لقد تحققت في ختمة العلامة أحمد بن موسى السلاوي لصحيح الإمام البخاري رضي الله عنه الأركان الثلاثة للشرح القيم المعتبر: القيمة العظمى للكتاب المشروح. دقة وجودة الشرح. المكانة العلمية الرفيعة للشارح. وعلى قدرالمتون المشروحة وجودةالشروح ودقتها ومكانة الشراح ومدوني الختمات العلمية تكون قيمة الشرح. لاسيما وأن الكتاب الذي ختم شرحه العلامة أحمد بن موسى أصح كتاب في الدنيا بعد القرآن العظيم، وقدرمصنفه وفضله مما أجمع عليه العلماء قديما وحديثا، مشرقا ومغربا، ومكانة الشارح العلمية خاصة في هذا الميدان الذي هو علم الحديث مما نوه به الأساتيذ والتلاميذ، وقد أعجبني ما مهد به ناسخ هذه الختمة وهو نجل مترجمناالمقرئ الحاج عبد الرحمان بن موسى رحمه الله وأسكنه فسيح جناته عندما قدم بين يدي نسخها قصيدة نقلها بخطه المتقن الجميل وهي لشيخ النحاة بالديارالمصرية وشيخ المحدثين بالمدرسة المنصورية أثيرالدين أبي حيان محمد بن يوسف يمدح فيها البخاري وكتابه الصحيح رحم الله الجميع بمنه وفضله، وأحببت أن أذكرها هنا تذكيرا بقدرهذا الكتاب العظيم وفضل مؤلفه الإمام الجليل، ولأقدم الأمانة كما تلقيتها وأبلغها للقارئ كما وجدتها، وهذه هي القصيدة : أسامع أخبارالرسول لك البشرى لقد سد ت في الدنيا وقد فزت في الأخرى تشنف آذانا بعقد جواهر تود الغوان لو تقلدهاالنحرا جواهركم حلت نفوسا نفيسة فجلت بها صدرا وجلت بها قدرا هل الدين إلا ما روته أكابر لنا نقلوا الأخبار عن طيب خبرا وأدوا أحاديث الرسول مصونة عن الزيف والتصحيف فاستوجبوا الشكرا وإن البخاري الإمام لجامع بجامعه منها اليواقيت والدرا على مفرق الإسلام تاج وضع أضاء به شمسا ونار به بدرا وبحرعلوم يلفظ الدر لا الحصا فانفس بها درا وأعظم بها بحرا تصانيفه نور ونور اناظر فقد أشرقت زهرا وقد أينعت زهرا نحا سنة المختار ينظم شتها يلخصها جمعا ويخلصها تبرا وكم بذل النفس المصونة جاهدا فجاز لها بحرا وجاب لها برا فطورا عرايا وطورا يمانيا وطورا حجازيا وطورا أتى مصرا إلى أن حوى منها الصحيح صحيحه فوافى كتابا قد غدا الآية الكبرى كتاب له من شرع أحمد شرعة مطهرة تعلو السماكين والنسرا والقصائد التي قيلت في مدح الصحيح ومؤلفه كثيرة، فضلا عما دبجته أقلام الكتاب في تقريظه، ولاغرو فهوخليق بأصدق المدح وحري بأجمل التقريظ. ومن أهم ما تتميزبه ختمة سيدي العربي بن السائح التي أثبتنا نصها محققا في نهاية هذه الدراسة، الذوق الصوفي في فهم معاني كلمات الحديث النبوي الشريف الذي شرحه في هذه الختمة . وخاصة إشاراته النفيسة إلى معنى المحب ومعنى المحبوب عند تطرقه لشرح عبارة:»كلمتان حبيب+تان إلى الرحمان»، مما يؤكد أن فهمه وتفسيره لها كانا إشاريين. وكذلك تضمنت ختمة تلميذه سيدي أحمد بن موسى نفحات صوفية نورانية، ولا غروفهو تلميذ العارف بالله سيدي العربي بن السائح، فلا بدع أن يفيض متن ختمته بمعاني الأذواق وإشارات الفهوم الصوفية الإحسانية، مثلما تجلت أنوارها في شرح شيخه لحديث ختم صحيح الإمام البخاري. ويتجلى من الختمة المباركة للعلامة سيدي أحمد بن موسى مدى تعظيمه لعلم الحديث وأهله وتنويهه بمكانتهم وعلومقامهم، فقد افتتح حديثه بحمد الله تعالى والثناء عليه بجميل الحمد المتواترتواترنعمائه على ما من به على أهل الحديث الشريف وعلمائه من بهي الأنوار، وسعيد الأيام، وتأييد الأرواح، وتطهيرالسرائر، وبأن جعلهم حزب النبي العدنان عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، ونوربصائرهم بحكمته، وعمرقلوبهم بمعرفته وخالص محبته، ووهبهم الفناء عن أعمالهم فلم يشهدوا سوى آثار قدرته. ومن الواضح أن هذاالحمد والثناء، وهذا الشكرالصادق لله الوهاب المنان ، قد تضمنا احتفاء وأي احتفاء بأهل الحديث من مشائخ وطلاب، واشتمل على إبراز علي مرتبتهم، ورفيع شأنهم. وماأحسن ما تمثل به العلامة أحمد بن موسى في هذا الشأن عقب ذلك، إذ أنشد أبياتا للحافظ ابن حجرالعسقلاني من أروع ما قيل في مدح علماء الحديث وأهله، وهي : هنيئا لأصحاب خيرالورى ولا تنس أصحاب أخباره أولئك فازوا بتذكيره ونحن سعدنا بتذكاره وهم سبقونا إلى نصره وها نحن أتباع أنصاره ولما حرمنا لقا عينه عكفنا على حفظ آثاره عسى الله يجمعنا كلنا برحمته معه في داره وبهذا الاستهلال الحامد المادح الذي حمد فيه المؤلف الله جل جلاله، ومدح في نفس الوقت أهل الحديث الشريف وهنأهم، يكون قد أحسن اختيارالمدخل المناسب إلى الكلام على الموضوعات الرئيسة والمسائل العلمية المتعلقة بها والتي تناولها في ختمته هذه، وهي على التوالي: 1 حكم إفراد الصلاة أوالسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . 2 ما عليه عمل المحدثين رضي الله عنهم في ذلك . 3 شرح حديث «نضرالله امرءا سمع مقالتي فحفظها فرب حامل فقه ليس بفقيه» وكذا رواياته الأخرى. 4 حكم ما ورد من حضرة الغيب على لسانه صلى الله عليه وسلم وعلى لسان غيره من كمل المشائخ رضي الله عنهم من صيغ الصلوات المجردة عن السلام. 5 فضل صلاة الفاتح. 6 اقتران الحمد بالتسبيح. 7 مقاصد ختم الإمام البخاري بحديث التسبيح. 8 قراءة الفاتحة في آخرالمجالس ومظان الإجابة ومجامع الصالحين. 9 اختتام الدرس بالدعاء. تتميز هذه الموضوعات والمسائل التي تحدث عنها العلامة أحمد بن موسى بأسلوبه المشرق الشيق، وبلاغته الجميلة المعهودة، وعباراته المختارة المنسجمة، بتماسكها المنطقي، وتسلسلها العقلي، بحيث يأخذ بعضها برقاب بعض، كما كان يقول نقاد الأدب قديما، وهي، إلى ذلك ، ذات أهمية شرعية بارزة، وظف المؤلف لدراستها وتحليلها معلوماته الغزيرة في علوم الحديث، والفقه، والتصوف، واللغة، والبيان، والتاريخ، فضلا عن استعماله مقدرته البيانية والتعبيرية أحسن استعمال، مع انتقاءالاستشهادات العلمية التي اقتبسها من أمهات المصادر والمراجع العلميةالتي حفلت بذكرها هذه الختمة في مختلف العلوم التي دارت تحليلاته ضمن ميادينها، من علم الحديث إلى علم التصوف، ومن علم الفقه إلى علم اللغة، ومن هنا فقد ساق استشهاداته واقتباسته بعد آيات الذكر الحكبم وأحاديث المصطفى الأمين صلى الله عليه وسلم من الصادرالعلمية التالية: 1القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع، للحافظ شمس الدين السخاوي. 2الجامع الصحيح للإمام مسلم. 3 كتاب التنبيه. 3 الفتوحات الوهبية. 4كتاب المنتقى للباجي. 5 تكميل الديباج. 6ألفية العراقي. 7 شرح صحيح مسلم للنووي. 8شرح شيخ الإسلام أبي زكريا الأنصاري للألفية. 9 نسخة أبي الحسن اليونيني. 11إرشاد الساري. 12 نيل الأماني. 13المنى الإلهية، لعبد القادر الكوهن. 14 المواهب اللدنية. 15 الفصيح. 16 الصحاح، للجوهري. 17 إصلاح المنطق. 18 شرح الفصيح. 19القاموس المحيط، لمحمد بن يعقوب الفيروزآبادي. 20 الفتاوي الحديثية،لا بن حجرالهيتمي. 21 جواهرالمعاني وبلوغ الأماني في فيض مولانا القطب الأكبر أبي العباس التجاني رضي الله عنه وأرضاه، للإمام أبي الحسن سيدي علي حرازم برادة. 22 روح البيان. 23 تفسير روح البيان. 24 منهاج العابدين، للإمام الغزالي. 25 فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب، لأبي محمد حسن بن علي بن سليمان البدر الفيومي القاهري. 26 الصفوة. 27 ذيل طبقات الشعراني. 28المدونة الكبرى. 29 الموطأ. 30 الميزان، للشعراني. 31 فهرست المنجور. 32 المعيار، للونشريسي. فإذا عدنا إلى الموضوعات والمسائل العلمية التي تطرق إليها العلامة أحمد بن موسى في ختمته هذه لصحيح الإمام البخاري، وجدنا أنه يحقق المسائل فيورد الأقوال والاعتبارات والأدلة ليستخلص في النهاية الخلاصة المقررة المعتمدة مثل حديثه عن كراهة إفراد السلام على النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عليه أوالعكس. ونلاحظ بروزمقدرته اللغوية، وملكته البيانية، ودرايته وإحاطته العلمية خاصة في ميداني الفقه والحديث، علاوة على الإشارات والتنبيهات الصوفية الدقيقة. ومن مظاهرالقيمة العلمية لهذه الختمة أن ضمنها مؤلفها رحمه الله تعالى كثيرا من أقوال شيخه الولي الصالح أبي المواهب سيدي العربي بن السائح رضي الله عنه. فهي بذلك من مظان تراثه العلمي، وتعد من ثم وثيقة ومرجعا لمن أراد البحث في حياة وآثارهذا العالم الولي رحمه الله. بالإضافة إلى ما اشتملت عليه الختمة من مباحث لغوية ساق خلالها العلامة أحمد بن موسى نصوص علماء اللغة والنحو من أجل بيان الصواب، حيث جاء حديثه في هذا الجانب تحليلا لسانيا دقيقا، وكذلك فقهه للأحاديث النبوية وتأمله لمعانيها كما في دراسته لحديث «نضرالله امرءا سمع مقالتي فحفظها فرب حامل فقه ليس بفقيه». وحديث العلامة أحمد بن موسى عن إثبات الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتابة واللفظ والنطق، وما جلبه من نصوص مستدلا بها على أقواله ،وماأوضحه من قيود وتدقيقات في الموضوع، كل ذلك مما يدل على مدى اهتمام المحدثين بأمانةالنقل،وإحاطة تبليغ الرواية بأوثق الضمانات. وهواهتمام من صميم تعظيمهم لحديث سيد العالمين، وإمام المرسلين، صلى الله عليه وسلم، وعظيم محبتهم لذاته الطاهرة الشريفة، وتمسكهم بسنته الغراء. ولذلك كله بذل العلامة أحمد بن موسى وسعه في إيضاح هذه المسائل المتعلقة بحكم الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، وحكم الا كتفاء بأحدهما عن الآخر، وما يتصل بذلك لفظا وكتابة.(مواصلة تحليل الأفكارالواردة في الختمة واحدة واحدة مع التعليق) وهذا الدعاء الذي ختم به كلامه من أروع الأدعية الجديرة بأن تنقش بأجمل الخطوط على أبواب أماكن الخيروالطاعات.إنه دعاء الصالحين الموقنين. وفيه تجليات المعارف الروحية الرقيقة وآيات الإبداع اللغوي والبلاغي المشرقة. ثم مما يلفت النظربراعة الربط بين نهاية الدرس والختم بالدعاء، فقد كان آخركلام العلامة أحمد بن موسى في هذا الدرس عن الفاتحة التي تبدأ بالحمد لله، وكان أول ما افتتح به دعاءالختم هوقوله:»فالحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا»، فجاءت المناسبة بين السياقين في أروع حلة وبأجمل صلة. فكما ختم المؤلف هذه الختمة بالحمد والثناء على رب الأرض والسماء افتتحها بهما، فكان ذلك وجها آخرللمناسبة اللطيفة. وفي دعاء الختم إلحاح على طلب الغيث المادي والمعنوي،غيث الأرض وما عليها، وغيث القلوب والأرواح، ومنه ندرك أن الفترة التي عاش فيها العلامة أحمد بنموسى كانت فترة يغلب عليها الجفاف والقحط، وقد أشارت إلى ذلك بعض المصادر التاريخية كما سبق التنويه به في ترجمة المؤلف، لكن أحمد بنموسى رحمه الله كان يعلم أن حياة القلوب أهم من حياة الأرض بل إذا كانت القلوب حية بالإيمان والرحمات واليقين والأنوارامتدت الحياة إلى الأرض فأنبتت من كل زوج بهيج. ولذلك ركزفي دعائه على سؤال غيث القلوب قبل ومع سؤال غيث الأرض الموات.