منذ ميثاق أكادير الذي طالب بدسترة الأمازيغية كلغة وطنية في سياق دولي ووطني اتسم ساعتها بالتحولات العميقة التي عرفها العالم مع إنهيار حدار برلين وإنهيار الثنائية القطبية ,وهو مافتح الباب واسعا أمام خطاب العولمة المبني على الأحادية القطبية وهو ما أفرز بالمقابل صحوات هوياتية في مختلف أنحاء العالم وذلك للتصدي من جهة للمد المعولم للثقافة والقيم ونمط العيش, ومن جهة أخرى تدارك العجز التاريخي على مستوى الثقافة المحلية التي عانت من التهميش مما جعل بنياتها هشة وتعجز عن مجابهة التحديات التي تفرضها الثقافة المعولمة خاصة مع التطورات الهائلة التي تعرفها تكنلوجيا الإتصال منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي, وعرفت أوجها مع التقنيات الرقمية الحديثة ,بحيث أصبح مفروضا على الثقاقات واللغات المحلية الإنتفاض للحفاظ على الوجود وتدارك العجز التاريخي وتراكماته...في نفس فترة هذه الصحوة الهوياتية, كانت هناك إشكالات أخرى مطروحة على بلدان الجنوب وعلى رأسها الخروج من أنظمة الحكم المطلق وبناء مؤسسات ديمقراطية ونشر القيم الديمقراطية في المجتمع وتجفيف هذا المجتمع من المثل والقيم التي ترسخت في فترات الحكم المطلق, هنا ثار نقاش بين جزء من النخب حول الأسبقية لمن..هل لإنهاء الحكم المطلق؟ أم لإنصاف جزء من الهوية المشتركة ؟ وأصحاب الرأي الأخير في المغرب رفعوا شعار مركزيا دالا و هو لا ديمقراطية بدون الأمازيغية...بما يعني أنه ليس هناك تناقض في الصراع من أجل الديمقراطية والهوية,بينما وجهة النظر الأولى كانت تنظر إلى الموضوع بمحاذير مختلفة على رأسها الخوف من توظيف الإشكالات الهوياتية من طرف البنيات المحافظة للدولة من أجل تحريف المطالب الديمقراطية وإغراق النقاش في تجادبات طائفية وعرقية بشكل سيقصي قيم المواطنة وسيفتح المجال واسعا لتحريف طموحات المرحلة وسقفها في التغيير، وهنا لا بد من التنبيه إلى أن أبرز من كان صوتهم خافتا هم أصحاب الفكر والباحثين اللسانيين ,وبالتالي تم تسييس المطلب الأمازيغي سواء في المطلب أو في الرفض... اليوم يوجد المغرب في لحظة بعيدة عن لحظة بروز هذا النقاش بقوة في بداية التسعينات, وفي لحظة هي عبارة عن فرصة لإعلان المغرب بلد ديمقراطي على غرار برنامج مدن بدون صفيح, وقد عاد المطلب الخاص بدسترة الأمازيغية لكن في صورة أكثر تقدما وهو مطلب ترسيم الأمازيغية,هنا أيضا كانت وجهات نظر منها ما هو موضوعي هادئ سواء مع أو ضد, وفي نفس الوقت كانت وجهات نظر أخرى متطرفة سواء مع أو ضد ,وفي هذا العمود طرحت وجهة نظري في حلقات خصصتها لوضعية اللغات في الدساتير المقارنة,وربما أصبح الأمر يتطلب توضيحات أكثر مع تأكيد دسترة الأمازيغية كلغة رسمية،وهو ما يمكن إعتباره إنتصارا للقيم الديمقراطية ولكن...ولكن هذه لكن قد لا ترضي من على قلوبهم أقفالها ممن لا يرون سوى أسود أو أبيض,وللأسف أن الأمر ليس بالبساطة التي يعتقدون ,فلا يكفي التنصيص الدستوري على رسمية لغة معينة لكي تكون كذلك بالفعل والدليل على ذلك هو الدستور المغربي،الذي منذ 1962 وهو ينص على كون اللغة العربية هي اللغة الرسمية,لكن الواقع كان هو أن الفرنسية التي لا شرعية لها ،هي من يكتسح المساحات المفروض في دولة ذات سيادة أن تكون محفوظة للغة الرسمية واللغات الوطنية إن وجدت ،السؤال المطروح اليوم هو كيف ستتم أجرأت مقتضى ترسيم الأمازيغية؟ خاصة مع تعالي الأصوات الأمازيغية الرافضة لإستبدال لغة الأم المحمية بالمواثيق الدولية ذات الصلة والمتجذرة في بنية المجتمع منذ قرون ,بلغة أمازيغية تنتج في المختبر مفارقة للواقع تستجدي مفرداتها من مالي والنيجر وتشاد أو تستحدث مفردات لا علاقة لها بالمجال التداولي , في مقابل إقصاء و «تنظيف» المعجم الأمازيغي بتعبيراته الثلاث, من الكلمات العربية التي تم تمزيغها على مر القرون..كما هو الأمر في مختلف لغات العالم الحية والتي تضم معجماتها آلاف الكلمات من لغات أخرى في نوع من المثاقفة. اليوم لا يمكن أن يستمر صمت الأمازيغ وأنا واحد منهم، على هذه الفوضى التي يجرنا إليها بعض ممن تضخمت عندهم الأنا،ويريدون الصعود إلى «بوديوم» التتويج ولو كان في ذلك خراب الأمازيغية لغة وهوية مشتركة لكل المغاربة،اليوم يجب توقيف لغة المختبر التي ينتجها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وإحتكار مناطق معينة لهذا المعهد،وفتح نقاش وطني شامل وديمقراطي حول حرف الكتابة بالنسبة للأمازيغية لتدارك التسرع السابق الذي وقعت فيه مؤسسات الدولة عندما خضعت لضغوطات من لا يمثلون سوى أنفسهم, وهنا لا بد من إنتخاب مؤسسة تعنى باللغات الوطنية ,بدل ترك تمثيلية الأمازيغية بدون بعد ديمقراطي,وختاما فأي ترسيم للغة المختبرفهي مجرد نكتة لا تضحك أحدا،وأن أي تجاوز للواقع من خلال تهميش التعبيرات الثلاث للأمازيغية فلن يعني سوا حشوا للدستور بأشياء لا معنى لها وغير قابلا للتنفيذ وتنفيذها بعد أجيال سيكون أكبر إبادة تتعرض لها الأمازيغية, مما لم تنجح فيه عدة أنظمة توالت على الحكم لقرون على هذه الأرض. شخصيا بالنسبة لي ترسيم الأمازيغية هو ترسيم لتامازيغت وتاشلحيت وتاريفيت,وأي أمر آخر غير ذلك فهو مجرد تنويعات على نغمة العبث الدستوري.