مرة أخرى تنزع واشنطن خاصة من أيدي مؤيديها المحليين في المنطقة العربية ذلك الستار الذي يحاولون به إخفاء وجه وسياسة الولاياتالمتحدة الحقيقية المعادية للقضايا العربية، كما نجح الرئيس الأمريكي أوباما في نفس الوقت في تسفيه هؤلاء الذين يسعون لتصوير الولاياتالمتحدة كمدافع عن الحرية والديمقراطية، وكمثال يجب إتباعه. يوم الأربعاء 21 سبتمبر أعلن الرئيس الأمريكي في خطابه في الأممالمتحدة، معارضة إدارته لتوجه الفلسطينيين إلى مجلس الأمن للحصول على عضوية كاملة في الأممالمتحدة، مؤكدا موقف إدارته الداعي إلى مواصلة المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بدلا من التوجه إلى مجلس الأمن. وأكد اوباما في خطابه حرص الولاياتالمتحدة على مساندة وحماية إسرائيل، وأعطى من خلال خطابه شرعية للاحتلال الإسرائيلي. وقال الرئيس الأمريكي مخاطبا الجمع العام للأمم المتحدة «كونوا مدركين أيضا أن التزام أمريكا بأمن إسرائيل لا يتزعزع وصداقتنا مع إسرائيل عميقة ودائمة. ولهذا نحن نرى أن أي سلام دائم يجب أن يعترف بهواجس الأمن الحقيقية فعلا التي تراود إسرائيل في كل يوم. ولنكن صادقين مع أنفسنا من حيث إن إسرائيل محاطة بجيران شنوا حروبا متكررة ضدها. وقتل مواطنون إسرائيليون بفعل صواريخ أطلقت على منازلهم وقنابل انتحارية في حافلاتهم. وقد نشأ أطفال إسرائيل وهم يعون أن في جميع أنحاء المنطقة هناك أطفال غيرهم يتعلمون كيف يكرهونهم. وإسرائيل، تلك الدولة الصغيرة التي يقل سكانها عن 8 ملايين نسمة، تطل على عالم حيث قادة بلدان أكبر منها بكثير يهددون بإزالتها من الخريطة. والشعب اليهودي يحمل عبء قرون من النفي والاضطهاد وفي خلده ذكريات حية بأن ستة ملايين شخص قتلوا بسبب هويتهم فقط. وتلك هي حقائق، بل حقائق لا يمكن إنكارها». «لقد أقام الشعب اليهودي دولة ناجحة في وطنه التاريخي. وإسرائيل جديرة بالاعتراف، وهي جديرة بعلاقات طبيعية مع جاراتها. وأصدقاء الفلسطينيين لا يخدمونهم بإنكارهم هذه الحقيقة. الحضن الأمريكي مباشرة بعد كلمة أوباما الذي كان قد أكد مرارا أن الولاياتالمتحدة ستستخدم حق الفيتو في مجلس الأمن لرفض مسعى شعب يحاول أن يستعيد جزء من حقوقه المهضومة منذ أكثر من 63 سنة هللت تل أبيب لمواقف واشنطن. يوم الخميس 22 سبتمبر نقلت صحيفة يديعوت العبرية عن رون ديرمر، المستشار السياسي لنتنياهو اقتباسه عن محلل يهودي أمريكي قال: إنه لم يسبق أبدا أن ألقي خطاب مؤيد لإسرائيل بهذا القدر من على منصة الأممالمتحدة. فاوباما لم يتبن فقط كل الحجج الإسرائيلية ضد الاعتراف بدولة فلسطينية من خلال الأممالمتحدة، بل وتبنى الرواية الإسرائيلية الأساس: إسرائيل هي دولة صغيرة، محاطة بالأعداء الذين يسعون إلى إبادتها، أبناؤها يعيشون خطرا على الحياة كل يوم، جيرانها يربون أطفالهم على الكراهية، إضافة إلى التهديدات من جيرانها فإنها تعيش في خطر وجودي، سكانها يحملون على ظهرهم عبء الاف السنين من القمع والمنفى وأكثر منها، عبء الكارثة. وتضيف معاريف: الكثير مر على اوباما منذ خطاب القاهرة في 2009، حين وصف بكلمات مشابهة جدا المعاناة المريرة للفلسطينيين. الكثير مر عليه أيضا منذ خطابيه من شهر مايو 2011 ذاك الذي حدد خطوطا لإقامة دولة فلسطين والخطاب التالي، بعد يومين من ذلك، والذي وازن فيه الانطباع. ما مر عليه لم يكن توبة بل وليس تغييرا لمذهب فكري في أعقاب تغييرات خارجية. فاوباما هو سياسي يسعى إلى إعادة انتخابه. وستجرى الانتخابات في نوفمبر عام 2012، وحسب الوضع في هذه اللحظة، ستكون متلاصقة إن لم يكن أسوأ من ذلك من ناحية اوباما، والموضوع الإسرائيلي سيلعب فيها دورا. هذا هو الزمن الذي تخلي فيه سياسة الخارجية المكان للسياسة الداخلية. فلسطين «اوت» مطرودة. الناخبون اليهود في امريكا «إن» مرحبا بكم. في الماضي، عندما اضطرت الولاياتالمتحدة إلى استخدام الفيتو في مجلس الأمن ضد مشروع قرار مناهض لإسرائيل اجتهد من تحدث بإسمها على موازنة الخطوة بتعابير الفهم من الطرف الآخر، العربي. ليس في هذا الخطاب. لا غرو أن أبو مازن الذي جلس في القاعة أثناء الخطاب أمسك برأسه، يكاد لا يصدق، يكاد ييأس». وكتب ناحوم بارنيا وشمعون شيفر موفدا صحيفة يديعوت احرونوت الإسرائيلية إلى نيويورك بان «الخطاب سبب فرحة كبيرة لدى الوفد الإسرائيلي في الأممالمتحدة وهذا الفرح مبرر». واضاف الرجلان «أيد اوباما كافة الحجج الإسرائيلية المعارضة لضم دولة فلسطينية في الأممالمتحدة كما وتبنى الرواية الإسرائيلية. من ناحيتها وضعت صحيفة «معاريف» صورة للمصافحة الحارة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واوباما في صدر صفحتها الأولى، وكتبت تحتها «الحضن الامريكي». وأعربت صحيفة «جيروزاليم بوست» اليمينية الناطقة بالانكليزية عن رضاها عن الخطاب قائلة «ان اوباما اخيرا اخبر الإسرائيليين بما أملوا سماعه» مضيفة «استغرق الأمر 34 شهرا ولكن في النهاية سمعت إسرائيل الخطاب الذي تتوقعه من رئيس امريكي». وعنونت صحيفة اسرائيل هايوم المجانية والمقربة من نتنياهو عددها ب»الرضا لدى وفد رئيس الوزراء». وقال الكاتب الصحفى الإسرائيلي المعروف بصحيفة «معاريف» الإسرائيلية «إيتان هابر» خلال مقال له تحت عنوان ساخر «كانت تنقص المشهد صورة هرتزل فقط مؤسس الحركة الصهيونية، لكي يثبت صهيونيته التي ظهرت بوضوح من خلال خطابه»، مضيفا «خلال إلقاء أوباما الخطاب توهمت أنه ينسخ كلمات وفقرات من خطاب نتنياهو أمام الكونغرس منذ حوالى أكثر من شهر». وفى السياق نفسه نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية جملا طويلة من خطاب أوباما، ووصفتها بأنها تبدو كإنها وصلت عن طريق الفاكس من مكتب نتنياهو. خطابات تمويه ما لم يقله محللون في الغرب وإسرائيل خاصة أن خطب أوباما في القاهرة أو بعدها عن الفلسطينيين لم تكن أكثر من تمويه من بين أهدافه تمهيد الأرضية لتمرير مشروع الشرق الأوسط الكبير وتقسيم دول المنطقة إلى ما بين 54 و 56 دويلة متنازعة، ففي ذلك الضمان الوحيد لإستمرار وجود الكيان الفلسطيني ووضع كل المنطقة العربية تحت رحمة الأطماع الإقتصادية للغرب. لعل خطاب أوباما ومواقفه تذكر الأمة الممتدة من الخليج العربي حتى المحيط الأطلسي أن أمريكا التي قتلت مليون ونصف مليون عراقي وأكثر من 450 ألف مدني أفغاني منذ غزوها لهذين البلدين في القرن الحادي والعشرين، لا يمكن إلا أن تكون في الزمن الحالي نفس تلك القوة الإستعمارية التي أباد مستوطنوها 50 مليون من سكان شمال القارة الأمريكية الذين سمتهم الهنود الحمر. يهود الفلاشا يوم الخميس 22 سبتمبر نقلت وكالة فرانس برس عن مصطفى البرغوثي أمين عام المبادرة الوطنية الفلسطينية قوله «اوباما من خلال خطابه وضع نفسه والادارة الامريكية في مواجهة مع الشعب الفلسطيني، لأن أي طرف يساند اسرائيل في استمرار احتلالها للاراضي الفلسطينية يتعارض تلقائيا مع الشعب الفلسطيني». الرئيس الامريكي «وضع نفسه في مواجهة مع العالم لأن خطابه في الامم المتحدة لم يجد تأييدا واسعا من قبل الدول الاعضاء». وأكد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صالح رأفت من جانبه «يجب ان تخرج الشعوب العربية لتقول لا لاوباما ونعم لفلسطين عضوا في الامم المتحدة». «لقد فاوضنا عشرين عاما حتى وصلنا الى طريق مسدود بفعل سلطات الاحتلال». وقال صبري صيدم، القيادي في حركة فتح «الرئيس الامريكي تغنى بالديموقراطية التي جرت في الدول العربية، ولكنه امتنع عن السماح بها للشعب الفلسطيني لكي يتحرر من الاحتلال، بل واعطى من خلال خطابه شرعية للاحتلال الاسرائيلي». واضاف « تأذى الشعب الفلسطيني كثيرا من خطاب أوباما، خاصة وانه برر وجود الاحتلال، وفي الوقت نفسه أثبت بان امريكا لا يمكن لها ان تكون راعيا محايدا لعملية السلام، وهذا ما يحتم على القيادة الفلسطينية استمرار تمسكها بالتوجه الى الامم المتحدة للمطالبة بالحق الفلسطيني». وقال نمر عطية، الذي يعمل مديرا عاما في السلطة الفلسطينية «امريكا ساندت ما سمي بالثورات العربية ليس لأنها تؤيد الديموقراطية كما تدعي، إنما لان مصالحها الخاصة تقتضي مساندة هذه التحركات». وحمل وكيل وزارة الاعلام في السلطة الفلسطينية الكاتب المتوكل طه بشدة على سيد البيت الأبيض قائلا «خطاب اوباما أشعرني وكأنه من اليهود الفلاشا يعيش في مستوطنة إسرائيلية او غيتو هو الكونغرس الامريكي». واضاف المتوكل «42 فيتو استخدمتها الولاياتالمتحدة حتى الآن لمساندة إسرائيل، وهذا ما مكن اسرائيل من مواصلة عنصريتها ضد الشعب الفلسطيني». وأضاف «خطاب اوباما كشف عورة امريكا التي تدعي انها مع الثورات العربية، وذكرني بسياسة الابادة الجماعية ضد الهنود الحمر، والقنابل النووية التي القتها امريكا على اليابان». واضاف «اوباما في خطابه اثبت انه لا يزال يحمل هذه الثقافة، ثقافة الموت والابادة الجماعية، وهذا النوع من الخطاب سيعرض المصالح الامريكية للخطر في المنطقة». واختتم حديثه بالقول «لا أعتقد ان تمثال الحرية الموجود على الأراضي الامريكية يستحق ان يبقى على اراضيها». من ناحيته وصف المحلل السياسي طلال عوكل في مقال نشر في صحيفة الأيام خطاب اوباما «بالتلمودي». واشار الى انه ذهب في خطابه الى حد «الانصياع والانقياد الكامل للسياسات والروايات والرغبات الاسرائيلية. فهو وضع اليهود والاسرائيليين في خانة الضحايا الذين يقدمون الكثير بسبب كراهية المحيط لهم وبسبب الحروب التي شنتها الدول العربية عليهم أما معاناة الفلسطينيين فلم يرد شيء عنها». واعتبر المحلل خالد عبد الرحمن في مقال في صحيفة الحياة الجديدة ان اوباما «اتحف البشرية» في خطابه «المتناقض 100 في المائة مع ما جاء في خطابه عام الماضي 2010 كان خطاب الرئيس أسود من القطران على الشعب الفلسطيني لأن هاجسه في الاساس كان ضمان اصوات اليهود والدعم المالي والاعلامي للايباك» لجنة الشؤون العامة الاسرائيلية الامريكية. الولاية 51 للتأكيد على المقولات المترددة منذ عقود عن أن لإسرائيل هي الولاية 51 للولايات المتحدة، اقترح سناتور امريكي يوم الاربعاء 21 سبتمبر مشروع قانون يحد من التمويل الامريكي للامم المتحدة في حال قبول مجلس الأمن او الجمعية العامة طلب عضوية دولة فلسطينية. وصرح السناتور اورين هاتش في بيان «ليعلم الجميع ان محاولات زعزعة أمن اصدقاء وحلفاء الولاياتالمتحدة ستنطوي على عواقب». وقال هاتش ان «التصويت يهدد أمن اسرائيل وهذا التشريع سيحول اذا غيرت الامم المتحدة الوضع الحالي لدولة فلسطين، دون تحويل اموال أمريكية إلى المنظمة الدولية التي هي بحاجة ماسة اليها». وأضاف ان «أي تحسين لوضع فلسطين» في الأممالمتحدة يمكن ان يعزز قدرة الفلسطينيين على «التاثير على منظمات مرتبطة بالامم المتحدة مثل المحكمة الجنائية الدولية». واذا حصل الفلسطينيون على قبول طلبهم لدولة عضو بصفة مراقب، فسيكون بامكانهم عندها الانضمام الى منظمات دولية مثل المحكمة الجنائية في لاهاي ومجلس الامم المتحدة لحقوق الانسان. في نفس الوقت حذر نائبان امريكيان في مقالة نشرتها يوم الخميس 22 سبتمبر صحيفة «نيويورك دايلي نيوز» من أن طلب الفلسطينيين من شأنه ان «يعرض للخطر» العلاقات بينهم وبين الولاياتالمتحدة ما قد ينعكس سلبا على المساعدات. واتهم العضوان في مجلس النواب وهما المسؤول الثاني في الاكثرية الجمهورية اريك كانتور والمسؤول الثاني في الاقلية الديموقراطية ستيني هوير الرئيس محمود عباس بازدراء استئناف المفاوضات المباشرة مع اسرائيل، مفضلا الخوض في «مواجهة دبلوماسية». وكتب النائبان في مقالتهما ان «عباس لم يعرض للخطر فقط علاقات السلطة الفلسطينية مع الولاياتالمتحدة بل اساء ايضا الى آمال شعبه»، وشددا على الموقف المشترك للجمهوريين والديموقراطيين في الكونغرس حول هذه المسألة. واضافا ان «الكونغرس لن يبقى مكتوف الايدي. وستعيد الولاياتالمتحدة بالتأكيد النظر في برامجها المخصصة لمساعدة الفلسطينيين وفي عدد من الجوانب الاخرى من هذه العلاقة اذا ما اصر الفلسطينيون على المطالبة باجراء تصويت للاعتراف بدولتهم». وكتب النائبان «ندعو عباس الى التخلي عن طريق المواجهة الدبلوماسية في الامم المتحدة واستئناف المفاوضات فورا مع اسرائيل». وخلصا الى القول ان «المفاوضات المباشرة مع اسرائيل هي الوسيلة الوحيدة للتوصل الى سلام حقيقي دائم». فصل عنصري يوم الخميس 22 سبتمبر صرح الرئيس الجنوب افريقي جاكوب زوما خلال اجتماع للامم المتحدة ان العنصرية ما زالت «وبالا» على العالم، وهو اجتماع قاطعته الولاياتالمتحدة وبلدان غربية اخرى خشية تحوله الى ميدان للهجوم على إسرائيل. وتحدث زوما امام قمة بمناسبة مرور عشر سنوات على أول مؤتمر تعقده الامم المتحدة حول العنصرية جرى في مدينة دوربان بجنوب افريقيا، وانتهى انذاك بجدل ومشادات. واشاد زوما بالجمعية العامة للامم المتحدة لعقدها القمة الجديدة مشيرا الى احراز تقدم ولكنه اضاف ان «العنصرية والتمييز العرقي ما زالا يشكلان تحديا للانسانية اليوم ونحتاج لجهد جماعي لتخليص العالم من هذا الوبال». ورغم غياب اي ممثل للوفد الامريكي، تحدثت سارا وايت من مركز عمال ميسيسيبي لحقوق الانسان عن مصانع في ولاية مسيسيبي بجنوب الولاياتالمتحدة قالت ان السود فيها «يجبرون على العمل في ظروف اشبه بالرق». ووصفت المجموعات المؤيدة لاسرائيل قمة مناهضة العنصرية بأنها «كرنفال للكراهية». ومؤخرا شبه المفكر الفلسطيني مصطفى البرغوثي نضاله بالنضال ضد الفصل العنصري. وقال «اولا نتوجه الى الناس ثم الى البرلمانات وبعد ذلك الى الحكومات». واضاف ان «الولاياتالمتحدة ستكون اخر من يغير رايه» مذكرا بان نلسون مانديلا اصبح بطلا لدى الكثير من الاميركيين قبل ان تسحب الولاياتالمتحدة المؤتمر الوطني الافريقي من قائمة المنظمات الارهابية بوقت طويل. تقاسم الأدوار في عملية لتقاسم الأدوار بين باريس وواشنطن وبهدف إفشال المسعى الفلسطيني اقترح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يوم الاربعاء 22 سبتمبر منح فلسطين وضع «دولة بصفة مراقب» في الامم المتحدة كمرحلة انتقالية. وبعد ستة ايام على زيارته الى ليبيا حيث كانت فرنسا الى جانب بريطانيا في مقدمة الدول التي تدخلت عسكريا للاطاحة بنظام القذافي، حاول ساركوزي أن يقدم نفسه كمنقذ لعملية التسوية الفلسطينية الإسرائيلية المعطلة بشكل كامل منذ اشهر. وبحسب الرئيس الفرنسي فإنه على القادة الفلسطينيين «التأكيد على حق اسرائيل بالوجود والأمن» والتعهد «بعدم استخدام الوضع الجديد للقيام باعمال لا تتوافق مع استمرار المفاوضات» مثل ملاحقة مسؤولين اسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة إرتكاب جرائم حرب. ورقة المعونات ساركوزي عرض اقتراحا اخر كان سبق أن أشار إليه عدة مرات في الأشهر الماضية لكن بدون نتيجة، وهو تنظيم مؤتمر للمانحين في باريس «اعتبارا من هذا الخريف» لكي يتمكن الفلسطينيون «من إتمام بناء دولتهم المستقبلية». في المقابل لم يعلق الرئيس الأمريكي باراك ردا على اسئلة الصحافيين على الاقتراحات الفرنسية وذلك خلال لقائه ساركوزي في نيويورك، ولكنه اشاد بشراكة بلاده مع فرنسا في ملفي ليبيا وساحل العاج. وردا على سؤال وجهته له صحافية حول رأيه في إقتراح الرئيس الفرنسي اكتفى اوباما بالقول باللغة الفرنسية «صباح الخير». وردا على نفس السؤال من صحافية أخرى قال اوباما بالانكليزية «لا تعليق». في نفس نطاق تقاسم الأدوار ذكرت صحيفة «ذي غارديان» البريطانية في تقرير من مراسلها في نيويورك كريس ماكغريل ان الرباعية الدولية المعنية بالسلام في الشرق الاوسط اقترحت ان يقدم الرئيس الفلسطيني محمود عباس طلب العضوية لدولة فلسطينية مستقلة الى مجلس الأمن الدولي ولكن مع ارجاء المجلس اتخاذ اي خطوة عملية نحو منح العضوية ريثما تجرى جولة مفاوضات سلام جديدة، وفق جدول زمني محدد، بين اسرائيل والفلسطينيين. وتدفع بهذه الصفقة «رباعية» الشرق الاوسط، المؤلفة من الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي والولاياتالمتحدة وروسيا. وذكر دبلوماسيون أن الحل الوسط يقضي بأن يقدم عباس رسالته الى مجلس الأمن الذي سيعلن عندئذ ارجاء القيام بعمل بشأنها. وبالتوازي مع ذلك تصدر الرباعية الاطار الخاص بالمفاوضات الجديدة الذي سيتضمن جدولاً زمنياً لميلاد دولة فلسطينية. والقصد من الصفقة المقترحة حسب «الغارديان» هو السماح لعباس بالوفاء بالتزامه للفلسطينيين بالسعي الى طلب الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة في مجلس الأمن، وهو تعهد لا يمكنه التخلي عنه كلياً من التعرض لمزيد من الضرر الكبير لزعامته. وإذا أثمرت الاقتراحات التي تناقش الآن، فسيكون بإمكان عباس إعلان النصر للفلسطينيين من خلال قوله إنه حقق هدفه الاساسي من الذهاب إلى الأممالمتحدة الا وهو كسر الجمود الذي لم يشهد أي تحرك جاد نحو دولة فلسطينية منذ سنوات. غير أن دبلوماسيين حذروا بأن قضايا عدة ما تزال من دون حل، بما في ذلك الطلب الفلسطيني بأن يشتمل البيان على شرط بأن توقف اسرائيل البناء الاستيطاني في الأراضي المحتلة. يذكر أن الرئيس عباس صرح لصحيفة «النهار» اللبنانية بأنه «لا يسعى الى مواجهة» مع الولاياتالمتحدة أو أي دولة أخرى في تقديمه المقرر لطلب انضمام دولة فلسطين كدولة كاملة العضوية الى الأممالمتحدة. لكننا نريد دولتنا»، أنه «من حق الشعب الفلسطيني أن تكون له دولة معترف بها في المجتمع الدولي. هذا حقنا القانوني ونريده لرفع المعاناة الطويلة عن شعبنا. نحن نطالب بحقوق الشعب الفلسطيني لدى المجتمع الدولي». فكرة توحي بأنها جيدة يوم 23 سبتمبر رفضت اسرائيل رسميا الاقتراح الفرنسي وقال يغال بالمور المتحدث باسم وزارة الخارجية لوكالة فرانس برس «انها توحي بانها فكرة جيدة ولكنها ليست كذلك لانه من المستحيل تجاوز المراحل عبر إعطاء الفلسطينيين دولة مهما كانت تسميتها. لا يمكن ان تقوم دولة فلسطينية بدون اتفاق مع اسرائيل». واضاف «في هذا الموضوع لا نستطيع ان نتعامل كأن اسرائيل غير موجودة». ومن ناحيته أعرب أمين سر الحكومة الإسرائيلية تسفي هاوزر أحد المقربين من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن معارضته لمبادرة باريس. وذكر هاوز من نيويورك لاذاعة الجيش «بالنسبة لإسرائيل فان اقامة دولة فلسطينية لا يمكن ان ياتي الا مع نهاية الصراع وتلبيى كافة المطالب ولكن هناك مقاربة اخرى تعتبر الدولة الفلسطينية كشرط للمفاوضات ومنطلقا للمطالب». واضاف «انه من المستحيل ان تكون هناك دولة فلسطينية هكذا ومن هنا يجب ان نبدأ بالتفاوض». ويتمتع الفلسطينيون حاليا بوضع «كيان مراقب في الأممالمتحدة». سيف معلق الولاياتالمتحدة وإسرائيل وتوابعهما يخشون من بين عدة أشياء أن يمنح مسعى الفلسطينيين في الامم المتحدة حقوقا قانونية. المحلل جوزيف شومان كتب من نيويورك «المحاكم الدولية.. جبهة جديدة في صراع الشرق الاوسط تلوح في الافق وراء المعركة الدبلوماسية الجارية لمنح الفلسطينيين العضوية الكاملة في الامم المتحدة. ويأمل الفلسطينيون أن تمنحهم العضوية الكاملة أو الجزئية في الامم المتحدة القدرة على مقاضاة الحكومة الاسرائيلية ومسؤوليها أمام محاكم جرائم الحرب الدولية أو مقاضاتهم في محافل دولية أخرى. ويحذر مسؤولون اسرائيليون بقلق متزايد من أن شن هذه «الحرب القضائية» سيعزل اسرائيل وسيمنع مواطنيها وقادتها العسكريين من السفر الى الخارج خوفا من أن يتعرضوا للاعتقال للاشتباه بأنهم مجرمو حرب. وقالت روزا بروكس وهي استاذة للقانون الدولي بجامعة جورج تاون ولعبت أدوارا سياسية في وزارتي الدفاع والخارجية الامريكيتين «القلق من حدوث تغير حاسم مبالغ فيه». لكن الاعتراف الرسمي بدولة للفلسطينيين قد يحسن موقفهم في المحكمة الجنائية الدولية والكيانات القضائية الدولية الاخرى التي قد يسعون لمحاكمة اسرائيل أمامها. ولا يمكن الحصول على العضوية الكاملة في الامم المتحدة الا بعد موافقة مجلس الامن الدولي لكن أغلبية الثلثين بين الدول الاعضاء في الامم المتحدة يمكن ومن المؤكد تقريبا أن تفعل أن تصوت لرفع تصنيف بعثة المراقبة الدائمة لفلسطين لدى الامم المتحدة من «كيان» الى «دولة غير عضو». وقد لا يكون للأمر معنى كبير على الأرض لأن إسرائيل تبقى القوة المحتلة لكن المهم هو كلمة «دولة». فاذا تم الاعتراف بها «كدولة» قد تتوجه فلسطين الى كيانات دولية أخرى لا تتمتع الولاياتالمتحدة فيها بحق النقض وتطلب العضوية أو الدخول في معاهدات دولية. ولكل منظمة قواعد انضمام خاصة لكن اعتراف الجمعية العامة بالفلسطينيين سيعزز من طلبهم الالتحاق بأي من هذه المنظمات. وستكون الجائزة القضائية الاكبر التي يحصل عليها الفلسطينيون في هذه الحالة هي المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي والتي تأسست بعد محاكم جرائم الحرب في يوغوسلافيا السابقة ورواندا وهي المحاكم التي تأسست بموجب نظام روما الاساسي. والمحكمة الجنائية الدولية هي المحفل السياسي الدولي الوحيد الذي يمكن توجيه الاتهامات فيه للافراد وتلتزم كل الدول الموقعة على نظام روما الاساسي وعددها 117 دولة بتسليم المشتبه بهم. ولم توقع اسرائيل على نظام روما ولا الولاياتالمتحدة لكن هذا لن يمنع الفلسطينيين من رفع قضايا بموجبه. ويمكن للدول الاعضاء في المحكمة الجنائية الدولية احالة مزاعم جرائم الحرب أو الجرائم ضد الانسانية الى ممثلي الادعاء في المحكمة الجنائية للتحقيق فيها. وفعل الفلسطينيون هذا في أكتوبر عام 2009 عندما طلبوا محاكمة المسؤولين الاسرائيليين الذين شنوا الهجوم على قطاع غزة في أواخر عام 2008 وأوائل 2009 و»أفعال ارتكبت على أرض فلسطين» في السابق. ولم يقرر كبير ممثلي الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية ما اذا كان موقف الفلسطينيين «ككيان» يسمح لهم بالتقدم بمثل هذا الطلب. وقال روبرت مالي مدير برنامج الشرق الاوسط في المجموعة الدولية لمعالجة الازمات ان منح الجمعية العامة للامم المتحدة العضوية الكاملة للفلسطينيين قد يؤثر بقوة على أي قرار في المستقبل. وهذا هو ما يخيف اسرائيل، إنه سيف لا يريده الاسرائيليون مسلطا على رقابهم». وألغى جنرالات ومسؤولو دفاع اسرائيليون متورطون في الحرب على غزة رحلات سفر لحضور مؤتمرات دولية في لندن ومدريد خوفا من أن تكون مذكرات اعتقال دولية قد صدرت بحقهم هناك. وقال مالي «يخشى الاسرائيليون أن يساقوا الى لاهاي». وذكرت صحف اسرائيلية في منتصف شهر سبتمبر أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قال في حديث خاص انه يخشى أن يتهم الفلسطينيون أيضا مستوطنين اسرائيليين في الضفة الغربية بانتهاك معاهدات جنيف التي تحظر التشريد القسري للسكان. محاولة كسب الوقت باريس وواشنطنولندن ومعهم أطراف أخرى يسعون لتمييع معركة الفلسطينيين في الأممالمتحدة. فيوم الأربعاء 21 سبتمبر قال وزير الخارجية الفرنسى آلان جوبيه، أنه لن يحصل تصويت فى مجلس الأمن الدولى على طلب الفلسطينيين قبل «عدة أسابيع»، ما سيعطى الوقت لتجنب مواجهة. وأضاف جوبيه، وسيكون من الممكن اغتنام هذه الأسابيع لتطوير الاقتراح الذى قدمناه»، موضحا أن مبادرة الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى تعرض استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين مع وضع جدول زمنى. غير أن المفاوض الفلسطيني نبيل شعث، ذكر إن الفلسطينيين تلقوا تأكيدا من جانب الامين العام للامم المتحدة بان كي مون بأن التصويت في مجلس الأمن لن يتأخر لأسباب سياسية، ولكن لدوافع إجرائية فقط. وقال إنه إذا لم تتم الدعوة للتصويت أو إذا إستخدمت الولاياتالمتحدة حق النقض، فسيتوجه الفلسطينيون إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة. لكنه رفض الافصاح عن موعد لتحرك من هذا القبيل. مصادر رصد ألمانية أشارت إلى أنه نوقشت على عدة مستويات بالادارة الأمريكية الإسقاطات الممكنة لموقف البيت الأبيض السلبي من المسعى الفلسطيني، وإحتمال شله قدرة الولاياتالمتحدة على مواصلة ركوب حركة التحول في المنطقة العربية وتحويل مطالب بالتغيير والإصلاح إلى حالة فوضى ونزاع دموي وحروب أهلية. وكمثال على هذا التعثر السلبية التي قوبل بها خطاب أوباما في الأممالمتحدة عندما تطرق إلى الأزمة السورية داعيا مجلس الامن الى فرض عقوبات على دمشق، ومؤكدا أن على العالم أن يتكلم بصوت واحد من اجل خلاص سوريا ومن اجل السلام والامن في العالم». وتابع «لا يوجد عذر لعدم التحرك. حان الوقت ليقوم مجلس الامن بفرض عقوبات على النظام السوري وبان يكون متضامنا مع السوريين». وقد علق عدد من الحاضرين بالقول أن البيت الأبيض يجرى وراء سيناريو مشابه للذي طبق تجاه الأزمة الليبية. مهاترات كلينتون في محاولة للتضليل وتقليص الغضب العربي عادت واشنطن إلى تكرار الوعود السابقة بدون ملل، وهكذا أكدت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ان الولاياتالمتحدة «ستركز على المستقبل» في جهودها من اجل السلام في الشرق الاوسط، ايا يكن ما يقوم به الفلسطينيون في الامم المتحدة. واضافت «ابقى مصممة على العمل مع الطرفين لبلوغ الهدف المتمثل بحل من دولتين تدعمه الولاياتالمتحدة». وتابعت «لن نتجاهل اي جهد، أي مسار في محاولتنا لبلوغ ذلك». رغم نجاح واشنطن في إخضاع الأممالمتحدة لإرادتها فإنه تحدث بين الحين والأخر عمليات تمرد عليها. فيوم الخميس 22 سبتمبر وفي رد غير مباشر على مهاترات ومغالطات وزيرة الخارجية الأمريكية، دعا المقرر الخاص للامم المتحدة حول وضع حقوق الانسان في الاراضي الفلسطينية ريتشارد فوك الدول الاعضاء في المنظمة الدولية إلى الاعتراف بفلسطين وحض إسرائيل على «الاصغاء لارادة الشعب الفلسطيني». وقال فوك في بيان ان «المناقشات المقبلة حول مبادرة فلسطين لدى الامم المتحدة تتيح فرصة كبيرة للمجموعة الدولية للرد على ظلم عميق». واضاف «منذ اكثر من 44 عاما، يعاني فلسطينيو الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة من القمع الذي تمارسه اسرائيل». واوضح ريتشارد فوك «اذا كان كثير من الاسرائيليين يشعرون بالانزعاج من الوضع القائم، فان التحولات الجارية في المنطقة تشكل حقائق جديدة». وشدد المقرر على «ضرورة احترام ارادة الشعب الفلسطيني ايضا، في الامم المتحدة وحتى يتمكن الفلسطينيون من التمتع بالحق الذي يتقاسمونه مع جميع الشعوب الاخرى في العالم، اي حق تقرير المصير». واعتبر المقرر ان على اسرائيل والولاياتالمتحدة «اغتنام هذه الفرصة لتحقيق الوعد بحل يقوم على دولتين». وخلص الى القول ان «حوالى عشرين عاما من المفاوضات المباشرة أعطت عمليا إسرائيل الوقت لنسف حل الدولتين». مصادر رصد غربية أكدت أن ريتشارد فوك قال الحقيقة ولكنه حكم على نفسه بالتقاعد في أحسن الأحوال لأن واشنطن لن تسامحه. يوم 15 سبتمبر نشرت صحيفة «ذي انديبندنت» البريطانية تعليقاً لمراسلها في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة وإسرائيل دونالد ماكنتاير وفي ما يلي فقرة من المقال: «اذا لم تحقق خطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس للحصول على عضوية الأممالمتحدة شيئا آخر، فانه يكفيها أنها أثارت مستوى كثيفا من الحراك الدبلوماسي الفائق للعادة والعابر للقارات. فالزيارات المكوكية التي قام بها هذا الأسبوع بين القدس ورام الله مسئولان أمريكيان هما ديفيد هيل ودنيس روس وموفد الرباعية الدولية توني بلير ومسئولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون تحمل في طياتها أشد الأدلة وضوحا على الحيرة التي تنتاب العواصمالغربية بشأن كيفية التعامل مع المبادرة الفلسطينية». المهم أن قدرة التحالف الصهيوأمريكي على شل نضال الفلسطينيين من أجل قيام دولتهم المستقلة تتقلص وتقترب من نقطة الانهيار.