أصبحت دول الساحل والصحراء مجالا للتنافس الجيوستراتيجي بين المغرب والجزائر، حتى بدا أن الموضوع غدا صراعا حقيقيا. فبعد الدور الذي لعبه المغرب في إعادة الأمن والاستقرار إلى مالي والذي تُوِّج بحضور جلالة الملك في تتويج الرئيس المالي المنتخب إبراهيم أبو بكر كوناتي، فإن هذا الحضور أشر على التأثير الحاسم للمغرب في مسلسل إعادة الشرعية إلى هذا البلد الإفريقي وهو الجهد الذي نتج عنه مباشرة تخلي هذا البلد عن مناصرة الأطروحة الانفصالية التي يخوضها خصوم المغرب ومناوءتهم لوحدته الترابية حيث انتزع المغرب تخلي هذا البلد عن مناصرة هذه الأطروحة والاعتراف العلني بحق المغرب في وحدته الترابية. ولم يمر ذلك الحضور لجلالة الملك دون ردة فعل من الجارة الجزائر التي لم تدخر جهدا في محاولة تقويض هذا الدور، ولعل ارتفاع حدة التوتر الديبلوماسي بين البلدين قد وصلت حد استدعاء المغرب لسفيره في الجزائر من أجل التشاور احتجاجا على التصريحات العدائية للوحدة الترابية للمملكة والتي صدرت من أعلى هيئة سلطة في البلاد وهي الرئيس بوتفليقة في »أبوجا«. وعلاوة على هذا الموقف الذي سعت من خلاله الجزائر في صراعها الجيوستراتيجي مع المغرب إلى الحفاظ على تماسك دعايتها ضد الوحدة الترابية للمغرب والتي تسندها بالدعم المالي، فإن الجارة الشرقية سعت دائما إلى محاولة إقصاء المغرب من أي دور إفريقي كما فعلت سنة 2009 عندما لم تستدع الرباط إلى لقاء تمانراست من أجل التنسيق لمكافحة الجماعات المتطرفة وذلك بذريعة أن المغرب لا يتوفرعلى حدود مع دول الساحل. إلا أن هذه المبادرة التي أطلقتها الجزائر ماتت بعد أربع سنوات من إطلاقها رغم أن الجزائر لا تريد الاعتراف بهذه الحقيقة. ومقابل ذلك سجل المغرب عودة قوية إلى الساحة الإفريقية . وفي هذا الإطار تحتضن الرباط في الرابع عشر من شهر نوفمبر الجاري لقاء جهويا لتقوية الأمن الحدودي لبلدان الساحل والمغرب العربي، ويعتبر هذا اللقاء نسخة ثانية لذلك الذي انعقد في شهر مارس المنصرم. ويبدو من خلال هذه التحركات أن الأزمة المالية وما تلاها أعطت للمغرب فرصة مهمة لفرض تأثيره في بلدان الساحل وهو بذلك ينتظر أن يلعب دورا أساسيا في عودة الأمن إلى المنطقة. وليس هذا فحسب بل إن المجال الحيوي الإفريقي للمغرب سيحتم عليه مزيدا من ترسيخ هذا الدور خصوصا وأنه سيحتضن في 2014 قمة دول سان ساد وهي المؤسسة المالية والاقتصادية التي سترى النور كثمرة لهذه الجهود وذلك ما أعلنته امباركة بوعيدة الوزيرة المنتدبة لدى وزيرة الشؤون الخارجية والتعاون الذي حضر هو نفسه اجتماعا لوزراء خارجية الدول الإفريقية في »باماكو« عاصمة مالي، والتي رغم العناق الديبلوماسي الذي جمع كلا من صلاح الدين مزوار ووزير خارجية الجزائر فإن ذلك لم يمنع هذا اللقاء من أن يكون حلبة لصراع دبلوماسي حقيقي بين المغرب والجزائر على الأدوار الإفريقية.