بعد أن شارفت الأزمة السورية على إقفال عامها الثالث.. آلاف العائلات السورية تغادر بلدان اللجوء للتوجه إلى المغرب يبقى لجوء آلاف من العائلات السورية إلى المغرب ،واستقرارها بفنادق شبه رخيصة بالعاصمة الرباط واستئجار بيوت في أحياء شعبية بتمارةوالرباط وسلا وطنجة وحتى مدن عميقة في الجنوب، حدثا جعل الكثير منا يتأسف لمآل هؤلاء ، فاستقرار السوريين بالمغرب ليس جديدا..ففي الرباط هناك مطاعم ومحلات تقدم الأكل الشرقي أصحابها سوريون، وكذا هم أصحاب مدارس خاصة وجميعهم رجال أعمال ناجحون والكثير منا أصبح لا يتنازل عن أكل الفلافل والكبة والشوارما والكباب بتوابل شرقية وكلها أكلات شامية انتشرت على مستوى العالم ، فالمطبخ الشامي كان وسيلة تعارف قديمة بيننا وبين السوريين.. مشهد النسوة السوريات يطلبن مع أطفالهن المساعدة أمام أبواب الأسواق التجارية بالرباط يحملن جميعا جوازات سفرهن.كان قاس جدا على القلب، فلا احد يمكنه تقبل مثل هذا المصير..لكنه مصير جميل كما قالت سيدة سبعينية قادمة من حلب كانت هي الأخرى تطلب المساعدة من المتسوقين..قالتها باللهجة السورية التي كانت سبب نجاح الدراما التركية واكتساحها البيوت العربية بدون استئذان..تركيا التي شرعت حدودها لكل من أراد القتال في سوريا..قتال وصفته المرأة بالقول" كل شيء اندك يا بنتي فحلب..بسبب القصف..والشعب راح ضحية بين أطراف القتال..لكن هذا البلد فتح لنا أبوابه ..بلدكو جميل ..جميل كثير والناس كثير طيبين" .. اغلب القادمين إلى المغرب كانوا لاجئين في الأردنولبنان ، انتقلوا إلى مصر ليكون العبور عبر الحدود البرية من الجزائر إلى المغرب.. هي حرب مدمرة وقذرة ضحاياها تفرقت بهم السبل ، وباتوا يبحثون عن أي مكان آمن، تاركين وراءهم الوطن والمتاع والأهل، فالبقاء يعني الموت المحقق ..موت لا يشبه الموت العادي بل هو موت بطيء وبارد يختلط بالخوف.. بالجوع..لكن هل كان الأمن بعد الفرار..هل كان الاستقرار..ويبقى السؤال الكبير من يناصرون..او حتى من هم ؟ هم الذين بلغ عددهم حسب احصائيات الاممالمتحدة قرابة الخمسة ملايين لاجئ..اغلبهم يقيم في مخيمات عشوائية على الحدود مع دول الجوار.. ..لنتابع تصريحات بعض اللاجئات السوريات والسوريين لخصوا فيها واقع الألم في سوريا وواقع اللجوء الى المغرب والحياة فيه..وكذا تصريحات بعض المغاربة .. امرأة في العشرينات من العمر تلبس عباية سوداء تحمل بين يديها رضيعا في شهوره الأولى، سألتها:" من أين قدمت؟ أجابت بصوت خافت.. "احنا من حلب عبرنا من الاردن الى مصر ثم قدمنا إلى المغرب عبر الجزائر مع زوجي وطفلاي، مضيفة:"هذا الصغير ولدته بعد قدومنا للمغرب"..سألتها ثانية :" ولماذا المغرب؟ أجابت "اخو زوجي هو من نصحه بالانتقال إلى المغرب..فمصر هي الأخرى وضعها غير مستقر.." وعن مقر السكن أجابت:" بتمارة.." تركت المرأة التي كانت تتلقى قطعا وأوراقا نقدية من المتسوقين ضامة صغيرها إلى صدرها..تشكرهم بابتسامة صغيرة..لا ادري كيف استطاعت أن تحافظ عليها هي من عاشت رحلة هروب من الحرب وهي حامل ومعها طفلان صغيران ..غير بعيد عنها كانت هناك أكثر من امراة سورية فقد كان عددهن ذلك المساء يتجاوز العشرين اغلبهن في الثلاثينيات ، وبضع فتيات في مقتبل العمر وأخريات يصطحبن أطفالا في سن التمدرس..كانت الرباط يومها منتعشة بمطر خفيف ، والمتجر الكبير مكتظ بالمتسوقين .. لم يكن صعبا الحديث إليهن فقد كن يأتين إليك عارضات جواز السفر الأزرق ويطلبن المساعدة بأدب..المرأة هذه المرة في السبعين لو لم تقل أنها سورية لما اختلفت عن النساء المغربيات في سنها ، حتى الأخريات جميعهن يحملن ملامح لا تختلف عن ملامح المغربيات البسيطات..فقط اللهجة تختلف.. وكذا واقع الحال ، فالحرب أسوأ من الفقر واسوأ من أي مصير..كن يسبقن كلامهن بابتسامة..ليقلن " مدام ..ساعديني الله يخليك..أنا من سورية..".. سالت المرأة المسنة أين تسكنين : أجابت" في تمارة انا وزوجي وابني مع اطفاله الثلاثة ". وعن ثمن الإيجار ردت:"2000 درهم.."وعن استقرارها في المغرب..قالت "الحمد لله..المغرب بلد جميل كثير كثير " قلت لها:" سورية أيضا جميلة..ومن أي منطقة من سوريا أتيت؟.. ردت :" من حلب...وكنا في لبنان ومن هناك جئنا للمغرب عبر الطائرة " وتابعت." حلب اندكت يا بنتي تحت القصف..ما بقا شي".. حين قالت القصف عرفت أنها تتحدث عن طائرات الجيش النظامي.. سألتها ثانية : والطرف الآخر؟ فردت: الطرفان معا.. الشعب هو اللي راح ضحية..الشعب بس.." شهادة أخرى أخذناها من سيدة ثلاثينية كانت تقف إلى جانب أربعة نساء من نفس العمر ، عرفنا بعد الحديث اليهن أنهن جميعا من عائلة واحدة ، وكلهن من ادلب المدينة المعروفة بزراعة أشجار الزيتون والواقعة تحت سطوة جبهة النصرة .. المرأة أكدت فيها أنها أم لثلاثة أطفال أيتام ، و تحتاج اللباس والحليب لأطفالها، وحين سؤالنا لإحداهن عن زوجها رفضت الجواب ، بينما صرحت أخرى أن زوجها "مجاهد"... صفة " مجاهد " هذه أربكتني..ولم أرد أن اطرح على المرأة أسئلة أخرى بعد أن ركبني سؤال ضايقني هو: هل بات المغرب وجهة لعائلات "المجاهدين" ..فحين نقول الجهاد في سوريا ..نقول النصرة وداعش ودولة العراق والشام الإسلامية..وبعض كتائب الإعدام والموت.. وبخصوص هذا الأمر وجهت سؤالا لشاب سوري جاء هو الآخر للمغرب فارا من الحرب..عن تخوف الكثير من الناس هنا من هوية السوريين اللاجئين، فرد اغلب القادمين هم ناس عاديون، ففي سوريا لا تجرؤ أن تنبس بكلمة عن الوضع او تحمل احد اطراف القتال المسؤولية حتى مع اقرب المقربين، خوفا من أن يكون مواليا لأحد الأطراف فيكون القتل .. وبخصوص وثائق الإقامة والدخول إلى المغرب وتمدرس الأطفال كانت الإجابة : "ملك المغرب حفظه الله أعطانا عشر سنين إقامة بدون فيزا ..ولاشي.. والكثير من أطفالنا التحقوا بالمدرسة.." اقتربنا من سيدة أخرى لنسألها عن قصة قدومها إلى المغرب وهذه المرة أخبرناها أننا من الصحافة ، ابتلعت ابتسامتها ورفضت بشكل قاطع الاستمرار في الحديث معنا، بل تحولت إلى مطارد تلحقنا لتخبر الأخريات أننا صحافيون.. فكان الرفض الجماعي رغم بعض الاستثناءات القليلة اولنقل استثناء وحيدا هو المراة السبعينية..بل منهن من "دعت علينا" إن نحن كتبنا عنهن... فيما كانت المطاردة تجري مكالمة بهاتفها النقال وتتحدث مع من تهاتف بغضب ونظراتها تتابعنا، وقد اختفت ابتسامة اللطف التي رسمتها في البداية.. حوالي السابعة مساء وخلال وقوفنا أمام احد المتاجر الصغيرة، بدت لنا امرأة سورية تقف مع طفلتها والى جانبهما وقف رجل ذو بنية ضخمة خرج لتوه من المتجر حاملا أكياسا مملوءة ، نزلت متجهة نحو باب الدخول فلحقت بي الطفلة ..لم أتقبل هذه المرة هذا المشهد فالرجل يستغل الطفلة والمرأة وهو ببنيته تلك..غادرنا المكان وتوجهنا نحو محطة القطار بالرباط وكانوا هناك أيضا.. ويبقى السؤال: هل سيستمرون على هذا الوضع ، والى متى..هل طلب المساعدة من الناس سيبقى وسيلتهم لكسب العيش.. خاصة وان أعدادهم تتزايد يوميا ، وأصبح رجال الامن الخاص يطلبون منهم الابتعاد عن البوابات .. من أمام مسجد بتمارة لم يعد وجود السوريين في الرباط أو في تمارة خافيا بل أصبحوا منتشرين في الشارع وفي الأسواق والمقاهي والمساجد، نساء ورجال ومعهم أطفال صغار، بعض الرجال وجدوا في المسجد وسيلة لتدبر المال ، فالمغرب لم يهيئ مآوي أو ملاجئ بل فتح لهم الباب ليندمجوا مع المغاربة ويدبروا قوت يومهم وسكنهم بأي وسيلة.. عند صلاة المغرب دخل احد عناصر فريق الروبورتاج إلى المسجد لأداء الصلاة ، هناك عند الباب كان يقف سوري مع زوجته وطفلته إلى أجانب آخرين، قبل الصلاة اتجه احدهم إلى الامام اخبره انه سوري ويريد من المصلين أن يساعدوه، طلب منه الإمام أن ينضم إلى المصلين وليفعل الله خيرا، وعند انتهاء الصلاة توجه الإمام بالدعوة إلى مساعدة الرجل في محنته..وكانت المفاجأة أن العطاء كان سخيا جدا إلى درجة تفوق التوقع .. وعند سؤالنا لأحد المارة عن تعاملهم مع الوافدين السورييين أجاب : أحيانا لا نتعرف عليهم ويكون رد فعلهم عنيفا، الله أيكون فالعوان لكن عليهم أن يجدوا وسيلة أخرى لتدبر عيشهم غير طلب المساعدة من الناس..فقد مرت أشهر على وجودهم هنا..فبعضهم يطلب منك المساعدة وسيجارته في اليد ..كيف سأعرف انه سوري إن لم يتكلم..فالوجوه تتشابه ومايميزهم هو اللهجة فقط او جواز السفر .. فيما أكد آخر أن وجود السوريين أصبح معتادا، فهم يتجمعون في المقاهي ، يدخنون ويشربون الشاي ليتفرقوا نحو مساجد المدينة ، فيما بعضهم اخذ يزاول مهنته الأصلية.. أصحاب المهن والحرف هم الأكثر اندماجا يقول المثل المغربي "الصنعة إلى ماغنات تعيش واقيلا تزيد فالعمر" مثل لم يأت من فراغ بل حاكته تجربة الأجداد ، وهي تسري بامتياز على صانع الأسنان السوري الذي أضحى معروفا في تمارة ، فالرجل تمكن من الاستقرار ومن إيجاد الزبائن ، وأطفاله ولجوا المدرسة العمومية القريبة من البيت..يصنع الأطقم بثمن مناسب، فالرجل وحسب احد زبائنه كان يشتغل في مختبر فرنسي في بلده، وهو متمكن من صنعته ..بل لم يتوان عن إظهار أسنانه الجديدة التي لولا الصانع السوري حسب قوله لما تمكن منها في ظل غلاء العلاج عند طبيب الأسنان.. التمدرس مفتوح للأطفال السوريين وعن طريقة ولوج الاطفال السوريين الى المدارس العمومية، أكد لنا احد أساتذة التعليم الابتدائي أن تسجيل الأطفال السوريين يتم بشكل عادي بعد ان يحصل ولي أمر الطفل على ترخيص من نيابة وزارة التربية الوطنية ، ليكون التسجيل في المدرسة القريبة من محل سكنه، مضيفا أن اغلب الأطفال الملتحقين كانوا منقطعين عن الدراسة منذ سنتين .. فندق ب70 درهم لليلة الواحدة واغلب القاطنين سوريون قبل ولوجنا الفندق كأي راغب في الإقامة ، وقفنا عند حانوت بقالة يوجد في الطابق السفلي للفندق، اشترينا بعض الأغراض ، وخلال ذلك دخل شاب سوري يحمل طفلا في سنته الثانية ، اشترى البيض وكيسا من الخبز العربي وغادر..وكان الطفل يحدق بعينيه الزرقاوين فيما حوله دون ان يعرف لماذا جاء به الاب الى هذا البلد..الذي يسميه المشارقة المغرب الاقصى.. سألنا البقال عن وضع الفندق وان كان المغاربة يأتون إليه فأجاب ..الفندق .لم يعد صالحا للمبيت فالضوضاء التي يحدثها الأطفال مزعجة، فاغلب الغرف يقطنها سوريون صحبة أسرهم، وبإلقاء نظرة على الفندقمن الخارج ، أول ما يستوقفك هو حبال الغسيل المتدلية من الشرفات..غسيل ملون يخبر عن وجود اسر فيها اطفال، تركنا الحانوت وغير بعيد عنه كان يقف صاحب عربة "الهندية أو الزعبول" ولفت نظري كلام طفل في الرابعة من العمر ، فالطفل سوري ويحمل حفنة من الدراهم اشترى بها بعض حبات الهندية أكلها بنهم رغم اننا كنا في الساعة العاشرة صباحا، ورجع إلى الفندق.. طلبت من المصور أن نعاين الفندق من الداخل بعد ان دخل بدوره إلى دائرة الأحداث فقد اصبح يظهر على الشاشات التي تنقل روبورتاجات عن وضع السوريين بالمغرب.. ارتقينا الدرج الذي كان معتما، وغير مرحب بالمطلق، في الطابق الاول لم تكن الاضاءة جيدة ، كان هناك مكتب صغير يجلس الى جانبه رجل عجوزيغرق في جلباب صوفي، ومقابل المكتب شبه غرفة جد معتمة لم اتبين ان كانت فعلا غرفة او دورة مياه يجلس عند عتبتها شخص ما، فالبهو ضيق جيدا وطلاء الحائط مائي اخضرمتسخ.. اقتربنا من الشيخ وسالته اني اريد ان احجز لضيفة غرفة، لم اكمل جملتي الاولى حتى بادرني شاب من الخلف بالسؤال عن طلبي ، فاخبرته اني اريد ان احجز غرفة واريد ان اعرف الثمن ..فاجابني 70 درهما لليلة ، سالته ان كانت تتوفر على حمام فرد بالنفي ، طلبت منه غرفة تكون افضل فقال " توجد غرف بمائة درهم" سألته ثانية إن كانت تتوفر على حمام مستقل ام ان دورة المياه مشتركة ، مد يده يدعك قفاه، قائلا : تتوفر على سرير اكبر لكنها غير متوفرة الآن ويمكنك العودة بعد الثانية ظهرا فقد يغادر البعض.. تركت الشاب الذي كان هندامه هو الاخر غير مرحب او مريح ، كان يلبس سروال بدلة رياضية وينتعل صندالا مفتوحا من الامام وتشورت رغم برودة الجو التي تزيدها عتمة المكان ضيقا.. لم أرد أن اسأل أكثر ، كان الصمت سائدا عكس ما قال البقال غادرنا وصورة الرجل الذي اشترى البيض مع طفله تتربص بي بعد أن ابتلعته غرفة ما ، هو والطفل الذي التهم فاكهة"الزعبول" بنهم.. ليسوا جميعا لبقين.. ركبنا سيارة أجرة في اتجاه آخر، وقف السائق عند إشارة الضوء الأحمر اقتربت نحوه بعض النسوة الإفريقيات ، اخذ الرجل يلوك كلاما قاسيا عنهن..لم أرده أن يستمر فيه ، فقلت له هناك مغاربة يعانون مثلهم في الخارج الذي لا يخلو من العنصرية وقساوة العيش..والسوريين من كان يظن أنهم سيحلون بهذه الأعداد أيضا بيننا وفي ظروف مثل هذه.. وكأن الرجل كان يتحين الفرصة للحديث في هذا الموضوع..فبادر بالقول : كنت أتعاطف معهم لكن فيهم من لا يستحق العطف..سالته :لماذا ؟ فرد : والله أختي إلى فيهوم شي وحدين استاهلو..ركبو معايا جوج سوريين ..بداو كيتكلمو واحد الساعة قالو ليا بلادكوم مزيانة ولكن فيها الفساد بزاف هو والمخدرات، واضافا يقول الرجل" بلاد واحدة اللي لقينها نقية..هي الجزائر.. فوجدتني انساق معه..ولماذا لم يظلا في الجزائر..؟ فرد: بنادم صعيب.. تركنا سيارة الأجرة واتجهنا نحو مقهى تضم اعدادا من السوريين في حي المسيرة الغارق في الضوضاء وسلع الفراشة ، يقتسمون نفس الموائد ولا يختلطون مع رواد المقهى المغاربة .. لم نسال النادل الذي لم يالف وجود امراة بين رواده..بل اكتفينا باحتساء القهوة الى جانبهم ..فمؤكد ان هؤلاء هم من يبعثون بنسائهم الى المراكز التجارية فيما انخرطوا هم في روتين البطالة ...