استبشر صاحبنا بإعلان الحكومة تسهيل الولوج إلى الخدمات الطبية المجانية لفائدة الشرائح الضعيفة من المواطنين بواسطة نظام «راميد» وسارع للحصول على البطاقة، واحتضنها كما تحتضن الأم رضيعها. وكيف لا وقد كُتب على الرجل أن لا ينعم طيلة سنواته الأربعين بأيّ عمل قار منذ أن أرغمته ظروفه الاجتماعية القاسية بمغادرة مدرجات الجامعة قبل الحصول على الإجازة. ولأن صاحبنا متفائل إلى أبعد الحدود، فقد دأب على البحث عن عمل، وفي انتظار أن يظفر به، لم يركن ولم يهدأ، بل كان يقوم بأي عمل يمكن أن يدر عليه ما يكفي لإعالة زوجته وطفليه، فمن حارس للسيارات إلى حمال أمتعة، إلى أن استقر به الحال غاسلاً ومنظفاً للسيارات قرب إحدى محطات القطار بالرباط. كان مزهواً ببطاقة «راميد» التي حصل عليها، فهي تقيه وتقي أسرته من تكاليف العلاج والدواء، ضمّ هذه البطاقة إلى كناش الحالة المدنية وبطاقة التعريف وشهاداته الدراسية، رأى فيها تعويضاً معنوياً عن بطالته الطويلة، بل إنه اقتنع بأن الدولة تفكر في أبنائها وتمد يدها إليهم وتعمل على مساعدتهم. ذات يوم، رافق ابنه الصغير الى المستشفى للعلاج، في الشباك قدم بطاقة «راميد» مزهواً، لكنه قوبل بنوع من اللامبالاة بل السخرية، تساءل الرجل بكثير من الدهشة عن سبب ذلك، فكان الجواب أن المستشفى لم يتسلم الميزانية بعد ، وأن عليه الأداء إذا رغب في العلاج. انصرف الرجل، وظل يتردد على المستشفى بين الفينة والأخرى عسى أن يكون قد توصل بالميزانية، ولم يكن يقابل إلا بالمزيد من الاحتقار والسخرية كان آخرها أن خاطبه الموظف المسؤول أنه إذا كان يعرف رئيس الحكومة بنكيران فما عليه سوى أن يتدخل ليحثه على التسريع بصرف الميزانية للمستشفى. أدرك صاحبنا أن عليه الأداء لعلاج ابنه، وذلك مافعل، وتوجه الى الصيدلية لاقتناء الأدوية. حالة صاحبنا ليست وحيدة ومعزولة، بل إن المواطنين الحاملين لبطائق «راميد» يعودون وهم يجرون أذيال الخيبة والأسى عندما يكتشفون أن عليهم الأداء رغم حيازتهم لبطاقة «راميد» لأن الحكومة عاجزة على التمويل. بطاقة «راميد» التي أعلنت عنها الحكومة، وتابعتها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، ونفخت من أجلها الأبواب ودقت الطبول، وعقدت لها الندوات الصحفية، وتحدثت عنها المنابر الحكومية، وجعلت وزير الصحة يعلن عنها مزهوا وكأنه أمام فتح مبين ونصر عظيم، هذه البطاقة مؤشر على مدى مصداقية الحكومة. ومن حق المواطنين أن يفقدوا الثقة في حكومة تزف إليهم أخبارا كاذبة على غرار بطاقة «راميد» ومن حق هؤلاء المواطنين أن لا يثقوا في ما أعلنت عنه الحكومة في وقت سابق حول صناديق التكافل الاجتماعي وما يدور في فلكها. مصداقية الحكومة رهينة بوفائها بالتزاماتها ووعودها التي تقدمها للمواطنين، هذا إذا كانت حريصة على حفظ هيبتها، فالمواطنون يرفضون الرضوخ لطريقة «جوعّ كلبك يتبعك» فهُم ليسوا عفاريت أو تماسيح، بل بشر من لحم ودم ونفس وكرامة. وإذا لم تكن الحكومة قادرة على تحمل التزامات «راميد» فلتعلن ذلك للمواطنين، ولتعتذر عن خطئها، ليسارعوا بحرقها والتخلص منها ويلغوا الحلم بها.