بعد تسمير طائراته على الأرض، وبعد تدمير الجزء الأكبر من قوات الدفاع الجوي الليبية وحتى التجهيزات البرية ، ها هو العقيد القذافي يواجه مشكلة أخرى تتمثل في سرقة 10 منظومات روسية للدفاع الجوي من صنف «ستريلا» ، وتوجيهها للخارج. وفي ما عد احتمالات نقلها للجزائر، فإن موسكو تخشى من أن تسقط بين أيدي الأمريكان ، ما سيؤدي إلى كشف أسرارها ، وإلغاء مفعولها ونجاعتها، ذلك أن روسيا نفسها تعتمد في جزء من دفاعها الجوي على هذه المنظومات. على أن الأخطر من ذلك هو أن الجزائر تقوم حاليا بتقدير مدى نجاعة الأسلحة الروسية على خلفية ما بدا من ضعفها أمام الأسلحة الغربية في ليبيا، وإذ يعود جزء من قلة فاعلية تلك الأسلحة إلى الوضعية التي عليها كتائب القذافي المتراوحة بين الجيش النظامي والميليشيات الهاوية ، فإن هذه الأسلحة برزت بقلة جدواها سواء فيما يتعلق بالدفاع الجوي أو حتى على الأرض، وكانت الجزائر في وقت سابق قد قررت توريد أسلحة من روسيا بمبلغ 7.2 مليار دولار فيما اعتبر صفقة القرن، وتعتبر هذه الحالة من احتمالات قرار إلغاء الصفقة ضربة خطيرة لصناعة الأسلحة الروسية، تضاف إلى احتمالات إلغاء الصفقة التي وقعها العقيد القذافي في وقت سابق من العام الماضي والقاضية بتوريد ما بين 2 و3 مليار دولار من الأسلحة . ففي ليبيا ما بعد القذافي التي تلوح في الأفق لا يبدو أن أي حكومة جديدة ستستعجل مطلقا توريد مثل هذه الترسانة لعدم الحاجة إليها في ظل تغيير جذري في السياسات الهجومية التي اعتمدت خلال الأربعين سنة الماضية في ليبيا. ولعل أكبر خاسر من الثورة الليبية هي روسيا التي كانت تعول على الصفقتين الكبيرين لتنشيط صناعة تسليح في تدهور كامل باعتبار خسارتها لحرفاء تقليديين في أوروبا الشرقية والوسطى ، تحولت لشراء الأسلحة الأوروبية والأمريكية وبمقادير أقل بكثير مما كان عليه الأمر قبلا، وجاءت الصفقتان الليبية والجزائرية لإنقاذ قطاع يشكو من الركود الكامل منذ سنوات وهو في حاجة إلى هبة نسمة يبدو أنها ستتوقف ، خصوصا لعدم ثقة الجزائريين في السلاح الروسي بعد تجربته غير السعيدة في ليبيا. وروسيا التي تحاول حاليا اللحاق بقافلة الدول، التي تتعامل مع بنغازي، بعد أن أسقطت من حساباتها العقيد القذافي اعتقادا منها أنه فقد مستقبله ، وأن مصيره العزل واللجوء للخارج في أفضل الإحتمالات، ليست متأكدة اليوم بسبب مواقفها الأولى المنحازة للعقيد، من أنها ستنال جزءا من كعكة إعادة الإعمار الليبية التي ستنفرد بها الدول الغربية على ما يبدو بعد أن تترك منها الفتات لتونس ومصر، وكلتاهما في أشد الحاجة حاليا لاستعادة علاقات اقتصادية كانت متميزة مع الجارة الليبية الغنية. إن انصراف القذافي سيترك بصمات على منطقة الشمال الإفريقية وحتى على الساحة الدولية، وفقا لانقلابات في التحالفات وتراجع الدور الروسي، وانحسار الدور الإفريقي الذي وقف وما زال يقف وراء العقيد الذي كم اشترى من الذمم بين رؤساء دول، و قد أخذ يبرز للسطح بالنسبة للكثير منهم أنهم كانوا عملاء بسبب «كرم» العقيد الذي قام على مدى سنوات بتبذير المال العام الليبي ليفخر بأنه ملك ملوك إفريقيا. *كاتب صحفي رئيس التحرير السابق لصحيفة الصباح التونسية