سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
سياسيون وخبراء وباحثون يبحثون بالمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية بالرباط آثار الدستور الجديد على المشهد السياسي المغربي الدستور الجديد أنجز بروح توافقية بيد أن تشريع قوانينه التنظيمية لم تحترم هذه المنهجية
احتضن مقر المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية بالرباط ليلة الجمعة الماضية ندوة سياسية و أكاديمية هامة في موضوع ( آثار الدستور الجديد على المشهد السياسي الوطني ) أطرها مجموعة كبيرة من السياسيين و الأساتذة الباحثين و الخبراء ، كان من أبرزهم محمد أوجار عضو المكتب التنفيذي للتجمع الوطني للأحرار و عبدالله البقالي عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال و عبدالأحد الفاسي عضو الديوان السياسي للتقدم و الاشتراكية و سليمان العمراني عضو الأمانة العامة للعدالة و التنمية وفاطمة الضعيف عضوة قيادية في الحركة الشعبية وإلياس العمري رئيس المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة والأستاذ عبدالمغيث بنمسعود طريدانو أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق السويسي بالرباط. بيد أن سياسيين آخرين و أساتذة و باحثين أطروا المناقشة العامة التي أعقبت العروض و التدخلات . استهل الندوة الأستاذ محمد توفيق مولين المدير العام للمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجة الذي ذكر بمواضيع مجمل الدراسات التي أنجزها المركزلحد الآن و استعرض أرضية لهذا اللقاء الهام، قبل أن يحيل الكلمة إلى الأستاذ عبدالرحيم المصلوحي المنسق العام للدراسة الهامة التي ينجزها المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية حول ( الروابط الاجتماعية ) الذي رسم إطارا عاما لهذه الندوة من خلال مداخلة مركزة حيث ذكر بأن الخبراء المتخصصين يقسمون الانتقال الديموقراطي إلى ثلاث مراحل ضرورية و أساسية و هي : 1- مرحلة الانفتاح السياسي و الاقتصادي، وهي بدأت في المغرب منذ بداية سنوات التسعينيات من القرن الماضي و انتهت عمليا بإصدار تقرير هيأة الإنصاف و المصالحة . 2 - مرحلة التأسيس،واجتازها المغرب بالدستور الجديد و بإجراء انتخابات غير مسبوقة انتهت بوصول المعارضة إلى الحكم . 3 - مرحلة التثبيت، وهي التي يمكن القول إن المغرب يجتازها عبر سن القوانين الجديدة و إنجاز الإصلاحات العميقة . ورأى الدكتور المصلوحي أنه لا بد من وجود شروط حتمية لإنجاح كل انتقال ديموقراطي من قبيل التوفر على أرضية قوية، وفي هذا الصدد أشار إلى وجود دستور قوي و مهم، ثانيا لا بد من توفر الإرادة السياسية، وهنا تساءل الدكتور المصلوحي عما إذا كان جميع الفرقاء يتوفرون على هذه الإرادة و يقرون بها، أم أنه هناك جيوب مقاومة ؟ثالثا لابد من نخب قادرة على التشبع بالثقافة الديموقراطية. و أشار المتدخل إلى ما سماه بسياق مفارقات، ذلك أن المغرب يتوفر على مقومات أساسية يبدو أنه لم يحسن استثمارها كما هو الشأن بالنسبة لوجود مؤسسة ملكية ضامنة للاستقرار و تحظى بالإجماع و غياب أي دور للمؤسسة العسكرية و غياب شروط النزاع الطائفي و الثقة التي يتمتع بها المغرب في محيطه الإقليمي و الدولي . ولاحظ الدكتور المصلوحي أن المشهد السياسي المغربي تميز بضعف في استثمار الفرصة السياسية ، وأن الدستور الجديد جاء بصلاحيات مهمة لرئاسة الحكومة لكن هذه الأخيرة لم تحسن استثمار وممارسة صلاحياتها وأشرت على ذلك بكثير من التنازلات، وقدر أن نفس الأزمة ستظل مستمرة إلى ما بعد تشكيل الحكومة الجديدة ، وانتهى إلى التنبيه للخطورة البالغة جدا التي يكتسيها خطاب تبخيس دور الأحزاب السياسية، لأنه لا يمكن وجود ديموقراطية في غياب أحزاب سياسية قوية . الأستاذة فاطمة الضعيف ركزت مداخلتها على أهمية المكاسب السياسية التي راكمها المغرب خلال السنين القليلة الماضية و ألحت على ضرورة الإسراع بتنزيل الدستور الجديد مركزة على الأهمية البالغة و الحتمية المطلقة لتفعيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالأمازيغية . الأستاذ سليمان العمراني، من جهته، قال في مستهل عرضه إن تفعيل الدستور يعتبر اليوم مسؤولية الجميع على أساس الوفاء لروح الدستور و أن الفاعلين السياسيين مطالبون بالتداعي للقراءة الديموقراطية للوثيقة الدستورية. و ذكربما عرفته التجربة السياسية في الماضي مسجلا أنه و بداية من سنوات التسعينيات من القرن الماضي حدثت تغييرات مهمة و بدت بعد ذلك معالم عهد جديد، إلا أنه لم ينف وجود إرادة تحاول الآن أن تجذب المغرب نحو الماضي و أن هذه المحاولات لم يوقفها دستور2011 ووصل حد اتهام هذه الإرادة بالتدخل في الشؤون الداخلية للأحزاب السياسية. أما الأستاذ عبدالله البقالي فقد استهل مداخلته بالتأكيد على الأهمية البالغة التي تكتسيها مبادرة تنظيم هذه الندوة، لأن ذلك يندرج في سياق إنجاز نقاش هادئ بين الفاعلين السياسيين والباحثين الأكادميين المتخصصين، وهي مبادرة تكشف النقص الكبير الحاصل في هذا الصدد ، وعبر عن تخوفه من أن تكون السوسيولوجيا السياسية قد ماتت في المغرب، لأن الحالة المغربية تفتقد إلى إسناد حقيقي تقدمه الجامعة المغربية و مراكز الأبحاث و الدراسات . و نبه المحاضر إلى أن الفاعل السياسي ليس من اختصاصه تنقيط الفاعلين السياسيين الآخرين ولا أن يدعي هذا الفاعل امتلاكه الحقيقة لوحده ولافرض القراءة الذاتية ، و قال إن استمرار مظاهر الماضي تكمن أيضا في عجز الحكومة و تقصيرها الفاضح عن ممارسة الصلاحيات التي خولها لها الدستور الجديد . وقال الأستاذ البقالي إن حالة الفراغ أو البياض التي سبّبها عدم تنزيل الدستور لحد الآن فسحت المجال أمام تضخم سلطة التأويل الذي تحول إلى إشكالية حقيقية . ونبه المحاضر إلى أنه غالبا ما يقع حصر الحديث عن المشهد السياسي في الأحزاب السياسية ، بيد أن الأحزاب السياسية مجرد مكون من مكونات هذا المشهد التي حددها في الأحزاب و في الممارسة السياسية وفي المراجع، خصوصا الدستور والقوانين الناظمة لهذا المشهد، و حينما نتحدث عن المشهد السياسي بهذا الفهم فإننا نكون أمام مهمة صعبة ومعقدة القراءة والتحليل . وفيما يتعلق بالأحزاب السياسية أوضح المتدخل أنها تواجه صعوبات وإكراهات كبيرة تبدأ بترسبات الماضي حيث اعتبرت الدولة دوما نفسها طرفا مباشرا في العملية السياسية فأوجدت لنفسها أحزابها و نقاباتها ، وعملت أيضا على إضعاف دور الأحزاب و نفخت كثيرا في الجمعيات و الأعيان و عولت على ذوي النفوذ الاقتصادي و حاصرت الأحزاب بقوانين تعسفية واشتغلت بهاجس أمني مع الأحزاب ، كما اخترقت كثيرا من الأحزاب الوطنية و خلقت لنفسها امتدادات داخلها، وكل ذلك و غيره ساهم في استنبات قيم دخيلة على العمل السياسي الذي أضحى بالنسبة للكثيرين آلية من آليات الترقية الاجتماعية و الانتهازية. وكان من الطبيعي أن تنفر النخب من العمل السياسي و يتجذر العزوف السياسي، لذلك دعا الأستاذ البقالي إلى البحث في الأسباب التي أفرزت هذا الواقع وإيجاد معالجات حقيقية لهذه الأسباب التي مكنتها من أن تكون سائدة . وفيما يتعلق بالممارسة السياسية أوضح المحاضر أنها لم تكن معافة و أنها تعرضت لتشوهات كبيرة ، و لم تكن صالحة في يوم من الأيام لاستنبات قيم نبيلة، وقال إن الممارسة السياسية في المغرب لم تساهم في السابق في انتاج مايسعد الناس ويحببهم فيها، و هذا ما يكشف حقيقة تردي القطاعات الاجتماعية في التعليم والصحة و الشغل والسكن ومحاربة الفقر والهشاشة وصيانة كرامة المواطنين . وأقرالمحاضر أنه بعد وصول جلالة الملك محمد السادس إلى سدة الحكم عرفت هذه المنظومة رجة عنيفة لا تزال مستمرة إلى الآن ، حيث بذلت جهود كبيرة و جبارة لتقوية الوضع العام و استدل في هذا الصدد بعمل هيأة الانصاف و المصالح و بمدونة الأسرة و انتخابات غير مسبوقة و سيادة خطاب جديد يدعو و يسعى إلى المصالحة مع الماضي و التحفيز على العمل السياسي و سادت أجواء انفتاح و انتشرت و اتسعت ممارسة الحريات و الحقوق . و بالنسبة للمراجع ذكر المحاضر بالثورة الكبيرة التي عرفتها التجربة المغربية من خلال إقرار دستور جديد يحث على التغيير العميق في ظل الاستمرارية . إلا أن الأستاذ البقالي عاب على الدستور الجديد تقصيرا كبيرا في تكريس الاهتمام بالممارسة الحزبية حيث اكتفى بالتنصيص عليها في فصل واحد و يتيم تطرق إلى العموميات بصيغة تميل إلى التعميم و الغموض . الأستاذ عبدالأحد الفاسي نبه في مداخلته إلى أن الأمر لا يتعلق بتنزيل الدستور ، لأن التنزيل يعني النقل من الأعلى إلى الأسفل، بيد أن الأمرفي حقيقته يتعلق بأن يتم إلحاق المجتمع بالدستور الجيد بمعنى استنهاض الواقع لملاءمته مع الدستور، وأوضح أن الدستور جاء بصلاحيات مهمة جدا خصوصا بالنسبة لرئاسة الحكومة ، و قال في هذا الصدد إن رئاسة الحكومة إذا لم تقم بدورها في التحكيم النزيه بين مكونات الأغلبية ، فإننا نكون أمام الأساليب التقليدية، ورأى أن هذه الوظيفة لا تمارس بالشكل المطلوب. ودعا عبدالأحد الفاسي إلى مساعدة حزب العدالة و التنمية على حسن قيادة الحكومة. و نبه إلى ما اعتبره تقييما غير دقيق يتم الترويج له مفاده أن القوى الحداثية والديموقراطية توجد خارج الحكومة وأن القوى المحافظة توجد داخلها. الأستاذ إلياس العمري ذكر بأننا عشنا في السابق صراع بناء الشرعيات ، ولكن المغرب دخل ما بعد 14 دجنبر 1990 في مرحلة جديدة، وأن حكومة التناوب الديقراطي كانت محطة من محطات الشرعيات. وأضاف إننا انتقلنا بعد ذلك إلى مرحلة تثبيت هذه الشرعيات، وعشنا في ضوء ذلك محطات أخرى كان الهدف منها تأهيل المجتمع، و استحضر في هذا السياق عمل هيأة الانصاف و المصالحة التي لم يقتصر دورها على تحقيق العدالة الانتقالية، بل امتدت إلى تثبيت الشرعيات الجديدة، وأيضا تقرير الخمسينية الذي مثل قراءة نقدية موضوعية للماضي و تصور للمستقبل، وأيضا إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وتوج كل ذلك بدستور2011. وتساءل المحاضر عما إذا كانت الأمور قد تغيرت؟مجيبا بالإيجاب، مسجلا أن النقاشات أضحت مفتوحة ما بين مختلف التعبيرات و تعلقت بالقضايا الجوهرية و الأساسية بهدف تطوير الديموقراطية و جعلها خيارا استراتيجيا. واعتبر الأستاذ إلياس العمري أن السياسة هي علم الاحتمالات واستدل في هذا السياق بأنه من كان يعتقد أو يصدق مثلا أن السادات يمكن أن يلقي خطابه الشهير في الكنيست الاسرائيلي و من كان يظن في يوم من الأيام أن الراحل إدريس بنزكري سيلتقي مع المؤسسة الملكية ، بيد أنه أكد أن الإيديولوجيا هي علم الحلم و الطموح . أما الأستاذ محمد أوجار فقد أكد في البداية أن العشرية الأولى من حكم محمد السادس جاءت بمعالم حكم جديد، بما أشر على معالم مشروع سياسي غير مسبوق و استدل بالعديد من المنجزات كما هو الشأن بالنسبة لهيأة الإنصاف و المصالحة و مدونة الأسرة وغيرهما كثير، بيد أنه رأى أن العشرية الثانية من حكم محمد السادس جاءت بدستور جديد بمعالم هندسية جديدة، مما أشر على إعادة بناء السلط. و تساءل المحاضر كيف أن الدستور انجز بروح توافقية بيد أن القوانين التنظيمية التي تنقل هذا الدستور إلى أرض الواقع تنجز بطريقة مختلفة، داعيا في هذا السياق إلى اعتماد منهجية التوافق في إنجاز هذه القوانين . و طرح الأستاذ أوجار الذي تحدث طويلا عن تعقد مسطرة التشريع في بلادنا و طول الزمن التشريعي وإشكالية الأولويات بالنسبة لتشريع القوانين ، وتساءل في هذا الصدد مثلا لماذا قانون التعيين في المناصب السامية هو الأول و ليس قانونا آخر؟ وخلص إلى الإشارة إلى أن الدستور الجديد كتب على عجل و تعتريه الكثير من النواقص فيما يتعلق بالصياغة و التدقيق. الأستاذ عبدالمغيث بنمسعود طريدانو أكد أن الإرادة السياسية حاسمة في كل إصلاح، بل إن الإصلاح يبقى رهين هذه الإرادة . متسائلا عما إذا كنا نسير فعلا في طريق الإصلاح و إلى أين يمكن أن نصل بالممكن ؟ و ذكر أننا منذ سنة 1975 و نحن نتحدث عن الانتقال الديموقراطي ، بيد أن هذا الانتقال لا يمكن أن يدوم إلى ما لا نهاية، بل لا بد له من نهاية ليتم الانتقال إلى الديمقراطية الحقة باعتبار أن الانتقال ليس هدفا في حد ذاته .و أوضح الأستاذ المتخصص في العلوم السياسية أن هناك عوامل و شروطا ضرورية لوجود ديموقراطية و حددها في أربعة و هي : أولا : وجود تنمية اقتصادية و اجتماعية شاملة . ثانيا : وجود مجتمع مدني نشيط قادر على القيام بدور المراقبة و المتابعة . ثالثا : التوفر على إرادة سياسية تكون حاسمة . رابعا : وجود نظام تربوي فعال . كما أكد أن الديموقراطية تستوجب وجود عناصر أخرى متفرعة و تحدث في هذا الشأن عن ضرورة استقلالية الأحزاب السياسية و استقلالية الأشخاص من الفاعلين السياسيين و النقابيين و العاملين في المجتمع المدني . وبعد الانتهاء من العروض فسح المجال أمام المناقشة العامة التي شارك فيها أساتذة و باحثون و فاعلون سياسيون آخرون .