بحلول الذكرى الثامنة والثلاثين للمسيرة الخضراء، تكون قد مرَّت مرحلة مضنية من النضال الوطني من أجل استكمال الوحدة الترابية للبلاد وتعزيز المكاسب التي تحققت في هذا المجال على مختلف الأصعدة، وتكون القاطرة تسير في اتجاه المستقبل، وإن كانت تواجه صعوبات وتعترضها عراقيل، فتتوقف حيناً، ولكنها لاتلبث أن تستأنف السير نحو تحقيق الأهداف الوطنية التي تجتمع حولها الإرادة الوطنية التي لاتزيدها التحديات إلاّ قوةً وإصراراً وتصميماً. وتحل ذكرى المسيرة الخضراء في الوقت الحرج حيث تتَصَاعدُ التحديات التي تواجه المسيرة السلمية الهادفة إلى إيجاد حل عادل متوافق عليه للمشكل المفتعل، في إطار العمل بالمقترح السلمي الذي تقدم به المغرب والذي لقي ترحيباً وقبولاً من أطراف دولية عديدة. ولعل التحدّي الأكبر الذي يعترض سبيل التسوية المتفق عليها لمشكل الصحراء المغربية، هو الذي يأتي من إمعان الجزائر في ممارسة السياسة المعادية للمغرب والهادفة إلى تعقيد الأمور وتأليب المجتمع الدولي ضد بلادنا بإثارتها لقضايا إنسانية حق يُراد بها الباطل يسعى من خلالها حكام الجزائر إلى عرقلة الجهود المبذولة من أجل طيّ هذا الملف نهائياً والاتجاه نحو بناء التنمية الشاملة المستدامة في هذه المنطقة من العالم تتضافر فيها إرادتا الدولتين المغربية والجزائرية في إقامة تعاون إقليمي يكون القاعدة الأساس للتعاون المغاربي في إطار مؤسسة اتحاد دول المغرب العربي. ولئن كانت الجزائر تسير في الخط المعاكس لإرادة الشعبين المغربي والجزائري وشعوب منطقة المغرب العربي عموماً، فإن المغرب مصمّمْ العزم على المضي قدماً في الاتجاه الذي يبني فيه المستقبل في إطار مشروع الحكم الذاتي للمواطنين المغاربة في إقليميْ وادي الذهب والساقية الحمراء، وفي ظل السيادة المغربية التي لاتقبل الاختراق أو التجزئة أو المساومة. فالمغرب يبني للمستقبل، بينما الجزائر تهدم ولاتبني، وهي بذلك تعاكس إرادة التاريخ وتدفع بالمنطقة نحو المجهول. وتحل ذكرى المسيرة الخضراء وقد انتفض الضمير الوطني بعد خطاب جلالة الملك في افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة، واحتشدت الإرادة الوطنية وتعبأت الطاقات والقدرات للدخول في معركة جديدة من أجل الدفاع عن السيادة الوطنية في الصحراء المغربية، ولقطع الطريق على دعاة التفرقة وتمزيق الصف الوطني الذين لايعنيهم في شيء مواصلة بذل الجهود لإنهاء المشكل الذي بات يشكل مصدر قلق للمجتمع الدولي. وبذلك تكون ذكرى المسيرة هذه السنة فاتحة عهد جديد نصمم العزمَ على أن يكون عهد تسوية للمشكل وتصفية للأزمة وتنقية للأجواء في المغرب العربي وتوعية بأهمية المرحلة القادمة التي يتعين أن نخوض فيها معركة البناء الإقتصادي التنموي لضمان استمرار التنمية الشاملة المستدامة للأجيال المقبلة التي من حقها علينا أن نوفر لها أسباب الحياة الكريمة والعيش الرغيد والأمن والسلم الدائمين. وإن حزب الاستقلال الذي كان - ولايزال - رائداً في النضال من أجل استكمال الوحدة الترابية للمملكة، وقد أطلق الحملة للمطالبة باسترجاع الصحراء الشرقية المغربية الواقعة تحت الاحتلال الجزائري، ليحدوه الأمل في أن تكون المرحلة المقبلة مرحلة تعبئة وراء جلالة الملك للدفع في اتجاه إيجاد حل متفق عليه في إطار الشرعية الدولية، وبقرار من مجلس الأمن، لهذا المشكل المفتعل من طرف حكام الجزائر الذين أظهروا للعالم أنهم لا يريدون له أن ينتهي إلى حل نهائي يضمن الأمن والاستقرار في المنطقة. إن المسيرة الخضراء لم تكن حدثاً تاريخياً انقضى، ولكنها عقيدة وفكرة والتزام ومنهج عمل وميثاق غليظ بين جلالة الملك والشعب المغربي من أجل استكمال الوحدة الترابية للبلاد، وبسط السيادة الوطنية على جميع التراب المغربي في الجنوب وفي الشرق وفي الشمال أيضاً. فتلك هي روح المسيرة الخضراء المظفرة التي نحيي اليوم ذكراها الثامنة والثلاثين، ونتمثلها في ضمائرنا ونستحضر وقائعها في ذاكراتنا ونلتف حول الرموز التي تمثلها. وإن حزب الاستقلال الذي هو الطليعة الوطنية النضالية، لينظر اليوم إلى ذكرى المسيرة الخضراء من زاوية أنها قوة دفع للطاقات الوطنية التي تلتف حول جلالة الملك في معارك التحرير والبناء والنماء من أجل وطن حر ومواطنين أحرار ومستقبل باسم مشرق يسوده السلام القائم على العدل.