بكل الحسابات السياسية والقانونية والإيديولوجية، فإن البوليساريو تنظيمٌ إرهابيٌّ من الدرجة الأولى. فلا هو جبهة تحرير، ولا هو حركة مناضلة، ولكنه تنظيمٌ إرهابيٌّ مثله كمثل التنظيمات الإرهابية التي أخذت تنتشر في منطقة الساحل الإفريقي، وفي بعض دول شمال أفريقيا، وفي غالبية دول الشرق الأوسط. ولكل من هذه التنظيمات هدفٌ مرسوم، وشعارٌ مرفوع، ووسائل معتمدة، ولكنها جميعها ودون استثناء، أدوات لزرع الفوضى الهدامة، ولزعزعة الاستقرار، ولقلب أنظمة الحكم، ولتغيير الخرائط. والاختلاف بين تنظيم إرهابي وآخر، هو اختلاف في الشكل لا في المضمون. وما يتميز به البوليساريو عن غيره من التنظيمات الإرهابية، هو أنه الأسبق في الظهور، فلقد مضى على تأسيسه حتى الآن أربعة عقود، وكانت ليبيا والجزائر وبعض جنرالات الجيش الإسباني في ألأقاليم الصحراوية المغربية، وراء تأسيس (الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب) التي تجمع حروف الترجمة الإسبانية لهذا الاسم، فتكون (البوليساريو) بالسين وليس بالزاي. وكان الهدف من هذا التأسيس هو وضع العراقيل أمام المملكة المغربية حتى لا تمضي قدمًا من أجل تحرير الصحراء الغربية المغربية التي كانت تحت الاحتلال الإسباني. وتلك العلامة الأولى من علامات التنظيم الإرهابي. ولقد أثبتت الأحداث التي تجري في منطقة الساحل الإفريقي، تورط البوليساريو في الأعمال الإرهابية التي تستهدف دول المنطقة، بما في ذلك دول شمال أفريقيا. وخلال الثورة التحريرية التي فجرها الشعب الليبي، وقف البوليساريو في صف الطاغية المجرم الديكتاتور معمر القذافي في مواجهة جموع الشعب الليبي. وبعد سقوط النظام، ودخول ليبيا في الدوامة التي لا يبدو أنها ستنتهي، انحاز البوليساريو إلى جانب الجماعات المقاتلة التي تسير في الخط المعاكس للثورة التحريرية الليبية. وما حصل ولا يزال يحصل في ليبيا، وقع أيضًا في جمهورية مالي، حيث وقف البوليساريو في الصف المعادي للشعب المالي مع الجماعات الإرهابية التي تسعى من أجل إسقاط النظام وإغراق البلاد في مستنقعات الفوضى التي لا تبقي ولا تذر. وتوجد دلائل كثيرة تثبت ضلوع البوليساريو في المؤامرات التي تحاك ضد دول المنطقة، سواء الإفريقية أو العربية. ويكفي أن يكون هذا التنظيم عدوًا شريرًا ومعارضًا شرسًا للمملكة المغربية، وهي الوطن الأم بالنسبة له، ليحكم عليه بالإرهاب، كما يُحكم على أنصاره في الداخل، وهم ذوو وجوه متعددة، بالإرهاب، لأن مقاومة السلطات، والخروج عن الإجماع الوطني، هو ضربٌ من الإرهاب، كما لا أحتاج أن أقول. فالإرهاب أخطبوط لا نهاية لامتداداته، وليس له وجه واحد، ولكن له وجوهًا متعددة، كما وأن له الأذرع المتنوعة التي يضرب بها الأهداف التي يحددها، أو بالأصح الأهداف التي تحدد له من الأطراف التي تمسك بالخيوط من خارج المنطقة، والتي تدير عمليات الإرهاب بأعلى مستوى من الدهاء والذكاء وفي منتهى الخفاء. فهذه التنظيمات الإرهابية على تعددها وتنوع أشكالها، تخضع لسياسات عليا تخدم المصالح الاستراتيجية للقوى العظمى، حتى وإنْ بدا الأمر لمن لا يتعمق في فهم الأمور ويسبر أغوار الأحداث، وكأن هذه القوى بعيدة عما يجري على الأرض، وحتى وإنْ ظهرت الأمور بخلاف ما يتردد عن العلاقة بين التنظيمات الإرهابية وبين بعض من الدول العظمى التي تراقب الأحداث من بعيد دون أن تقترب إلى مسرح العمليات. وإذا كان التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية الذي يعرف بداعش، قد تحرك لضرب هذا التنظيم في العراق وسوريا، فإنه لم يتحرك لمحاربة تنظيمات إرهابية أخرى لا تقل خطورة عن داعش، تعمل في لبنان واليمن وليبيا والصومال ومالي، وفي منطقة تندوف في الجنوبالجزائري، وفي سيناء بجمهورية مصر العربية. فهذه تنظيمات مترابطة الحلقات، متكاملة الأدوار، تعمل من أجل تحقيق أهداف شريرة، إنْ كانت تبدو متباعدة، وأحيانًا متضاربة، فإنها تصبّ في خانة واحدة، وهي إغراق العالم العربي، بل العالم الإسلامي برمته، في بحار من الفوضى الهدامة الضاربة أطنابها. فإذا نحن اعتمدنا المقاييس القانونية والمعايير السياسية والموازين الأخلاقية الإنسانية، فإن داعش مثله كمثل البوليساريو، وكمثل القاعدة، وجبهة النصرة، وأنصار الحق، وحزب الله، وأنصار الشريعة، وأنصار بيت المقدس، وغيرها من التنظيمات التي تتخذ من الإرهاب وسيلة وغاية لها. فلا فرق بين هذه وتلك، فهي جميعها تنظيمات وجماعات وجبهات وفصائل وتشكيلات تمارس الإرهاب بأشكاله المتعددة، وتعيث فسادًا في الأرض، وتخدم مصالح القوى التي تحركها من وراء الستار، أو تحركها في العلن، في أحايين كثيرة. ولما نقول القوى العظمى، نقول أيضًا بعضَ القوى الإقليمية التي ثبت بشكل قاطع أن لها اليد الطولى في إضرام نيران الحروب وتأجيج الصراعات ونشوب الأزمات في إقليم الشرق الأوسط. وكما أن التحالف الدولي ضد داعش بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية، يعلن بصراحة مدهشة، أن القضاء على هذا التنظيم الإرهابي سيستغرق عدة سنوات، وهو أمر في منتهى الغرابة، ولا سبيل إلى استيعابه وفهمه، فكذلك الشأن بالنسبة للإرهاب الذي تمارسه الجماعات المقاتلة في كل من ليبيا واليمن والصومال ولبنانوسيناء في شرق مصر وتندوف في جنوبالجزائر، فهذا الإرهاب لن يتوقف في المدى القريب حسب الظواهر الملموسة والملابسات القائمة، لأن القوى العظمى التي تتحكم في السياسة الدولية، لن يكون في مصلحتها استتباب الأمن والسلم في العالم العربي. لأن في ظل السلام تنتفي الحاجة إلى شراء السلاح، وإلى الاعتماد على الخبرات الأجنبية للتصدي للإرهاب وللقضاء عليه. ولكن مهما يكن من أمر، فإن للإرهاب نهاية طال الزمن أم قصر.