في 1962 وبعد انفصال سورية عن مصر قامت ثورة في اليمن واتجهت قيادتها إلى مصر تطلب المعونة لتثبيت أقدامها ضد المحاولات التي تبذل للقضاء عليها وتورطت مصر تدريجياً حتى أصبح ثلث الجيش المصري يقاتل في اليمن رغم تحذير اللواء أنور القاضي قائد القوات المصرية في اليمن للرئيس عبد الناصر للخروج من هذا الفخ الذي نصب لمصر في اليمن وتورطت فيه. كان الأمر غير ودياً بالنسبة لنظام الحكم في السعودية الذي كان يناهض الحكم الجمهوري الجديد في اليمن فعمل على تقديم المعونة المادية والمعنوية لرجال القبائل اليمنية لمقاتلة الجيش المصري وإرهاق مصر مادياً، وقتها اتفقت مصالح الولاياتالمتحدة وانكلترا (التي كان لها مصالح في اليمن الجنوبي المحتل حينئذ) والمملكة السعودية تؤيدها دولاً غربية وعربية أخرى لتقليص نفوذ مصر في الوطن العربي، وتحجيم نفوذ عبد الناصر داخل مصر نفسها، وكان ذلك متفقاً مع مصالح "اسرائيل" وسياستها، حيث كانت تستعد لخوض حرب شاملة منذ انتهاء العدوان الثلاثي في حين لم تكن مصر والدول العربية جاهزة لخوضها. بدأت بعدها الأحداث بمعلومات غير صحيحة عن حشد القوات "الاسرائيلية" على الحدود السورية وفي 7 نيسان 1967 حدثت اشتباكات على الحدود السورية تدخل فيها الطيران "الاسرائيلي" وفقدت سوريا فيها ستة طائرات ثم صرح الجنرال (اسحق رابين) من "إذاعة اسرائيل" يوم 12 أيار 1967 قائلاً سنشّن هجوماً خاطفاً على سوريا وسنحتل دمشق لإسقاط نظام الحكم فيها ثم نعود، كذلك صرح (موشيه دايان) "وزير دفاع اسرائيل" أن "اسرائيل" ليست وحدها بل هي كراكب الدراجة الذي يمسك بيده سيارة شحن مسرعة فتجره معها بسرعتها الأكبر. استكملت "اسرائيل" في نهاية عام 1966 استعداداتها للحرب الشاملة ضد الدول العربية وأصبحت الظروف الدولية والإقليمية تشكل أنسب الظروف لشن الحرب بينما في المقلب الآخر بدأ الطريق إلى الحرب برسالة إلكترونية وصلت مساء 13 أيار 1967 من اللواء أحمد سويداني رئيس الأركان السوري إلى الفريق أول محمد فوزي رئيس الأركان المصري تفيد أن "اسرائيل" استدعت الجزء الأكبر من قواتها الاحتياطية وحشدتها أمام الجبهة السورية تقدر بخمسة عشر لواء ومن المنتظر أن يكون هذا الهجوم بين 15-22 أيار 1967. في موسكو أبلغ نائب وزير الخارجية (سيمونوف) وكذلك رئيس البرلمان السوفياتي الرئيس أنور السادات أن "اسرائيل" حشدت عشرة ألوية على حدود سوريا وكانوا قد أبلغوا قبلها نفس المعلومات للرئيس عبد الناصر وبحكم "اتفاقية الدفاع المشترك" بين مصر وسوريا رفعت درجة الاستعداد والحشد في القوات المصرية لمواجهة احتمالات الموقف، كانت هذه الأحداث السريعة والمتتالية مبنية على تقديرات عسكرية خاطئة ومؤامرات مخططة لاستدراج مصر وسوريا والأردن للحرب وإيقاع الهزيمة بهم. لأنه عندما سافر الفريق أول محمد فوزي يوم 14 أيار إلى سوريا للتأكد من الحشد "الاسرائيلي" على الحدود السورية وتفقده للجبهة فيها، ولمعرفة مدى صحة المعلومات التي وصلت إلى مصر من سوريا والاتحاد السوفياتي، قال أنني لم أحصل على أي دليل مادي يؤكد صحة المعلومات بل العكس كان صحيحاً لقد شاهدت صوراً فوتوغرافية جوية عن "الجبهة الاسرائيلية" التقطت بواسطة الاستطلاع السوري يومي 12-13 أيار 1967 ولم ألاحظ أي تغيير في الموقف العسكري العادي، وقدمّ تقريره إلى المشير عامر يوم 15 أيار نفى فيه وجود حشوداً عسكرية "اسرائيلية" على الحدود السورية، لكنه لم يلاحظ على المشير عامر أية ردود فعل منه، عن سلبية الوضع على الحدود السورية، ورغم هذه المعلومات فقد استمر الحشد في سيناء، بل تلقى أوامر من المشير لمخاطبة اللواء (ريكي) قائد قوات الطواريء الدولية بغية سحب قواته من الحدود الشرقية، لكن (يوثانت) سكرتير الأممالمتحدة رفض الانسحاب الجزئي، وأمر بسحبها من شرم الشيخ وغزة أيضاً يوم 18 أيار 1967، واستغلت "اسرائيل" هذه الفرصة لتحويل الأزمة إلى قضية أخرى تماماً، هي حرية الملاحة البحرية في خليج العقبة، والغريب أيضاً أن المشير عامر الذي كان في أواخر 1966 في زيارة رسمية للباكستان أرسل برقية للرئيس عبد الناصر يطلب فيها سحب قوات الطواريء الدولية حتى انتهت بعدها حرب 1967 باستيلاء "اسرائيل" على سيناء والضفة الغربية والمرتفعات السورية في الجولان واستشهاد آلاف الرجال على أرض المعركة. اليوم تشتعل نيران الحروب على الأرض العربية في اليمن والعراق وسوريا وليبيا وبدايات حروب في لبنان ومصر، و"لا ندري الدول الإقليمية التي تتورط فيها أو تتأهب للعب أدوار خطيرة في عملية تشكيل خارطة "الشرق الأوسط الجديد" بعد أن تضع هذه الحروب أوزارها، وتنتهي اللمسات النهائية الديمغرافية للجغرافية الجديدة".