من يتابع خرجات أحمد المرابط أستاذ الفلسفة الذي يحب أن يوصف بالسكرتير الخاص للزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي من المؤكد سيشتم في كلامه و حواراته العداء الساكن في أعماق فؤاده اتجاه كل مل له علاقة بحزب الاستقلال و مناضليه، فالرجل لم يتوانى للحظة في جعل الاستقلاليين العدو رقم واحد للريفيين و المنطقة بأكملها. استنتاجاته طبعا يقرنها بالسنوات التي مهدت لاستقلال المغرب وما شهدته بين 1958 و 1959 حيث حمل فيها المسؤولية للحزب في ما عرفته المنطقة من تقتيل و مجازر و اعتقالات، لكن للرجل ذاكرة قصيرة سرعان ما يكذب نفسه ليشير إلى مسؤولية النظام و مسؤولية الجنرال أوفقير و آلته العسكرية الشرسة ولا أدري ما السبب في كل هذا التناقض إلا إذا كان أستاذ الفلسفة يظن أن أوفقير عضو في حزب الاستقلال فراح يرسم سيناريوهات مستمدة من خياله الشاسع. أعتقد أن فلسفة الرجل و تكوينه الأكاديمي لم تسعفه لكي يتحول إلى شاهد عصر أو مختص في التاريخ، فقد سقطت من ذاكرته بسهو أو لنقل بشكل متعمد حقائق كثيرة يهمنا كقراء و مهتمين بتاريخ الريف تتبع تفاصيلها و أسبابها. فإلمام أحمد المرابط بمرحلة دقيقة من حياة الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي و هو على أرض الأهرامات لم يصل إلى درجة امتلاك الحقيقية الثابتة أو التميز عن باقي الشخصيات التي رافقت الأمير الخطابي في نضالاته إلى جانب ثلة من الوطنيين، فكيف لرجل ضالع في الفلسفة أن تغيب عنه معطيات هامة جدا تؤكد أن الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي لم يوكل مهمة الكتابة لأحمد المرابط فقط بل إن مساهمة آخرين أمثال حسن البغدادي الجزائري و عبد السلام الغازي و ابنة الزعيم مريم التي تقطن بالدار البيضاء و عبد السلام الهراس القاطن بفاس. والغريب فيما سرده المرابط للصحافة هو تفاديه ولو بإشارة بسيطة إلى شخصية بارزة كانت لها حظوة في محيط عائلة بطل أنوال إنه الأستاذ الكبير و السياسي و الأديب عبد الكريم غلاب أطال الله عمره ودوره في تكوين و تعليم أبناء الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي اللغة العربية واكتشاف عوالم حروف الهجاء و لغة القرآن. مناسبة تناولي للموضوع هي أطراف مكالمة هاتفية تجاذبت خلالها أطراف الحديث مع أخي و أستاذي عبد المجيد الكوهن من مدينة فاس الذي تابع و باهتمام حوارات صحفية لأحمد المرابط مما أثار حفيظته لما وجد في تصريحات هذا الرجل من كلام جارح اتخذ شكل هجوم حاد كال فيه الاتهامات لحزبنا و حاول تأكيد تورطه في ما عرف بأحداث سنتي 1958 و 1959 ما أثار فضولي لمعرفة الحيثيات التي دفعت أستاذ الفلسفة للجهر بهذه المغالطات أمام منابر صحفية متعددة وجدت في حديثه مادة دسمة لتأثيث صفحاتها كما يوظفها الخصوم لاستهداف حزب الاستقلال و مناضليه. أما بالنسبة لي فقد اعتبرتها مناسبة للتواصل مع القراء و ترتيب بعض الوقائع التاريخية و توضيحها رفعا لكل لبس أو تشكيك في طبيعة هذه الأحداث. لقد خاض أحمد المرابط تجربة القراءة التاريخية و التخندق كخصم و شاهد عن مرحلة يعتقد أو يحاول أن يقنع من تغريه حواراته أنه صاحب الحقيقة مادام يحسب نفسه سكرتيرا خاصا للزعيم و رجل ثقته مع أن أحمد المرابط وهو يسرد اللحظات الهامة من علاقته بمحمد بن عبد الكريم الخطابي تغافل و امتنع و كذب على قراءه حينما لم يخبرهم بمعطى بالغ الأهمية ارتبط بحياته الخاصة حينما كان لا يزال شابا فبحث له عن زوجة تتلاءم و طبيعة شخصيته و أصوله الريفية ليستقر اختياره على مريم إبنة الزعيم الذي سارع و بشدة إلى رفض كل ارتباط أو مصاهرة معه بالرغم أن ظروف حياة الغربة و البعد عن الريف و وجود زوج من أهل القبيلة يعد هدية ذي قيمة لا تعوض لاسيما إذا كان ذو مستوى فكري و سكرتيرا خاصا كما يحلو للزوج المرفوض أن يصف نفسه. ليبقى السؤال مطروحا من دون إجابة حول الأسباب التي جعلت محمد بن عبد الكريم الخطابي يعترض كما اعترضت ابنته مريم عن مشروع زواج لم تشفع فيه فلسفة الأستاذ لنيل رضا أسرة الخطابي. إنها المفارقة التي لم يعرج أحمد المرابط ولو بكلمة على بعض تفاصيلها و مع ذلك يصر أن يسمى السكرتير الخاص.إنه استغباء للقارئ و نصب و تزوير للحقيقة التاريخية التي تحتمل وجود أكثر من زاوية مظلمة حبذا لو تحدث عنها المرابط بكل حياد وفاءا لروح الزعيم من دون مغالطة أو تزييف. مفارقات أحمد المرابط لم تقف عند حد اتهام حزب الاستقلال بأنه عدو للريف بل شكك حتى في وطنية و نضالات شخصية سطعت في تاريخ الشعوب التواقة إلى الاستقلال إنه الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة والطامة الكبرى حين تشبت بموقفه الرافض لعودة رفات الزعيم إلى وطنه المغرب متناقضا مع رغبة كريمات الأمير الخطابي اللواتي رحبن بفكرة العودة التي اعتبرها المرابط نتيجة فقط لضغوط أو إيحاءات مردها المخزن وما أعتقد أن بنات الزعيم أقل حرصا على رفات والدهن من أستاذ فلسفة لم يتبقى له سوى اتهامهن بالخيانة بعد أن تفنن في توزيع هذه التهمة يمينا و يسارا، لقد تمعنت في قراءة مقارنة قام به أحمد المرابط حول دفن سيدنا علي بالكوفة وعدم مطالبة قريش بعودة رفاته إلى مكة و بين من يطالب بعودة رفات الزعيم الخطابي فلم أجد من سبب مقنع في استحضاره لهذه الواقعة بالرغم من الهوة الشاسعة بين ظروف هذه القصة و تلك لا من حيث الزمان أو المكان و الحيثيات التي تحكمت في تسلسل الوقائع ولربما خيال فلسفته كان وراء الإبحار في عمق تاريخ الدولة الإسلامية بحثا عن تبرير لمواقف شخصية متخمة بالأنا أسقطته في الذاتية المتعصبة التي لا يجب أن تحضر لدى المهتم بمادة الفلسفة فما بالك بالدارس للتاريخ. أما تشكيكه في وطنية الزعيم علال الفاسي فهي خلاصة جهله بقيمة هذا الرجل الذي وهب حياته من أجل أن يحيا المغاربة في كرامة رغم أن المرابط أقر في إحدى فلتات لسانه أن علال الفاسي رجل إصلاحي في مقابل الخطابي الذي كان ثوريا واعتبر ذلك مسألة اختلاف وهي ظاهرة صحية تحقق ما يجب من التوازن في وجهات النظر و لا تفسد بين الرجلين شيئا، وعن إيكس ليبان يعترف المرابط بكون صاحب النقد الذاتي رفضها ثم عاد ليؤكد أنه تراجع عن موقفه خوفا من أعضاء اللجنة التنفيذية وفي قوله هذا مغالطة فادحة مادام أن المغاربة و رجال الفكر و السياسة داخل الوطن و خارجه يدركون مكانة الزعيم علال الفاسي الذي يحظى باحترام الخصم تقديرا لصفاء مواقفه و ثباته على المبدأ، فكيف للاستقلاليين أن يكونوا أقل تقديرا لرجل ذو مكانة بالغة في وجدان كل استقلالي و صفحة مشرقة لنضالاته اقترنت بالمحطات الأساسية في الكفاح ضد المستعمر. وحرص على أن إنتاجاته الأدبية و العلمية ما تزال تنير طريق الأجيال التواقة إلى التحصيل كمراجع في أكبر المؤسسات و المدارس الجامعية على امتداد الوطن العربي وترجمت أعماله إلى لغات عدة سعيا وراء النهل من زخمه الفكري الواسع. وما أشار إليه المرابط بخصوص الانتقادات التي وجهها الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي لنتائج مفاوضات إيكس ليبان فقد أثارها الزعيم علال الفاسي من خلال نداءه المشهور الموجه إلى الشباب الملتئم بفاس سنة 1956 بمناسبة انعقاد المؤتمر التأسيسي لمنظمة الشبيبة الاستقلالية، أما حدث الدستور الأول الذي وصفه المرابط بأنه دون المستوى و لم يستجب لتطلعات المغاربة فتلك وجهة نظره لا أقل و لا أكثر و لن تقلل من مدى أهمية اللحظة التي وضعت إبانها الوثيقة الدستورية سنة 1962 حيث كانت البلاد في حاجة ماسة إلى وضع اللبنات الأولى للدولة كخطوة في طريق بناء المؤسسات، وحتى في أعتد الديموقراطيات عبر العالم نجد أن جل الدساتير ابتدأت بمستويات تتناسب مع اللحظة الزمنية التي ولدت فيها لتتطور وفق الحاجة و التطور المؤسساتي للدولة وتوجهاتها. خرجات المرابط لم تخلو من طرائف كتلك التي تحدث فيها عن عدم اضطلاعه على كتاب الأستاذ و المؤرخ العربي المساري عنوانه "محمد بن عبد الكريم من القبيلة إلى الوطن" وهو إقرار بتغافل لمؤلف تناول شخصية الزعيم بينما يفترض في المهتم بالتاريخ أو من يهتم تحديدا ببطل ملحمة أنوال أو يعتبر نفسه رجل ثقته أن يكون حريصا على تتبع كل ما له علاقة بذلك مهما كانت الظروف خاصة عندما يتعلق الأمر بشخص يسمى سكرتيرا خاصا لمحمد بن عبد الكريم الخطابي. إنها حوارات اتسمت بخاصية تكررت في خرجاته قام بانتقاء عناصر معينة و تعديل أخرى و تغييب ما لا يستجيب للحاجات و الأهداف التي يسعى لتحقيقها فالشرعية التاريخية للحركة الوطنية التي شكك فيها هي الأخرى ارتبطت بنضالات شعبية شاركت فيها كل مكونات الشعب و فئاته في الحواضر كما القرى و رموزها و أقطابها كان لهم زمام المبادرة في التخطيط و التأطير وتنظيم المقاومة و التنسيق بين خلاياها لنكتشف اليوم أستاذ الفلسفة يقوم بعملية تقييم على مقاسه الخاص و يسفه جهود الوطنيين و يقزم جليل أعمالهم. لا يمكن أن نصف مواقف المرابط سوى بسعي حثيث للتشجيع على الفتنة و التباغض بدل السعي لتحقيق الانسجام الوطني عبر تنمية الشعور بالانتماء إلى الوطن الذي تحول تاريخه لدى البعض إلى صنعة من لا صنعة له، فكل من يريد أن ينافح عن قضية محددة يوظف التاريخ ويرتب وقائعه كما يرتب أغراضه الشخصية وفق أهواءه، و المرابط روى و تحدث عن فترة لها حيثياتها و سياقها و لكي ينجح في ملامسة الحقيقة كان عليه أن يرصد كل العناصر الفاعلة في الزمن الذي أنتجت معه الوقائع فالذي يقوم بهذه المهمة مفروض فيه أن يستحضر كل أشكال الروايات حتى وإن لم تتوافق مع توجهاته و قناعاته لا أن يوظف واحدة و سياقا منعزلا من أجل الدفاع عن موقف متعصب. التاريخ به أماكن ظل كثيرة لايمكن لأستاذ فلسفة أن يملأها بشكل نظري أو خضوعا لنزوات فردانية يراد بها تغليط و توجيه الرأي العام نحو استنتاج أو نتيجة محددة مستمدة من كلام باطل يقص حقائق أو يمر مرور الكرام على محطات بارزة و يتفادى كل ما من شأنه أن يزعجه، إنه استبلاد للقارئ و نصب فكري على الضعفاء و تكريس لفهم واحد وتلك ورقة محروقة ما دامت ترتكز على رواية أحادية الاتجاه وضعت لها حدود حمراء للتحكم في خلاصات الفهم و توريثها مع مرور الزمن للأجيال كي تتكرس كحقيقة تاريخية. ربما عقارب الساعة عند أحمد المرابط الذي لم يقنعه الوجه الحاضر للمغرب توقفت عند سنوات محددة لم يستطع أن يفارقها بينما واقع الحال أن مغرب الخمسينات و الستينات ليس هو مغرب اليوم بما شهده من تغيير نحو الأحسن في مجالات عدة فهامش الحرية الذي فسح للمرابط فرصة الجهر اليوم كما يشاء و الحديث في كل شئ كان خلاصة نضالات وإسهامات حزب الاستقلال في وضع أسس ظهير الحريات سنة 1958 وهي الفترة التي يحلو لأستاذ الفلسفة أن يقرنها بالدم و التقتيل مع أن حزب الاستقلال تحمل مسؤولية التدبير الحكومي لنصف سنة فقط امتدت بين الأشهر الأخيرة من سنة 1958 و بداية سنة 1959 و قدم استقالته بعد وقوفه على محاولات العودة بالمغرب نحو ماض دموي مع ما رافق ذلك من تراكم لمشاكل إقتصادية كانت وراءها تحركات لتيارات من داخل الحكومة دفعت في اتجاه خلق أزمة و توجيه ضربات لحزب الاستقلال استعدادا لمرحلة ما بعد 1959 وما شهدته من تغير في المشهد الحزبي لكن هذا لم يمنع من كون رواد الحزب نالوا الحظوة و التقدير البالغ من طرف الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي سواءا في علاقته بالزعيم علال الفاسي و تنسيقه مع قيادات أخرى انطلاقا من القاهرة أو عبر مراسلات خطها بيده وتبقى إحداها تلك الموجهة إلى الأمين العام أنذاك المرحوم السيد أحمد بلافريج (أنظر الصورة) يصفه فيها بالرجل الوطني والفذ و الصادق المستمر في ثبات على المبادئ و المكافح في الماضي والحاضر متمنيا له دوام التوفيق في مهامه، إنه عربون المحبة و الوفاء و الوطنية و التقدير التي ربطت ما بين محمد بن عبد الكريم الخطابي و إخوته في حزب الاستقلال. تفاصيل من المؤكد أن المرابط يعرفها و بلغ إلى علمه نصيب منها فراح يجتهد لمحو كل معالمها و لو بإثارة الأقاويل و المغالطات التي تجد في ذوي النفوس الضعيفة مرتعا للتكاثر لكن السؤال المطروح على المرابط و كل الذين يهوون تحويل حزب الاستقلال إلى شماعة لتعليق فشلهم لماذا إذن هذا الصمت طيلة العقود السالفة وأي أجندة حركت في الأستاذ هواجس النبش في التاريخ في هذا الظرف بالذات؟