التأم المجلس الوطني لحزب الاستقلال طيلة يوم السبت الماضي بالرباط في إطار دورة استثنائية، كل المعطيات التي سادت منذ الساعات الأولى من صبيحة ذلك اليوم الذي سيدخل تاريخ العمل الحزبي الاستقلالي كانت يؤشر على أن الأمر يتعلق فعلا بقضية استثنائية لا يجود بها الزمان إلا نادرا. أعضاء المجلس الذين يقدر عددهم بألف عضو يتوافدون على مكان الاجتماع، وهو فضاء عرف حسم مواقف الحزب في العديد من المحطات التاريخية، قاعة كبرى تقف جدرانها شاهدة على المخاضات الفكرية والسياسية التي أثمرت مواقف واضحة وطنية صادقة لحزب الاستقلال ساهمت إلى حد بعيد في تقويم الاعوجاجات وتثمين الانجازات. أعضاء برلمان الحزب توافدوا إلى قاعة الإجتماع من كل حدب وصوب، انتقلوا من مدن وقرى قريبة وبعيدة ونائية جدا، مستشعرين أهمية اللحظة المفصلية التاريخية التي تعيشها البلاد وأصروا بالروح النضالية العالية على أن يحضروا لتسجيل مساهمتهم الفعلية في هذه اللحظة. حل موعد بداية أشغال الدورة الاستئنافية، غصت القاعة بالأعضاء واستهل الأمين العام للحزب الأشغال بعرض سياسي هام جدا استعرض خلاله أهمية اللحظة السياسية وقال إن جلالة الملك اعتمد سياسة العقل والتدرج حيث بدأ بإطلاق العنان للإصلاحات الكبرى ليوفر الأجواء المناسبة للإصلاح الدستوري، وراح الأمين العام يستعرض هذه المنجزات التاريخية، وفي موضوع الدستور الجديد قال الأستاذ عباس الفاسي إنه لأول مرة يعرف المغاربة من وضع دستورهم وعاينوا كيف مرت كل الأمور أمامهم بكل شفافية ووضوح، وأوضح أن المشروع الجديدي حفل بالمكاسب والإضافات على مستوى توسيع مجالات التشريع وتكريس الحريات والحقوق وتثبيت استقلالية القضاء وصيانة الهوية المغربية وغير ذلك كثير، وأكد الأمين العام للحزب الذي كان يلقي عرضا وسط اهتمام بالغ من جميع أعضاء المجلس أن جلالة الملك بهذا الدستور الجديد يقود ثورة هادئة ، وأن الشعب المغربي سيبقى ملتفا وراءه لإنجاح هذه الثورة. بعد ذلك فسح المجال أمام المناقشة العامة، وكان أن استغرقت هذه المناقشات التي لم تخل أحيانا من حدة حيزا هاما لكنها تميزت بالاحترام والتقدير للتعددية والاختلاف، حرص خلالها الاستقلاليون والاستقلاليات على أن لا يحصروا النقاش في دائرة مشروع الدستور المطروح للاستفتاء حوله، بل إنهم قاموا بالقراءة المخبرية للغالبية الساحقة من الفصول متوقفين عند التفاصيل، مستفسرين مما قد يكون بدا لهم ملتبسا، في هذه التفاصيل، لكنهم أيضا قالوا إنه لن تكون لهذا الدستور أية أهمية إذا لم تحرص كل الأطراف على تقديسه واحترام تطبيقه على أرض الواقع، وألحوا أيضا على الإسراع باتخاذ الإجراءات المصاحبة ، وفي مقدمتها تصفية الأجواء السياسية والتشدد في محاربة الفساد وإجبار مؤسسات الإعلام العمومي على الانخراط في المغرب الجديد وأيضا تغيير عدد لا يستهان به من العمال والولاة الذين استفادوا في تعيينهم من دعم جهة لم تعد خافية على أحد. جميع التدخلات لم تحد عن الإقرار بأن الدستور الحالي مخالف لجميع الدساتير السابقة، ومتميز عن جميع دساتير الدول العربية والإسلامية ويقترب جدا من دساتير الدول المتجذرة في الديمقراطية، لذلك أجمعت التدخلات على التصويت بنعم لفائدته، وهذا ما حصل بالفعل حيث صوت المجلس الوطني لحزب الاستقلال وبالإجماع بالتصويت بنعم، قبل أن يتفق الجميع على نص بيان تضمن مواقف الحزب في هذه اللحظة التاريخية. في البيان العام الصادر عن الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني لحزب الاستقلال اجتمع المجلس الوطني لحزب الاستقلال يوم السبت 15 رجب1432 ه موافق 18يونيو2011 في دورة استثنائية برئاسة الأمين العام للحزب الأستاذ عباس الفاسي خصصت لدراسة موقف الحزب في شأن الدستور الجديد المعروض على الاستفتاء الشعبي ليوم فاتح يوليوز المقبل. وفي بداية أشغاله استمع أعضاء المجلس الوطني إلى العرض السياسي الهام الذي تقدم به الأخ الأمين العام للحزب، والذي استعرض فيه تطور الحياة الدستورية بالمغرب ومواقف الحزب التاريخية في مقاربته للمسألة الدستورية، متوقفا على الخصوص عند ما شهدته بلادنا منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش من إصلاحات مؤسساتية وهيكلية عميقة ، وما تم فتحه خلال العقد الأخير من أوراش تنموية واسعة في كل الميادين، في مسار تحديثي منتظم وطموح، يتوج اليوم بالإقدام على مراجعة دستورية شاملة تشكل تحولا حاسما في تاريخنا الوطني. وبعد المناقشات المستفيضة التي أجراها أعضاء المجلس الوطني، بكل وعي ومسؤولية والتزام، حول مضامين الدستور الجديد وموقعه المتميز في مسار استكمال بناء دولة القانون والمؤسسات الديموقراطية، في مقارنات موضوعية مع صيغ ومضامين المراجعات الدستورية السابقة من جهة، ومع مواقف الحزب وتطلعاته من جهة أخرى، وفي استحضار أيضا للحظة التاريخية التي تعيشها بلادنا بكل رهاناتها في التوجه نحو بناء مغرب الغد. يؤكد المجلس الوطني لحزب الاستقلال في ختام مداولاته، ما يلي: 1- يثمن عاليا الإرادة السياسية الثابتة لجلالة الملك محمد السادس في الدفع بكل قوة بما تشهده بلادنا من إنجاز كبير على درب ترسيخ بنائها الديموقراطي، في نطاق تعاقد تاريخي جديد بين العرش والشعب. ويحيي بكل إكبار السعي المتواصل للعاهل الكريم نحو التكريس الدستوري للملكية المواطنة والملك المواطن. 2- يعتبر أن مشروع الدستور الجديد يبلور نتاج توافق وطني واسع، حيث ارتكز على الإطار المرجعي المتقدم للخطاب التاريخي لتاسع مارس الأخير، واعتمد منهجية تشاركية ضمنت مشاركة كافة الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والهيئات المدنية في مختلف أطوار الحوار التي طبعت إعداد مسودته، وأتاحت الانفتاح على كافة الآراء ومختلف الاقتراحات، في حرص تام على أن يكون مشروع الميثاق الدستوري الجديد الذي هو من صنع المغاربة ولأجل جميع المغاربة مجسدا بأمانة لتطلعات كل مكونات الشعب المغربي. 3- يعلن تأييده التام لجميع ما تضمنه الخطاب التاريخي لجلالة الملك محمد السادس في تقديمه ليلة أمس الجمعة 17 يونيو إلى شعبه الوفي للمحاور الأساسية لمشروع الدستور الجديد بكامل الدقة والوضوح، وبما يجعل منه بحق وثيقة مكملة ومفسرة لمقتضيات هذا الدستور. وفي مقدمة هذه المحاور: - دسترة الأمازيغية كلغة رسمية للمملكة إلى جانب اللغة العربية في نطاق التلاحم بين مكونات الهوية الوطنية الموحدة الغنية بتعدد روافدها. - دسترة كافة حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا، بكل آليات حمايتها وضمان ممارستها. وهو ما سيجعل من الدستور المغربي دستورا لحقوق الإنسان وميثاقا لحقوق وواجبات المواطنة. - مساواة الرجل والمرأة في الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وإحداث آلية للنهوض بالمناصفة بين الرجل والمرأة. - دسترة سمو المواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب، على التشريعات الوطنية. - تجريم التعذيب والاختفاء القسري و الاعتقال التعسفي وكل أشكال التمييز والممارسات المهينة للكرامة الإنسانية. - الانبثاق الديمقراطي للسلطة التنفيذية بقيادة رئيس الحكومة، حيث سيتم الارتقاء بالمكانة الدستورية للوزير الأول إلى رئيس للحكومة وللجهاز التنفيذي الذي يتم تعيينه من الحزب الذي يتصدر نتائج انتخابات مجلس النواب تجسيدا لانبثاق الحكومة عن الاقتراع العام المباشر. - قيام سلطة برلمانية تمارس اختصاصات تشريعية ورقابية واسعة وتكريس مشروع الدستور لسمو مكانة مجلس النواب بتخويله الكلمة الفصل في المصادقة على النصوص التشريعية، وتعزيز اختصاصاته في مراقبة الحكومة، ولاسيما بتكريس مسؤولية الحكومة حصريا أمامه؛ مع توسيع مجال القانون وحصر سلطة التشريع على البرلمان. - تخويل المعارضة البرلمانية نظاما خاصا وآليات ناجعة تعزيزا لدورها ومكانتها في إثراء العمل البرلماني، تشريعا ومراقبة. - دسترة منع الترحال البرلماني بتجريد كل عضو يتخلى عن انتمائه السياسي من صفته التمثيلية؛ وحصر الحصانة البرلمانية في التعبير عن الرأي فقط وعدم شمولها لجنح وجرائم الحق العام. - التنصيص على أن الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديموقراطي، وعلى أن السلطات العمومية ملزمة بالحياد التام إزاء المترشحين وبعدم التمييز بينهم، وعلى أن كل شخص خالف المقتضيات والقواعد المتعلقة بنزاهة وصدق وشفافية العمليات الانتخابية يعاقب على ذلك بمقتضى القانون - ترسيخ سلطة قضائية مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية تكريسا لاستقلال القضاء. - الارتقاء بالمجلس الدستوري إلى محكمة دستورية ذات اختصاصات واسعة تشمل علاوة على صلاحياته الحالية مراقبة دستورية الاتفاقيات الدولية والبت في المنازعات بين الدولة والجهات. - إحداث مجلس أعلى للأمن لتمكين بلادنا من آلية مؤسسية تختص بتدبير القضايا الأمنية والاستراتيجية الداخلية والخارجية، يشكل قوة تقويمية واقتراحية لترسيخ الحكامة الأمنية الجيدة ببلادنا. - تعزيز المكانة الدستورية للأحزاب السياسية والهيئات النقابية والمهنية، ومنظمات المجتمع المدني. - تعزيز آليات الحكامة الجيدة وتخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد بإحداث منظومة مؤسسية وطنية منسجمة ومتناسقة في هذا الشأن. - ربط المسؤولية بالمحاسبة. - تجريم الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز ووضعيات الاحتكار والهيمنة وحالات تنازع المصالح وكل أشكال الانحراف والفساد. - تعزيز مشاركة المواطنين من خلال تخويلهم حقوقا جديدة، كالحق في تقديم مقترحات القوانين وتقديم العرائض وطرح إشكالية دستورية القوانين. - دسترة بعض المؤسسات الأساسية مع ترك المجال مفتوحا لإحداث هيئات وآليات أخرى، لتعزيز المواطنة والمشاركة الديمقراطية. - الاهتمام بالأسرة والطفولة والشباب من خلال إحداث مجالس خاصة بها. - التكريس الدستوري للمغرب الموحد للجهات ضمن جهوية متقدمة تكون عماد الإصلاح العميق لهياكل الدولة وتحديثها. 4- قرر المجلس الوطني لحزب الاستقلال بإجماع أعضائه، وبكل قوة ومسؤولية واقتناع، الموافقة التامة على مشروع الدستور الجديد، بما يمثله من قفزة نوعية في تاريخ المغرب الحديث، وما يفتحه أمام الشعب المغربي من آفاق جديدة تعزز الثقة في المستقبل. 5- يهيب المجلس الوطني بجميع الاستقلاليين والاستقلاليات، أينما وجدوا داخل المغرب أو خارجه، إلى التعبئة العامة والشاملة للمشاركة الفاعلة في تفسير وشرح مضامين الدستور الجديد وما يكرسه من مكاسب ثمينة، تؤسس لبناء دولة ديموقراطية حديثة، وتمكّن بلادنا من أسباب ولوج عهد ديموقراطي جديد. 6- يتوجه بالنداء الحار إلى جميع القوى الحية بالبلاد، وإلى جميع المواطنات والمواطنين، للمشاركة في الاستفتاء المقرر ليوم فاتح يوليوز القادم، والتصويت على مشروع هذا الدستور المتقدم بنعم كبيرة مفعمة بروح المواطنة الصادقة، المتمسكة بثوابت الأمة، والمتجاوبة مع طموحاتها في الكرامة والحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية.