لازالت مسألة الشاذ البريطاني الذي أطلق سراحه في مراكش على إثر اعتقاله بتهمة ارتكاب جنحة الإخلال بالحياء العام تثير الكثير من اللغط في وسائل الإعلام الأجنبية وخاصة البريطانية وكلها تؤازر وتتضامن مع هذا الشخص في» محنته« التي صنعها بنفسه وبإرادته دون إكراه. والأمر الذي يهمنا في هذه المسألة هو محاولة لمس الأسباب التي تجعل المغرب عرضة للاستهداف و التجريح كل ما أقدم على قرار يدخل في صميم سيادته وفي إطار ولايته القانونية والسياسية وفق مقتضيات القانون الدولي المتعارف عليها امميا.. لكن يبدو أن هذا المنطق المغربي في مقاربة أموره المحلية الإدارية والقضائية لم تعد تستقيم مع مستلزمات منظومة حقوق الإنسان في الكثير من الحالات , حتى ولو كانت هذه الحالات تمثل انتهاكا صارخا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل في بلادنا. وتترتب عن هذه المفارقة العديد من الاختلالات التي تستغل كذرائع للتحريض ضد بلادنا الأمر الذي ينهك عبثا قدرات الدبلوماسية المغربية في تصديها لإخماد الحرائق التي تشتعل في هذا البلد أو ذاك بغاية المس بمصالح المغرب. وبناءا عليه فان السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد, باعتبار أن قرارات الأجهزة القضائية والإدارية المغربية لم تعد شأنا محليا صرفا بل أصبح لها بعد دولي ودبلوماسي لا يمكن تجاهله أو التغاضي عنه هو: ما هي المقاربة المثلى التي يجب أن تعتمدها هده الأجهزة وبصفة خاصة الجهاز القضائي بغاية تيسير عمل الدبلوماسية المغربية في عصر يتميز بعولمة القانون والاقتصاد و الإعلام والمعاملات التجارية والإدراك بأن كل قرار يتخذ بحق المغاربة أو الأجانب هو قرار له صداه خارج الحدود من زاوية منظومة حقوق الإنسان ومبادئها كما هي متعارف عليها امميا. فكل صاحب مصلحة يمكن أن يتناول هذا القرار إما بالتأييد وإما بالمناهضة. واللافت أن هذه المصلحة كثيرا ما تكون مناسبة للتجريح في المغرب و تشويه صورته و تبخيس جهوده في مجال احترام مبادئ حقوق الإنسان والتقيد بالمعايير الدولية التي يمارسها في ضوئها بنوع من »الزيادة« الغير المطلوبة أحيانا بنوع من» النقصان« الغير المبرراحيانا أخرى. ومدعاة هذا السؤال هو عدم فهم الارتباك الذي نجم عن القرار القضائي الأخير الذي اتخذ بشأن الشاذ البريطاني والذي أمر بأن يوضع في السجن دون تدقيق لتداعياته في الخارج بحيث سرعان ما تم التراجع عنه عندما بدأت حملة الضغط في بريطانيا تتناول المغرب بالقدح والتجريح والتشكيك في مصداقية ديمقراطيته ومؤسساته القضائية . و اللافت مرة أخرى أن كلا القرارين مثلا ذريعة للطعن في مصداقية هده الأجهزة الإدارية والقضائية للمغرب، فالقرار الأول جاء تعبيرا عن ثقافة لازالت سائدة في المجال القضائي وهي ثقافة»الزج في السجن أولا «وجاء القرار الثاني تعبيرا على أن الثقافة الأخرى هي ثقافة تنفيذ »التعليمات أولا«. وفي كلتا الحالتين يبدو أن حجية مصداقية القضاء و الإدارة أصبحت موضوع شبهة وتساؤل مشروعين. والملاحظة التي تفرض نفسها تكمن في ضرورة الانتباه إلى أن القرارات القضائية في المغرب أصبحت توظف بدورها من طرف اللوبيات المعادية بغية التحريض ضد بلادنا. فحيثيات الحكم الذي صدر في أمريكا حول فضيحة » بترول تالسينت«وغيرها ما انفك يؤثث صفحات وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. ومن هنا يجب أن يدرك كل الفاعلين في المجال القضائي و الإداري والجمركي و الشرطي و الدر كي أن فعالية الدبلوماسية المغربية وسياسته الخارجية إنما هي صناعة جماعية يلعب كل واحد منهم فيها دوره من الموقع الذي يمارس من خلاله مسؤوليته. وبالتالي فهي عملية تراكمية تنطلق من القاعدة إلى القمة وتقوم فيها كل خلية من خلايا المجتمع ومؤسسات الدولة الإدارية والقضائية بالدور المنوط بها في إطار احترام منظومة القوانين الدستورية الجاري بها العمل ومنظومة حقوق الإنسان. ولكي يكون الأمر كذلك يتحتم على الجميع أن يكون له بعض الإلمام بحقائق مشهد المجتمع الدولي وأصحاب السوق الأساسيين فيه وهو يتكون أولا من الدول التي تربطها بالمغرب علاقة ود وصداقة وأخرى تناصبه العداء الصارخ وفئة ثالثة من الدولتلتزم الحياد يجدر بنا أن نعمل على جلبها لصفه. وهو يتكون ثانيا من لوبيات مختلفة تتشكل من شبكات مصالح اقتصادية وسياسية وفنية وثقافية وإعلامية و مافياوية سهلة التوظيف والحركة لممارسة الابتزاز والضغط والتجريح مستعملة كل الوسائل بما في ذلك الوسائل التي تتيحها الثورة التكنولوجية مثل مواقع التواصل الاجتماعي و الإعلام الالكتروني. وفي هذا الإطار تأخذ مسألة القرار القضائي والإداري في المغرب في بعدها الحقوقي محليا ودوليا أهميتها القصوى نظرا لأبعادها المتصلة بمنظومة حقوق الانسان والمصالح المختلفة لمختلف الفاعلين في السوق الدولي وخاصة اللوبيات المجتمعية التي أصبح لها وزنها الكبير والمؤثر في أوساط مراكز القرار في العالم . والغاية المتوخاة من هذا الطرح لا ترمي إلى تحييد الإدارة و القضاء ولا للتساهل مع الجناة بل ترمي لاثارة الانتباه إلى أن كل قرار يتخذ في المغرب بحق المغاربة أو الأجانب كان حكما قضائيا او قرارا إداريا يجب أن يقطع مع ثقافة النمطية في التفكير ويتحرر من سجن الإنغلاقية المدمرة أو التدبير المحلي الضيق الأفق وأن يكون متصلا بمنطق وروح مستجدات عصر عولمة القانون والحقوق والاقتصاد والمصالح ووسائل التواصل ودلك بغاية تجنيب بلادنا ارتداداته الغير المحسوبة على الصعيد الدبلوماسي وعلى صعيد صورة بلادنا بصفة أجمل. والسبيل إلى ذلك هو الاستعمال والتوظيف الحصين و المبدع والمحكم للقانون ومقتضياته تلافيا لمطيات الابتزاز الذي تمارسه شبكات اللوبيات المختلفة التي أصبح دورها في صناعة الرأي العام وتوجيهه بشكل خفي أو علني مسألة غير مطروحة للجدل. ويجب التذكير هنا بأن هذا المطلب لا يمثل مصلحة وطنية فقط وإنما يمثل أيضا مطلبا طالما نادى به أصدقاؤنا في أنحاء العالم من اجل صورة ومصداقية المغرب وانه لمن حق أصدقائنا علينا أن نتجنب احراجهم امام الرأي العام في دولهم بقرارات لا مندوحة من ورائها. فالجميع يعلم أن المغرب يخوض حربا دروسا على الصعيد الدبلوماسي لتكريس مكانته كدولة عصرية ذات أصالة، حديثة وحداثية تؤمن بالقيم الديمقراطية القائمة على احترام مبادئ حقوق الإنسان في عموميتها وفي تفاصيلها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. و لكن الملاحظ أن جهوده كثيرا ما تصاب بالعور والمنغصات التي لا يدرك الكثير منا حجم الأضرار التي تلحقها بصورة المغرب وقضاياه الوطنية وعلى رأسها الصحراء المغربية. فحقائق العلم المعاصر تؤكد لنا بأن قواعد» لعبة الأمم «لم تتغير. وان منطق الغلبة للدول القوية هو السائد بالنسبة للدول الاقل قوة أو الضعيفة. والمغرب الذي ماانفك يتعرض للاستهداف بكل الوسائل المالية والإعلامية و الاقتصادية. الدبلوماسية الكيدية و التآمرية يحتم أن يدرك فيه رجال الإدارة والقضاء والإعلام والاقتصاد والفن والرياضة أن مواجهة هذه التحديات المطروحة على بلادنا دبلوماسيا إنما هي صناعة جماعية عبر رؤية جماعية وعقيدة دبلوماسية متكاملة في مضمونها وأشكالها واهدافها وآلياتها. وتعتبر مسؤولية هذه الأطراف مسؤولية كبيرة لا تقل أهمية عن مسؤولية تلك الفئة من الإداريين التي تشرف على تنفيذ السياسة الخارجية للدولة والآليات الدبلوماسية التي يستعملونها لهذه الغاية. و كل هفوة من هذا الطرف أو ذاك تكون باهظة الكلفة على صعيد صورة البلاد ومصداقيتها. فلجوء القاضي إلى اتخاذ قرار يسجن بمقتضاه سائحا مريضا ارتكب موبقة أخلاقية في عز النهار أو ظلمة الليل ، يكون قد انتهج مقاربة عديمة الجدوى في تطبيق القانون. وفلسفة القانون تفيد بأن المغالاة في التشدد أو في المرونة إنما هي أسلوب يفتقد لحسن التدبير ويسيء للقصد مادام القاضي يتوفر على حلول بديلة نفعها اكثر من ضررها . وتأسيسا عليه نقول إن الدبلوماسية المغربية ومصداقيتها هي بحاجة ماسة إلى مساهمة الدولة والمجتمع والأفراد والمؤسسات و الجمعيات. فأعداء بلادنا وخصومها في عالم لا يدعون شاذه أو فادة إلا وحولوها إلى سهام ضد مصالح بلادنا وخاصة ضد مصداقيتها إلى لا يرحم الهفوات و الأخطاء والقرارات الغير المدروسة لا يدعون أي شاده أو فادة إلا وحولوها إلى سهام ضد مصالح بلادنا. فالعالم لا يرحم الهفوات والأخطاء والقرارات الغير المدروسة. وأمام تناسل مثل هده المنغصات نهبب بالمسؤولين في قطاع الدبلوماسية المغربية وخاصة وزارة الخارجية القيام بمبادرات تواصلية مع الجسم القضائي والإداري والجمعوي لتوعية كل الفاعلين بأهمية القرارات التي يتخذونها في بعدها الحقوقي والدولي و تداعيات الأسس التي تسندها و حثهم على تقدير الأمور حق قدرها دون مغالاة و بعيون مفتوحة على الشأن المحلي وعلاقته بالشأن الدولي في عالم اليوم. ومن الأكيد إن التزامنا بهذه القاعدة من شانه تجنيب بلادنا العديد من الأخطاء التي تستنزف طاقات الدبلوماسية المغربية وتستهلك قدراتها المادية والبشرية التي ينبغي تصويبها نحو أهداف أخرى ذات جدوى اكبر ومصلحة أوسع. وفي هذا الإطار نقترح على المسؤولين في قطاع الدبلوماسية المغربية وبالضبط وزارة الخارجية عقد دورات تواصل مع الجسم القضائي المغربي والإداري و الجمعوي لتوعية كل الفاعلين بأهمية الوعي بأن كل قرار يتخذ في المغرب تكون له أصداؤه السلبية أو الإيجابية خارج الوطن. وذلك هو السبيل لانفتاح الدبلوماسية على المجتمع المغربي بمختلف مؤسساته وذلك هو السبيل أيضا لتعزيز حركتها الخارجية وتحصين مصداقيتها. [email protected]