مواجهة التطرف يجب أن تتم وفق مقاربة تشاركية، تقوم على تعزيز قيم الانفتاح والتسامح التي يؤمن بها المغاربة، ويتكامل فيها النهوض بالبعد الاجتماعي والتنموي، مع الدور الديني والتربوي، إضافة إلى الجانب الأمني). وهذا النموذج الواقعي الذي ثبتت جدّيتُه وفعاليتُه وجدواه، والذي يقدمه المغرب للعالم العربي في مشرقه ومغربه، هو الذي يفتقده العرب الذين حان الوقت ليقتدوا بالمغرب الذي حافظ على أمنه واستقراره، لأنه عرف كيف يتصدَّى للأسباب التي تؤدي إلى التطرف والإرهاب، فكان مثالا ً في هذا المجال للأمن والاستقرار، انطلاقًا من أن (الحفاظ على الأمن والاستقرار ليس من مهام الدولة ومؤسساتها فقط، وإنما هو أيضًا من واجبات المواطن، في إطار التعاون والتنسيق مع الأجهزة المختصة). كما جاء في الخطاب الملكي. إن إشراك المواطنين في عملية الحفاظ على الأمن والاستقرار، يقتضي أن يكون المواطنون على درجة عالية من الوعي ومن الإحساس بالانتماء للوطن. وهو الأمر الذي يتطلب انخراط المجتمع بكل فئاته، في الجهود الوطنية الرامية لدرء الخطر عن الوطن بشتى الوسائل. وهذا هو المدلول العملي لمفهوم المقاربة التشاركية لمواجهة الإرهاب والتطرف. وقد قطع المغرب أشواطًا في هذا الاتجاه، وإن كان، كجميع بلدان المنطقة، بل وكل دول العالم، ليس بعيدًا عن التهديدات الإرهابية. وهذا من الأمور الطبيعية، لأن الإرهاب موجات متلاحقة لا يدري أحد متى تهب ومن أية جهة تأتي. ولهذا كان من وظائف الأمن علي تعدد أجهزته وتنوّع تشكيلاته، توقّع الأسوأ في كل حين. واتخاذ العدة للتعامل مع شتى الاحتمالات. إن المغرب يقدم تجربته الناجحة في الحفاظ على الأمن والاستقرار للعالم العربي بل وللعالم أجمع. وفي الخطاب الملكي يوم 20 أغسطس، من الدروس ما يستحق المتابعة من العرب كافة، لأنها دروس واقعية، ونصائح عملية، وتوجيهات سديدة، يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في هذه المرحلة التي يتعاظم فيها الخطر الذي يطوق الجميع دون استثناء. والواقع أن الدول العربية التي تعيش الأزمات المتراكمة لا تلتزم السياسة الواقعية في التعامل مع المخاطر المترتبة على تنامي التطرف وتفاقم الإرهاب. وحتى الدول العربية التي نجحت في التصدي للتطرف والإرهاب نجاحًا ملموسًا، وفي طليعتها المملكة العربية السعودية، بدأت تعيد النظر في الاستراتيجية الأمنية التي تعتمدها. ولقد لفت نظري مقال نشر في (الشرق الأوسط) للكاتب السعودي عبد الله بن بجاد العتيبي تحت عنوان (إرهابيون وليسوا فئة ضالة). وهو عنوان ذو دلالة سياسية وفكرية ودينية عميقة. فقد دعا الكاتب إلى اعتماد منظومة فكرية وإعلامية جديدة تتلاءم مع التطورات المتسارعة التي تعرفها بلاده، والتي قال عنها إنها يجب أن تبنى من جديد على أساس تسمية الأمور بأسمائها دون مواربة أو مَجاز ٍ، فقيادات هذه الجماعات وعناصرها إرهابيون وليسوا فئة ضالة، ومجرمون وليسوا مغررًا بهم، هم يستحقون المحاكمة لا المناصحة، والعدالة الناجزة بالتنفيذ السريع والواسع لأحكام القضاء فيهم. وهذا كلام دقيق، فقد كان مما يلاحظ أن السعودية لم تكن تسمي الجماعات الإرهابية باسمها الحقيقي الذي تستحقه، وكانت تستعمل عبارة دينية غير محددة المعالم ولا تعبر عن حقائق الأمور، وهي (الفئة الضالة)، بينما هي الفئة الإرهابية المجرمة القاتلة المدمرة للحياة. ولم يكن أحد يجرؤ في السعودية على لفت النظر إلى ضرورة مراجعة تلك السياسة التي كان يغلب عليها الطابع الديني المحض، لا الطابع السياسي والقانوني والجنائي تحديدًا. أما وقد قالها كاتب سعودي في جريدة سعودية واسعة الانتشار، فهذا يدل على أن الأمور بدأت تسير في الاتجاه الذي ينبغي أن تسير فيه. وإن كان هذا لا يعني أنها لم تكن تسير في الاتجاه الصحيح. ذلك أن التطورات الخطيرة التي عرفتها المنطقة خلال الفترة الأخيرة، تقتضي أن تتلاءم الاستراتيجية الأمنية مع المتغيرات الجارية. وإن كان الأمر يتطلب المزيد من التغيير لمواكبة التحولات المتسارعة على الأرض. ونحن نُورد هذا المثل، لأن السعودية من الدول التي نجحت في التصدي للتطرف والإرهاب إلى حد بعيد، على الرغم من أن التهديدات لا تزال قائمة في المنطقة، بل وفي جميع مناطق العالم. وهو ما عبر عنه الخطاب الملكي بأقوى عبارة، الأمر الذي جعل منه خطابًا موجهًا إلى العالم العربي لما اشتمل عليه من دروس بالغة القيمة شديدة الأهمية، يتوجب على القادة العرب أن يتلقوها بقدر كبير من الوعي السياسي الرشيد. لو أخذت الدول العربية بالاستراتيجية الأمنية الواعية والرشيدة والمحكمة والمتعددة المجالات (حتى لا أقول المندمجة) التي يعتمدها المغرب في محاربة التطرف والتصدي للإرهاب، لما تفاقمت الأزمات التي تطحن الشعوب العربية في تلك الدول. فالمغرب القوي المتماسك الآمن المستقر، هو الدولة النموذج على مختلف المستويات. وذلك هو ما جعل بلادنا تنعم بالأمن والاستقرار. ولكن ما دامت التهديدات قائمة، على المستويات كافة، فإن اليقظة مطلوبة، والحذر مرغوب فيه، والتأهب لمواجهة شتى الاحتمالات ضرورة مؤكدة، ومشاركة المواطنين كافة في الجهود المبذولة لمكافحة التطرف والإرهاب، يجب أن ترقى إلى المستوى المطلوب من جميع النواحي، إذ لا أمان في هذا العالم المضطرب، ولا ثقة في القوى العظمى التي تمسك بخيوط السياسة الدولية، والتي من المفترض أن تكون حامية للقانون الدولي، وصاحبة السبق في حفظ الأمن والسلم الدوليين.