يوم الجمعة 27 يوليو 2012 ذكرت وكالة فرانس برس أن روسيا تجري مفاوضات بهدف اعادة فتح منشآتها العسكرية في كوبا وفيتنام ودول أخرى. وحسب وكالة ريا نوفوستي فإن قائد سلاح البحرية الروسي الاميرال فيكتور تشيركوف عندما رد على سؤال بشأن المرحلة التي قطعتها المفاوضات التي بدأت "قبل بضع سنوات" بشأن هذا الموضوع، أجاب "نواصل العمل لكي تتمكن القوات البحرية الروسية من التمركز خارج حدود الاتحاد الروسي". واضاف فيكتور تشيركوف "ندرس في اطار هذا العمل على المستوى الدولي، مسالة انشاء نقاط دعم مادي وتقني في كوبا والسيشيل وفيتنام". وكانت روسيا قد اعلنت عام 2001 عندما كان فلاديمير بوتين رئيسا للدولة، التخلي عن قاعدتها البحرية في كام رانه في جنوب فيتنام التي استاجرتها بموجب اتفاق موقع في 1979 بين هانوي والاتحاد السوفياتي السابق. كما اعلنت انسحابها ايضا من كوبا حيث كانت لها في لورديس محطة تنصت تعود الى الحقبة السوفياتية. وعزت موسكو انذاك هذه القرارات الى المعطيات الجديدة في العالم وضرورة اعادة تركيز جهودها لمواجهة التهديد الارهابي خصوصا. ولم تحتفظ روسيا خارج أراضيها، سوى بمرفأ سيباستوبول في جنوب اوكرانيا حيث مقر اسطولها في البحر الاسود، وب"نقطة امداد ومساعدة تقنية" في مرفأ طرطوس في سوريا الذي تستخدمه البحرية الروسية منذ السبعينات. بعد ساعات قليلة من نشر الخبر الأول، نفت وزارة الدفاع الروسية مساء الجمعة اجراء موسكو مفاوضات بهدف اعادة فتح قواعدها العسكرية في كوبا وفيتنام، ووصفت ما نشر في وقت سابق عن ذلك في وسائل الاعلام الروسية بأنه "محض اختلاق، مؤكدة أن هذه المعلومات التي نشرت مختلقة كلها من جانب مؤلفها الذي سعى إلى الاثارة على حساب أخلاقيات المهنة". وأضافت الوزارة في بيان لها ان "الاميرال تشيركوف لم يدل بأي تصريح رسمي حول الأمر". واكدت ان "المسائل المتعلقة بالعلاقات بين الدول ليست من صلاحية قيادة البحرية الروسية، وبالتالي لا يمكن عرضها عبر وسائل الاعلام بأي طريقة كانت". الملاحظون فسروا هذا التضارب في الأخبار، بأن الكرملين ينفي وجود خطط لفتح قواعد عسكرية ولكنه لا ينفي موضوع التسهيلات، كما أنه لا يريد استخدام وسائل الاعلام الغربية قضية القواعد لشن حملة ضد موسكو في وقت تتوتر فيه علاقاتها مع الغرب بسبب الأزمة السورية. ما عزز هذا التفسير أنه مساء يوم الجمعة 27 يوليو، أعلن الرئيس الفيتنامي ترونغ تان سانغ في مقابلة بثت قبيل لقائه في سوتشي على البحر الأسود مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، أن فيتنام ستستأنف تطوير تعاونها العسكري مع روسيا. وقال الرئيس الفيتنامي لاذاعة صوت روسيا “في ما يتعلق بروسيا، يجمعنا بها تعاون وشراكة استراتيجية منذ زمن بعيد. وهذه الشراكة ستتطور باستمرار". وأضاف “لذلك نعطي روسيا الأفضلية في مرفأ كام ران لتطوير التعاون العسكري". لكن الرئيس الفيتنامي ناور بالقول انه “بعدما انهت روسيا وجودها العسكري هناك، نقلت فيتنام كامل مرفأ كام ران إلى إدارتها.. ولا ننوي أبدا التعاون مع أي بلد يمكن أن يستخدم كام ران لأغراض عسكرية". وأضاف الرئيس الفيتنامي أن “فيتنام هي السيد الوحيد على أراضيها.. وأشدد مرة أخرى على أن كام ران مرفأ فيتنامي". في اليوم الذي صدرت فيه التصريحات الروسية المتضاربة، اعلنت الولاياتالمتحدة من جانبها انها غير قلقة من التقارب المحتمل بين موسكو وحلفائها في العهد السوفياتي. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الامريكية جورج ليتل ان "للحكومة الروسية مصالح في كل انحاء العالم ولها الحق في تعزيز مصالحها". واضاف للصحافيين "نحن ايضا لنا مصلحة كبيرة في الحفاظ على علاقات عسكرية جيدة مع الروس". العودة بقوة إلى الساحة الدولية سواء تعلق الأمر بقواعد أو بتسهيلات عسكرية يقدر الملاحظون أن التحركات الروسية تصب في نطاق مساع الكرملين تحت قيادة الرجل القوي فلاديمير بوتين للعودة بقوة الى الساحة الدولية. وقرأ بعض المحللين في مواقف بوتين وبعض برامجه المعلنة للتسلح بوادر عودة الى القطبية الثنائية، خاصة بعد تسلسل الأزمات الاقتصادية في الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، وإضطرار واشنطن للحد من زيادة ميزانيتها العسكرية، والضعف المتزايد في قدرات واشنطن ودول حلف الناتو العسكرية سواء بسبب الانتكاسات العسكرية في العراق وأفغانستان، أو نتيجة تقلص القدرة على التدخل في مناطق مختلفة من العالم. وأشار هؤلاء المحللون إلى أن واشنطن ورغم نكساتها لا تزال تسعى لتحقيق برنامج الامبراطورية عبر وسطاء في عدة مناطق من العالم ومن خلال ما يسمى الفوضى الخلاقة، ولكن ذلك يجعلها أقل قدرة على المواجهة. هناك محللون آخرون كانت لهم تقديرات مخالفة خاصة وأنهم من ضمن هؤلاء الذين لا يؤمنون بالنظريات التي تؤكد قرب حدوث تقلص كبير في قدرات الولاياتالمتحدة، وهكذا استبعد هؤلاء قدرة روسيا على لعب الدور الذي يتيح العودة إلى عالم ثنائي القطبية، اعتبارا حسب رأيهم لفارق القوة الكبير، في كل المجالات، بينها وبين الغرب بزعامة الولاياتالمتحدة، واعتبارا للمشاكل الداخلية السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعانيها روسيا. طموح كبير المدافعون عن قدرة روسيا على منافسة الغرب بفعالية، يشيرون إلى أن الكرملين وضع مشاريع جد طموحة لتعزيز قدراته العسكرية، حيث دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخرا إلى تحديث القوات البرية بالجيش الروسي موضحا أنه يتعين أن يكون لديها تسعة ألوية من منظومات "اس - 300 " الصاروخية بحلول عام 2020. وقال الرئيس الروسي في اجتماع مخصص لتجهيز القوات البرية وقوات الإنزال الجوي: "يجب أن تجهز القوات البرية بعشرة ألوية من منظومة صواريخ إسكندر - إم وتسعة ألوية من منظومة اس - 300 ، واكثر 2300 دبابة وحوالي ألفي مدفع ذاتي الحركة، إضافة إلى 30 ألف ناقلة وعربة مختلفة". وأضاف بوتين "يجب التخطيط لاستخدام منظومات اتصال جديدة ومنظومات حديثة للاستكشاف والمعدات الشخصية للمقاتلين". وأشار إلى أن للقوات البرية وقوات الإنزال الجوي دور أساسي في تنفيذ العمليات الحربية الأرضية وكذلك حماية حدود الدولة وتسوية النزاعات المحلية، بالإضافة إلى عمليات حفظ السلام. كما ذكرت تقارير روسية ان موسكو تعتزم تخصيص حوالي 81 مليار دولار لتنفيذ الخطة بحلول عام 2020 موضحة أن تكلفة برنامج التسليح الأساسي للقوات المسلحة الروسية تبلغ حوالي 625 مليار دولار خلال ثمانية أعوام. البعض قد يرى أن الانفاق الروسي العسكري قليل مقارنة مع ذلك المسجل في الولايات المتخدة حيث بلغ 680 مليار دولار سنة 2010، غير أن هذه الارقام لا تنقل الحقيقة كاملة خاصة على ضوء أن تكلفة الاسلحة الروسية تصل في بعض الأحيان إلى عشر نظيرتها في الولاياتالمتحدة. زيادة على ذلك فإن روسيا تملك عناصر قوة ذاتية تفوق تلك التي في يد الولاياتالمتحدة خاصة في مجال الطاقة، ومن زاوية عناصر قوة الدولة، تتوفر روسيا على موارد هائلة لم تستغل بعد خاصة في سيبيريا ومنطقة القطب الشمالي، وستشكل إذا ما استغلت عاملا رئيسيا لجعلها واحدة من أغنى دول العالم. أما من الناحية الجيوسياسية، فروسيا الاتحادية في حقيقة أمرها هي قلب أوراسيا وجناحاها، وتصدق عليها النظرية الأوراسية، التي تعتبر واحدة من النظريات الجيوسياسية ذات المصداقية العالية. إذ تشكل القلب وتقترب جدا من قوس النفط وقوس الأزمات في آن واحد. البلاد الروسية عملاقة تكاد لا تغيب عنها الشمس وتتربع على أكثر من 17 مليون كلم مربع، ويقطن فيها حوالي 150 مليون نسمة منهم 76 في المئة مسيحيون و 12 في المئة مسلمون و 1 في المئة يهود و 1 في المئة بوذيون والنسب المئوية الأخرى من دون أديان سماوية. وهي ثاني أكبر دولة في العالم في الصادرات العسكرية 11 مليار دولار. وحسب إحصاءات مؤسسة معهد العالم لديها المخزون الأول في العالم في الغاز الطبيعي. تقلص القدرات الأمريكية بلغت ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية في عام 2013 المالي 614 مليار دولار مما يقل بمقدار مليارين عما هو عليه في العام المالي الجاري 2012. وجاء في مشروع الميزانية الذي قدم إلى الكونغرس ان حجم الميزانية العسكرية الاساسية بلغ 525 مليار دولار. اما العمليات الاضافية المنفذة خارج الولاياتالمتحدة فيخطط لتمويلها بمبلغ قدره 88 مليار دولار. يذكر ان البيت الابيض طلب لغرض تنفيذ العمليات الحربية خارج البلاد مبلغا يقل بكثير عما هو عليه في العام المالي الجاري علما ان عام 2012 المالي شهد تخصيص 115 مليار دولار لهذا الغرض. ويعود هذا الامر الى سحب القوات الامريكية من العراق والتخفيض من عدد افراد القوات المسلحة الامريكية في افغانستان. وقال ليون بانيتا وزيرالدفاع الامريكي معلقا على الميزانية العسكرية لعام 2013 المالي ان الولاياتالمتحدة تنوي تقليص تعداد القوات المسلحة بحلول عام 2017 بمقدار 100000 عسكري. وأوضح قائلا: "سيتم تقليص تعداد القوات المسلحة في عام 2017 ب 80 الف فرد ، اي من 570 ألف عسكري حاليا الى 490 ألف عسكري عام 2017. وسيتم تقليص فيلق مشاة البحرية من 202 ألف عسكري حاليا الى 182 ألف عسكري". وتنوي الولاياتالمتحدة انفاق 39.5 مليار دولار بغرض تمويل الأمن القومي مما يقل بنسبة 0.5 في المائة او 191 مليون دولار مما هو عليه في العام المالي الحالي. الحرب الباردة الجديدة قبل فترةة من عودة الرئيس بوتين إلى سدة الرئاسة في الكرملين، صدر كتاب "الحرب الباردة الجديدة .. كيف يهدد الكرملين الغرب" للكاتب والمحلل البريطاني ادوارد لوكاس عن دار بلومسبري للنشر، ويتناول عبر 384 صفحة عودة روسيا الي الساحة الدولية بقوة بعد سنوات المرض عقب انهيار الاتحاد السوفيتي. ويؤكد لوكاس أنه رغم انتهاء الحرب الباردة منذ تسعينات القرن الماضي عقب انهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومته وحيث باتت روسيا تعرف ب"الرجل المريض" في أوروبا خلال حقبة الرئيس الروسي بوريس يلتسين الباحث عن رضا الغرب إلا أن الوضع تغير كلية الأن. ويوضح المؤلف أن فلاديمير بوتين أستطاع بعد الوصول الي سدة الحكم عام 1999 أن يعيد للدب الروسي بريقه السياسي، ساعده كثيرا تضخم أسعار البترول والغاز لتزداد قوة روسيا الغنية بالطاقتين لتطل برأسها مجددا بقوة علي المسرح الدولي حيث باتت المغذي الأول لدول القارة العجوز وبات يمتلك ورقة ضغط قوية. وتابع أن ولاية بوتين رافقتها ارهاصات حرب باردة جديدة حيث رفعت روسيا رأسها المطأطأة من جديد وعارضت السياسة الغربية خاصة فيما يتعلق بتوسيع إطار الحلف الأطلسي وتهميش الدور الروسي فيما يخص شؤون العالم. وأضاف لوكاس أن فترة بوتين شهدت منعطفا جوهريا حيث عادت مركزية الدولة ومكنته زيادة أسعار مواد الطاقة ليس من تسدد ديون روسيا فقط وانما امتلاك احتياطي نقدي هائل استثمرته في المشاريع الأوروبية التي فتحت له ابواب كثيرة. ويقرع لوكاس ناقوس الخطر من "الحرب الباردة الجديدة" ويقول أخطأت اوروبا في التعامل مع العملاق الروسي النائم وعاملته كغيره من البلدان الصغيرة، وبالتالي منحته فرصة المبادرة في الحرب الجديدة حيث اختلفت المعطيات من سباق نووي الي تفوق روسي في امتلاك الطاقة ليخلص الي أن المواجهة الإيديولوجية بين روسيا والغرب قد غيرت من مظهرها، لكنها لم تنته وهذه المرة تبدو إرادة المقاومة في الغرب ضعيفة. روسيا لن تدخل سباق التسلح يسجل الملاحظون أنه رغم نجاح الكرملين في الشروع في إنهاء العالم احادي الأقطاب، يحرص الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين على عدم استخدام لغة الانذار والتصعيد في مواجهة التحديات الغربية إلا في الحالات الضرورية التي تصبح فيها مصالح بلاده مهددة بشكل مباشر ومؤثر، يوم الخميس 26 يوليو 2012 أكد الرجل الذي يصفه البعض في الغرب بقيصر روسيا الجديد إن "روسيا لا تنوي الدخول في سباق تسلح، لكن يجب ألا يشك أحد في فاعلية قدرتنا النووية ووسائل دفاعاتنا الجوية والفضائية". ونقلت وكالة "إنترفاكس" الروسية للأنباء عن بوتين قوله في كلمة أثناء اجتماع عقد، بشأن موضوع تنفيذ برنامج التسليح "فيما يخص السلاح النووي الذي لا يزال ضمانة مهمة لسيادة روسيا وسلامة أراضيها، فإنه يلعب دورًا محوريا في الحفاظ على التوازن والاستقرار العالمي والإقليمي". وأضاف أن كل الدول التي تمتلك السلاح النووي ووسائل الهجوم الجوي والفضائي تراهن على تطوير مكوناتها وتقوم بتصنيع منظومات القيادة وزيادة فاعلية وسائل الاستطلاع والرصد وجمع المعلومات. وأكد أن "منظومة الدفاع الجوي والفضائي يجب أن تظل في حالة التأهب الدائم، وأن تأخذ بالحسبان برامج تطوير وسائل الهجوم للعدو المحتمل وضمان التعاون الدقيق بين صنوف وأسلحة القوات". وأوضح الرئيس الروسي أن برنامج التسليح حتى عام 2020 يقضي بتشكيل القوات النووية الاستراتيجية وقوات الدفاع الجوي والفضائي اللازمة، مشيرًا إلى أنه تم رصد أموال ضرورية لتزويدها بالأسلحة والمعدات وتطويرها كما ونوعًا. وشدد على ضرورة تنفيذ كل الخطط والبرامج المرسومة في الموعد المحدد لها. ورأى بوتين، أن حصة الأسلحة الحديثة في القوات النووية الاستراتيجية الروسية يجب أن تبلغ بحلول عام 2020 نسبة 75 إلى 85 في المئة من ميزانيتها، أما تلك الحصة في قوات الدفاع الجوي والفضائي فيجب أن تصل إلى نسبة لا تقل عن 70 في المائة من مخصصات هذه المنظومة. مقابل هذه اللغة الدبلوماسية يشار إلى أنه في 4 مايو 2012 هدد رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية بأن بلاده قد تقوم بالسبق في توجيه الضربة لمنظومة الدرع الصاروخية، التي تقوم الولاياتالمتحدة، وحلف شمال الأطلسي "الناتو"، بإنشاءها في أوروبا "إذا شعرت بأنها في خطر". ونقلت وكالة "نوفوستي" للأنباء عن رئيس هيئة الأركان العامة، الجنرال نيكولاي ماكاروف، قوله إن "روسيا قد تستخدم ما تنشره في جنوبها وشمال غربها، من أسلحة ضاربة جديدة، بما فيها صواريخ اسكندر، الجاري نشرها في منطقة كالينينغراد، لتدمير منشآت الدفاع المضاد للصواريخ في أوروبا". وأشارت الوكالة الرسمية إلى أن وزير الدفاع الروسي، أناتولي سيرديوكوف، قال خلال مؤتمر دولي حول الدفاع المضاد للصواريخ في موسكو، "المباحثات بين روسيا والناتو بشأن مشروع الدرع الصاروخية الأمريكي، الذي يتضمن إنشاء شبكة مضادة للصواريخ في أوروبا، تسير إلى طريق مسدود". كما أكد رئيس أركان الجيش الروسي أن روسيا تحتاط لاحتمال أن يشكل "النظام الأوروبي للدفاع المضاد للصواريخ خطراً عليها، فتستعد لاتخاذ إجراءات زجرية.. ومنها زيادة حماية راجمات الصواريخ، وزيادة جاهزية السلاح الصاروخي للاستخدام". وكان رئيس هيئة الأركان الروسية قد حذر، في وقت سابق، من أن تطوير ونشر منظومة الدرع الصاروخية الأمريكية يستهدفان روسيا وليس أطرافا أخرى كما تدعي واشنطن. خسارة التحالفات في آسيا الوسطى إذا كانت غالبية من المحللين تقدر أن موسكو بقيادتها الحالية تسجل تقدما كبيرا في المنافسة أو المواجهة مع واشنطن، فإن البعض في روسيا وخارجها يرى أن سياسة بوتين مقصرة أو غير ناجحة. صحيفة "مير نوفوستيه" نشرت خلال شهر يوليو 2012 مقالة لرئيس أكاديمية القضايا الجيوسياسية الجنرال ليونيد إيفاشوف، انتقد فيها بشدة أداء القيادة الروسية، وخاصة تصرفاتها على الساحة الدولية. يرى إيفاشوف، على سبيل المثال، أن دور روسيا يتراجع باستمرار، وينحسر في الفضاء السوفيتي السابق، وذلك في مقابل اتساع نشط للنفوذين الأمريكي والصيني، الأمر الذي دفع حلفاء روسيا في رابطة الدول المستقلة للبحث عن أصدقاء جدد في الشرق والغرب. ويقول إيفاشوف: نحن بحاجة لتحديد موقفنا، وما الذي نريده بالضبط، فروسيا تتعرض للضغوط من جميع الجهات، وكنتيجة لذلك أصبحنا نعاني من عزلة تزداد عمقا يوما بعد يوم. كما أننا نستنزف مقدراتنا وثرواتنا دون أن يكون لدينا أي خطط للتحديث والتطوير، وبالتالي فإن النهج الذي نسير عليه أثبت عدم نجاعته ولا يمكن للآخرين الاقتداء به. أضف إلى ذلك السلوك الخاطئ لزعمائنا وهو سلوك يتسم بالغرور والعنجهية. وقد ولّد مشاعر بالنفور من جانب قادة جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق. فنحن لا نقدم أية مقترحات لتطوير العلاقات. ودائما نشترط الحصول على مكاسب". ولدى تطرقه إلى المشاكل التي تواجهها روسيا على الصعيد الاستراتيجي، يؤكد إيفاشوف أن روسيا بحاجة ماسة إلى قواعد عسكرية خارج حدودها، لكي تضمن الحفاظ على مصالحها السياسية والعسكرية والاقتصادية. وأشار إلى أنه في مقدمة هذه القواعد قاعدة طرطوس البحرية، ذلك أن روسيا إذا ما اضطرت للخروج من طرطوس، فلن يتبقى لسفنها مكان تلجأ إليه عند الضرورة للتزود بالوقود، وللترويح عن الطواقم إلخ.. وذكر أن كل المعطيات تشير إلى أن المحافظة على هذه القاعدة، ستكون غاية في الصعوبة لأن أجهزة الاستخبارات الأمريكية، تعمل بنشاط لإسقاط الأسد قبل حلول موعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2012، وهم ينفقون في سبيل ذلك مبالغ مالية طائلة. وأشار إيفاشوف كذلك، إلى وجود توظيف كامل لأجهزة الاستخبارات في هذا الاتجاه، بينما تتصرف روسيا بتثاقل بالغ. وقال: "نحن من جانبنا لا نقدم مقترحات للتسوية في سوريا، ونكتفي بانتقاد المقترحات والمبادرات الأمريكية. إن ما يبغي على روسيا فعله هو تقديم مقترح مقبول، يستند إلى الظروف الجيوسياسية القائمة، لكن المشكلة تكمن في أن الساسة الروس يقدمون مصالحهم الشخصية ومصالح شركاتهم وعائلاتهم وحاشيتهم على مصالح البلاد. لذلك فهم لا يرغبون بتحمل أية مسئوليات". وذكر الخبير العسكري الروسي أن الأمور تسير نحو الانهيار التام، ولذلك لا ترغب دول مثل قرغيزستان وطاجيكستان، بالتقارب مع روسيا، حتى تكونان جزءا من المنظومة المنهارة، وتفضل البحث عن شركاء آخرين يمكن الركون إليهم أكثر. مرحلة من الاضطرابات المؤلمة يقدر البعض أن الرئيس الروسي ربما رد مسبقا على انتقادات الجنرال ليونيد إيفاشوف وغيره، ففي استراتيجيته، التي تتجاوز مجرد إعلان نوايا انتخابية أي خلال حملته الانتخابية الأخيرة، كتب بوتين: "إن العالم على وشك الدخول في مرحلة من الاضطرابات ستكون مؤلمة وطويلة". وحسب محلل فإنه لهذا وبلهجة تقطع الشك باليقين يؤكد بوتين على أن لا انصياع لروسيا وراء الأوهام حيث ينهار نظام القطب الواحد الذي لم يستطع إقامة الاستقرار العالمي فيما مراكز التأثير الجديدة ليست مستعدة بعد للقيام بذلك، أي أننا أمام مرحلة طويلة من المواجهة مع النظام القطب الواحد ريثما يتم تبلور قوى التأثير، وبالتالي النظام الجديد. يتراجع الأمريكيون عادة عندما لا تكون فرص نجاحهم سريعة ومؤكدة. وهم يعرفون حجم تراجع اقتصادهم وعدم تأثير قوتهم العسكرية بعد فقدان هيبتها باستعمالها. صحيح أن بوتين يدرك أن الواقع لم يعد فيه تراجع، إلا أنه يدعو الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والدول الثماني الكبار ومجموعة العشرين لوقف احتمال ارتفاع الاحتقان الاجتماعي والتوتر الإثني وظهور قوى مدمرة تعلن عن نفسها بشكل عدائي وفي نهاية الأمر ستشكل خطرا على أمن جميع شعوب العالم، وهي إشارة واضحة إلى رفض التيارات الدينية في مواقع القرار وفي الجماعات المسلحة المنفلتة عن منظومة الدولة، وهي التي يعلن بوتين بوضوح أنها حلفاء لتلك الدول التي تحاول تصدير الديموقراطية عن طريق القوة والأساليب العسكرية حسب تعبيره الحرفي "ما يعني أن لا هوادة في مواجهة موسكو لتلك التيارات السياسية ولتلك المجموعات المسلحة، حيث تبدو روسيا طرفاً أساسياً في الحرب ضدها. وينتهي الرئيس الروسي في هذا المقام إلى أن انتهاك القانون الدولي لم يعد مبرراً ولا حتى سيادة الدول حتى ولو كانت الأهداف تحمل نوايا حسنة ما يعني أن محاولة أمريكا وفرنسا وبريطانيا لاستبدال مبدأ السيادة بمبدأ التدخل الإنساني هو في سلم ما يرفضه الروس وما هم مستعدون لمواجهته. هل الحرب حتمية؟ جاء في تحليل "لمركز الراي للدراسات" عن المسار المنتظر لروسيا من أجل تحقيق التوازن الدولي الذي من شأنه أن يحمي دول العالم الثالث من إملاءات البيت الأبيض، أن العملية لن تنتهي بالسرعة التي يتصورها أو يأملها البعض ولا بالشكل المثالي بالضرورة: "أن شخصية فلادمير بوتين أصبحت عابرة للعديد من المراحل الزمنية وعابرة للعديد من المناصب الإدارية العليا ابتداءاً من قيادة جهاز الأمن الروسي "كي جي بي" المسمى حالياً ب "اف سي بي" ومروراً بالرئاسة الروسية لجولتين متتاليتين مدتهما الزمنية 8 سنوات ثم برئاسة الوزراء ثم الشروع بالعودة لاستلام زمام السلطة من جديد بعد الطلب من الرئيس دميتري ميدفيديف وبعد اتفاق مسبق معه بفتح الطريق أمامه وبعدم تكراره لنفسه، الأمر الذي سيؤشر على احتمال قوي لبقاء بوتين في الحكم 12 عاماً إلى الأمام بعد ترتيب موسكو للفترة الرئاسية الواحدة ب 6 سنوات بدلاً من 4 سنوات بهدف الاستفادة من قدرة بوتين على الاستمرار في قيادة روسيا لأطول فترة ممكنة حتى يتم استنساخ بوتين ثاني جديد في المستقبل. قيادة بوتين لبلاده روسيا ستفوق الفترة الزمنية التي قاد فيها ليونيد بريجنيف الاتحاد السوفييتي. لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هو هل سيتفاهم بوتين صاحب العيون الحمراء مع أمريكا والغرب لتقاسم النفوذ في العالم دون صراع دام أم انه لا مفر من المواجهة؟. يوم الاثنين 7 مايو 2012 وعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد أدائه اليمين الدستورية رئيسا للبلاد، بمرحلة جديدة من التطور معتبرا خلال حفل تنصيبه أن ولايته الجديدة الممتدة على ست سنوات، ستحدد مصير البلاد "لعقود". وقال بوتين: "اليوم ندخل في مرحلة جديدة من التطور الوطني، سيكون علينا تولي مهمات بأبعاد ومستويات جديدة". وتابع بوتين أمام حوالى ثلاثة آلاف شخص دعوا إلى القصر الكبير في الكرملين لحضور حفل التنصيب أن "السنوات المقبلة ستكون حاسمة لمصير روسيا للعقود المقبلة، وعلينا أن ندرك أن حياة أجيال المستقبل والآفاق التاريخية لدولتنا وأمتنا هي رهن بنا". العدو الجيوسياسي الأول للولايات المتحدة إذا كان قادة الكرملين الحاليين لا يجاهرون بأن الولاياتالمتحدة هي عدوهم تماما كما يفعل ساسة البيت الأبيض حاليا وفي مقدمتهم الرئيس أوباما، فإن هناك لدى الطرفين سياسيون ومخططون يجاهرون بالعكس ويتحدثون علنا عن المواجهة والحرب القادمة. خلال الثلث الأخير من شهر يوليو 2012 أعلن المرشح عن الحزب الجمهوري للانتخابات الأمريكية الرئاسية ميت رومني، أثناء زيارته إلى لندن أن روسيا هي "العدو الجيوسياسي الأول لأمريكا"، مضيفا، ان روسيا تواصل دعمها لسوريا ولإيران ووقفت بوجه الولاياتالمتحدة عندما اردنا فرض عقوبات قاسية على طهران. وأكد رومني، ان "روسيا ليست دولة صديقة للولايات المتحدة في الحلبة الدولية ما يجعل تصريحات الرئيس أوباما حول مرونته الموعودة تجاه الروس مثيرة للقلق"، مؤكدا، بدون شك "روسيا هي العدو الجيوسياسي الأول للولايات المتحدة". وكتبت صحيفة "تيليغراف" البريطانية أن تصريح رومني بشأن روسيا جاء ردا على إعلان الرئيس باراك أوباما، ابلاغ نظيره الروسي دميتري ميدفيديف قبل أشهر أنه بعد إعادة انتخابه سيكون "أكثر مرونة". سقوط الإمبراطوريات المؤرخ الأمريكي بول كيندي في كتابه "صعود وسقوط القوى العظمى" الذي نشر عام 1987، تنبأ فيه بسقوط الإمبراطورية الأمريكية بالمعنى التاريخي للكلمة الذي هو المصير الحتمي لأي إمبراطورية، بما يعني اضمحلال قوتها تدريجيا نتيجة عوامل داخلية بنيوية من ناحية، ونظراً لصعود قوى عظمى منافسة مثل الصين والهند والبرازيل. الملفت أنه إذا نظرنا إلى عنوان كتاب بول كينيدي، نجد أن مؤلفه أراد أن يعطي لنفسه مجالا تاريخيا واسعا لاختبار أطروحته الرئيسية، والتي مفادها أنه إذا زادت الالتزامات الإستراتيجية للدولة العظمى عن إمكاناتها الاقتصادية فإنها تسقط، بالمعنى التاريخي للكلمة، بمعنى الاضمحلال التدريجي لقوتها. وقد دلل كينيدي على صدق مقولته حين اختبرها على تواريخ إمبراطوريات عديدة سبق لها في عصور شتى أن صعدت صعودا بارزا، ومارست هيمنتها على العالم، ثم ما لبثت أن لحقتها من بعد عوامل التفكك. غير أن كينيدي، في تحديد الفترة الزمنية لبحثه إبتداء من عام 500 ولسنوات بعد صدور مؤلفه يكون في الواقع قد تحول، بوعي من كونه مؤرخا مقتدرا يتقن التعامل مع الحقيقة التاريخية، باحثاً مستقبليا أراد أن يمد بصر استشرافه لكي يتحدث عن خمسة عشر عاما تلت انتهاءه من كتابه. وأهمية هذا المسلك أنه يسمح له بأن يستخلص من خيوط التفاعلات الدولية المتشابكة تنبؤا باضمحلال القوة الأمريكية في العقود التالية، وهو التنبؤ الذي أثار عليه الدوائر الرسمية في واشنطن. ولم يكن هذا غريبا، فهو مؤرخ معترف به، يحترف تدريس التاريخ في جامعة ييل العريقة، يفاجئ زعماء الإدارة الأمريكية بأن القوة العظمى المهيمنة للولايات المتحدة إلى زوال. إذا كان بول كينيدي قد توقع انهيار الولاياتالمتحدة، فإن كتاب «عالم ما بعد أمريكا» الصادر في 2008، وهو من تأليف فريد زكريا، وهو مسلم أمريكي من أصل هندي، ويعمل مسؤولا عن ملف الشؤون الخارجية في مجلة نيوزويك إنترناشيونال، أقل تشاؤما. ينتقد الكاتب سلوك أمريكا وتوجهاتها وينبه إلى أن الأفق العالمي واعد بصعود قوى جديدة تتخذ لنفسها مكانا ومكانة في ساحة العالم، وأن الساحة العالمية ستتسع لأكثر من منافس، ويحلل دور أمريكا في العالم اليوم، ولكنه لا يتنبأ بسقوط المكانة الأمريكية. ويؤكد المؤلف في بداية كتابه، أنه لا يتحدث عن نهاية أمريكا، وإنما عن بداية القوى الأخرى في العالم، بقوله: طال العهد بأمريكا وهي في موقع القوة الأعظم. [email protected]