سال حبر كثير جدا عن ردود فعل القوى المهنية والسياسية والنقابية والمدنية حول قرار الحكومة القاضي باعتماد نظام المقايسة بالنسبة لأسعار بعض المنتوجات النفطية، وكان من الطبيعي أن تتباين ردود الفعل هذه ، ونحن هنا نتحدث عن ردود الفعل المسؤولة العاكسة لمواقف المؤسسات ولا نتحدث عن الذين يتصببون عرقا كل صباح بحثا عمن يقبل منهم تصريحا صحفيا ينشر مصحوبا بصورهم، وهي تصريحات طائشة تفتقّد للخيط الناظم، فهي تارة ضد جهة تكيل لها الاتهامات الخطيرة، لكن لاتحمر وجنتيها خجلا حينما تصبح تلك الجهة حليفا ينقذ. المركب من الغرق بمن فيه. حزب الاستقلال قرر النزول إلى الشارع في إطار تصريف حقه المشروع في صياغة ردود فعله بالشكل الذي يقدره مناسبا في هذه المرحلة الدقيقة. لماذا؟ إنه السؤال الذي ينتظر جوابا فعلا. إن النزول إلى الشارع لا علاقة له بقرار الحزب الانسحاب من حكومة الاستاذ عبد الالاه بن كيران، وكان الحزب أثناء مشاركته فيها يردد في العلن بأن الزيادة في أسعار المواد الاستهلاكية والخدمات خط أحمر، لأنه كان ولايزال يدرك أن الاستقرار العام في البلاد رهين بمراعاة الظروف الاقتصادية الصعبة جدا التي يمر بها المواطن، ولأن الحكومة أحجمت طيلة سنتين عن توفير أدنى شروط استنبات رضى اجتماعي، حيث عطلت الحوار الاجتماعي بصفة نهائية ، وهو الحوار الذي كان يعاند طوال أكثر من عشر سنوات من أجل أن يصبح منتظما ومؤسساتيا، وحتى في عهد حكومة التقنوقراط لم يتوقف الحوار الاجتماعي، وهذا كان يعني ولايزال أن الحكومة لم تعد في حاجة إلى الفرقاء الاجتماعيين بصفة نهائية وأعلنت خصومة حادة معهم. تم إن الحكومة أصرت على التنصل من مسؤوليتها في تنفيذ مضامين محضر 26 يوليوز مع المعطلين وهو المحضر الذي وقع في عهد الحكومة التي كان يرأسها حزب الاستقلال الذي كان حليفا رئيسيا في الأغلبية الحكومية وهو قرار لم يكن موجها فقط للمعطلين، بل كان يستهدف مصداقية حزب الاستقلال الذي بذل أمينه العام السابق وهو وزيرا أول ثم رئيسا للحكومة جهودا جبارة لتشغيل المعطلين من أبناء الشعب، واتخذ الأستاذ بن كيران هذا القرار الغريب بصفة انفرادية. الآن نتحدث عن إعمال نظام المقايسة وستتاح فرص أخرى للحديث بتفصيل عن شجون كبيرة وثقيلة، فحزب الاستقلال بقدر ما يعارض القرار لأنه ستترتب عنه زيادات مهولة في أسعار كثير من المواد الاستهلاكية. فإنه يعارض وينتقد المنهجية التي اعتمدتها الحكومة في التعاطي مع هذا الموضوع، فطالما تغنت الحكومة بشعارات رنانة توهم المغاربة باقتناع الحكومة بالمنهجية التشاركية وباعتماد المقاربة الشمولية في الإصلاح، لكن الحكومة في جميع الامتحانات التي اجتازتها لحد الآن تتعمد خيانة التزاماتها وتنكص تعهداتها، فقد اتخذت قرار المقايسة بصفة فردية مطلقة، ونحن لن نستدل هنا بعدم إشراك حزب الاستقلال بل نأمل أن تكون الحكومة قد اطلعت على بيان المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية الأخير الصادر عقب الاجتماع الدوري لقيادة هذا الحزب الذي انتقد القرار، ولسنا في حاجة للتذكير بحجم المودة بين حزبي التقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية، كما أن حزب الحركة الشعبية التزم الصمت وتحاشى لحد الآن إحراج نفسه أمام الرأي العام في الدفاع عن قرار يكاد يكون غير معني به. ولسنا في حاجة للتذكير أيضا بالوضعية الصعبة التي كان عليها وزير الشؤون العامة والحكامة وهو وحيد رفقة نواب حزبه يدافع عن القرار أمام لجنة المالية بمجلس النواب بعدما تعمد جميع نواب حزبي التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية التغيب عن الحضور، وفي ذلك الكثير من الإشارات. الحكومة تعمدت تغييب المؤسسات قبل اتخاذ القرار، ولم تأت إلى البرلمان إلا بعد أن اتخذت القرار. الحكومة نكصت وعدها مرتين فيما يتعلق بإصلاح صندوق المقاصة، مرة حينما التزمت بأن الإصلاح سيكون شموليا في إطار مقاربة شاملة، ومرة ثانية حينما تعهدت بتنظيم حوار وطني حول هذا الموضوع تشارك فيه القوى المهنية والسياسية والنقابية، وارتأت الحكومة أن تقوم بتجزيء غريب للإصلاح، وبدأت بطرحه على شكل جرعات صغيرة، وهذا يعني شيئين لا ثالث لهما، إما أن الحكومة لا تتوفر على المقاربة الشاملة، لذلك فهي مضطرة للقيام بما تقوم به الآن، وإما أنها تتوفر على هذه المقاربة، وأن إصلاح صندوق المقاصة جاهز، وأنها تتعمد إخفاءه على الفاعلين، والذي يخفي شيئا لابد أن له خلفيات معينة وأهدافاً محددة وراء ذلك. إن حزب الاستقلال ينزل إلى الشارع للتنديد بهذه المنهجية الماكرة في تدبير الشؤون العامة في البلاد، وللعمل على رد الاعتبار للمؤسسات، ولقول لا للهيمنة الحزبية، الدعوية البئيسة، ولفضح النوايا المتسترة وراء الإصلاح وما شابه ذلك.