تعززت مكتبة الفنون المغربية، بإصدار جديد (عن مطابع الرباط نت) للكاتب والباحث الأستاذ محمد اديب السلاوي، يحمل عنوان : الفنون والحرف التقليدية المغربية / البوح الإبداعي، ويتوزع هذا الإصدار الهام على سبع محاور وفاتحة توقفت طويلا عند موقع هذه الفنون في الهوية الثقافية والحضارية المغربية، وعند خصوصياتها التي تميزها، والتي جعلت منها فاعلا له دوره الهام والمتميز في إغناء الموروث الحضاري المغربي. هكذا يأتي هذا الكتاب، ليتمم سلسلة كتب الباحث الأستاذ السلاوي، في التشكيل والمسرح وليجعل منها موسوعة فنية متكاملة، تعنى بالفنون المغربية العتيقة والحديثة، وبتاريخها الذي يمتد إلى عمق الحضارة المغربية. يركز المؤلف في مستهل فاتحة كتابه الجديد على تاريخ الحرف والفنون المغربية منذ ما قبل العهد الإسلامي، وعلى عنايتها بالعمران، وبصناعة السفن والأساطيل وصناعة التعدين وصناعة الورق وصناعة الآلات الحربية (سيوف/ خناجر/ رماح/ مزاريق/ دروع ) وصناعة الجلد والكتان والحلي وصناعة الجبس والدهون والخياطة، حيث استطاعت هذه الحرف منذ عهد بعيد، التمركز على مساحة واسعة من الجغرافية الوطنية، بعدما اتخذت من مدن فاس/ مكناس/ مراكش/ سلا/ شفشفون/ اسفي/ أزمور/ سوس/ صفرو وغيرها مراكز لإبداعها، وأسواقا لتجارتها. لذلك يرى الأستاذ محمد أديب السلاوي أن الحرف والفنون المغربية في مكوناتها وأنساقها الاجتماعية، وارتباطها بحياة الإنسان في المغرب منذ العصر الفينيقي وحتى اليوم، قد تجاوزت مفاهيم الحرفية لتشمل القيم والمعارف والفنون والعادات والأنماط المعيشية، وكل ما يعبر عن التراث والهوية والثقافة. يعالج المحور الأول من هذا الكتاب، علاقة الفنون التقليدية المغربية بجذور التاريخ في المغرب العريق، إذ يؤكد الباحث مؤلف الكتاب أن الفن المغربي في الزمن الراهن، اقتبس الكثير من المميزات من الفنون الرومانية/ البربرية/ الأوروبية بواسطة الاتصال الحضاري الذي حدث على يد دولة المرابطين، ودولة الموحدين بين المغرب والأندلس من جهة، ومن جهة بين المغرب و أوروبا بداية القرن التاسع عشر. ويعالج المحور الثاني من هذا الكتاب كل ما يتعلق بفنون" الزربية المغربية" باعتبارها مساحة واسعة من الألوان والرموز والقيم الثقافية، إذ يؤكد الباحث محمد أديب السلاوي أن الزربية المغربية في الزمن الراهن ونظرا لحمولتها التاريخية، نجدها لا ترتبط فقط بالقيم البربرية أو بجماليات التراث الإسلامي العريق، أو بالهندسة الأندلسية، ولكنها أكثر من ذلك تؤكد على أنها الكاشف الحقيقي للثروة الاجتماعية والثقافية والجماعية، في بلد ما زال يتشبت بتراثه الإبداعي. وفي المحور الثالث، يتوقف مؤلف هذا الكتاب عند إبداعية الأصابع السحرية، أي عند الخزف المغربي، الذي يعتبر من أجمل فنون المغرب لما له من إثارة، تتمثل في العلاقة الجدلية الحميمية القائمة بين الفنان والتراث، بين الصانع والأرض. وقبل أن يتحدث هذا المحور عن مراكز الخزف في المغرب/ اسفي، سلا، فاس، وغيرها، يؤكد أن المغرب عرف صناعة الفخار منذ البدايات المتوسطية السحيقة، حيث كانت شقوف الطين على الدوام الشاهد الأمين على وجود الإنسان والتوثيق له، لذلك تعد صناعة الفخار في المغرب من الصناعات الموغلة في القدم يتجلى فيها تعدد التيارات الفنية التي عرفها المغرب على مر العصور، والتي شهدت تطورا، تجلى بالأساس في تنوع أشكال الخزف الفنية، وتعدد استعمالاته اليومية. ومن فنون الخزف، يصل بنا المؤلف إلى المحور الرابع من هذا الكتاب، ويبحث معنا برزانة وهدوء في " الأحجار الخزفية " التي تنطلق بالحكمة/ أي الزليج المغربي الذي يعود ظهوره بالمغرب إلى العهد الروماني، حيث جسد الاستعمار الروماني على الجدران المغربية الأساطير والملاحم الرومانية القديمة، بالفسيفساء الملونة العتيقة. وفي العهد الإسلامي، يؤكد المؤلف من خلال المراجع الموثوقة، أن فن الفسيفساء بالمغرب، بزغ على عهد دولة الادارسة (القرن التاسع للميلاد) ولكنه لم يعرف ازدهاره وانتشاره إلا في عهد دولتي المرابطين والموحدين، حيث أصبح المغرب مركزا للإمبراطورية الإسلامية. إن الفسيفساء المغربية، تعني في الموضوع، كما في الشكل، ان تخلق من شيء جامد منتوجا ناطقا بالحيوية، نابضا بالحياة، يشع بالجمالية الفريدة في الصياغة والتشكيل. ويتوقف المؤلف في المحور الخامس، عند " فنون الزخرفة والنقش" وهي إبداعات تمتد في نظر الكاتب إلى عمق المغرب الحضاري، حيث استقطبت العمارة منذ مئات السنين، الزخارف المنقوشة على الجبص أو الحجارة أو الخشب، حيث حدق الفنانون صنعة النحت على الحجارة والرخام، وكانوا يميلون إلى أسلوب النحت الغائر، وهو الأسلوب الذي تبدو فيه الزخارف المنحوتة مخرمة، لتظهر ناصعة واضحة المعالم. ويؤكد هذا المحور، أن فنون الزخرفة المغربية تتوزع على مساحة واسعة من الإبداع، نذكر من بينها : النقش على الخشب/ الترصيع على الخشب/ النقش على الجبص/ النقش على الحجر/ النقش على النحاس... وجميعها استلهمت عناصرها الفنية من الفسيفساء البيزنطية ومن الفنون الأندلسية والمشرقية بعد ذلك. في المحور السادس من هذا الكتاب الهام، يتوقف بنا مؤلفه، الباحث والكاتب الأستاذ محمد أديب السلاوي عند " فنون الصياغة" باعتبارها مدخلا واسعا لفضاءات حسنا الجمالي. وفي نظره يعود تاريخ صياغة الحلي المغربية الى عهود قديمة، فهي حتى اليوم، تعرف بروعتها ومكانتها، حيث استفادت من التقنيات التي ظهرت بالشرق الأوسط، على العهد الفرعوني، وهو ما أكسب التحف المعدنية جاذبية متميزة. وبعد أن أبحر بنا هذا المحور في تاريخ الصياغة بالمغرب منذ الحضارات القديمة وحتى اليوم، توقف بنا عند نماذج مختارة من تحفها : القلادة / الحزام او الرابط الذهبي/ تاج العروس/ أقراط الأذنين/ العقيرشات/ الخلخال/ الأساور والخواتم، والتي ما زالت تتواجد في العديد من مراكز الصياغة بالمغرب، وخاصة الصويرة/ مكناس/ فاس. في المحور السابع، يقدم لنا المؤلف قاموسا كاملا للحرف التقليدية بالمغرب، مرتبا على الحروف الأبجدية العربية حسب مسميات الحرف، مع ما يتوفر عن كل حرفة من شروحات وإيضاحات وذلك باعتبارها إرثا ثقافيا/ إبداعيا، يترجم هويتنا الحضارية بقيمها الثقافية والحضارية. يختم المؤلف كتابه هذا بمحور مصور، يحمل عنوان المتحف الصغير للفنون التقليدية المغربية، وهو مرتب على سلسلة من الأروقة التي تعنى بهذه الفنون من خلال إبداعاتها المبهرة. السيدة فاطمة مروان، وزيرة الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامن، صدرت هذا الكتاب، برسالة إلى مؤلفه جاء فيها : " تضمن كتابكم هذا إشارات إلى مراجع تاريخية أكدت أن الصناعة التقليدية المغربية في عمق التاريخ. وذهبتم في تحليلكم إلى أنها نتاج لاحتضان الحضارات المختلفة التي عبرت البحر الأبيض المتوسط، وتركت على جباله وأوهاده وسهوله مسحة لا تمحى من عبقرية تلك الشعوب وآثارا لا زال بعضها خالدا يشهد الماضي ويعود إلى ما وراء الأحقاب والسنين. ومع أن تلك الآثار قد تندثر وقد تتآكل، فإن عبقرية الإنسان وحكمة الخالق أبت إلا أن تترك حضارتها عليها من خلال ما ينتجه وما يعرضه من فن وذكاء وتلقائية طبيعية تختزل الماضي وتشهد الحاضر بتلك التراكمات في عمق الإنسان المغربي، فتنبغ الصانعة والصانع هذا المجال الخلاب الذي هو الصناعة التقليدية المغربية. لقد أعطيتم عصارة شبابكم بعملكم في ميدان الصناعة التقليدية بجد وقناعة ووفاء، وها أنتم تساهمون مرة أخرى في عمل يسهل مهمة الباحث أو المتعطش للمعرفة، فمضمون هذا المؤلف سيسدي للقارئ خدمة للصناعة التقليدية المغربية...". نعم، انه مؤلف فريد في موضوعه، نادر في مكوناته وهو ما يجعله اضافة هامة وغنية لمكتبتنا العربية.