إنّ التغيُّرات المفاجئة التي تبدأ الفتاة بملاحظتها في إطار ذاتها جسمياً ونفسياً وعقلياً واجتماعيا هي من أشد ما يفزعها فيشدها الإنتباه إلى التغيُّرات الطارئة في الشكل الجسدي والشعور الواضح بالتنافر العضوي، كل ذلك يولد لديها انطباعا بأنّها تحمل في ثنايا تكوينها خروجاً عن المألوف لذلك على العائلة الأخذ بنظر الاعتبار تلك المرحلة المهمة في حياة بناتهم حيث تبدأ الفتاة المراهقة تميل للإنعزال خوفاً من المجهول والقلق الذي يستحوذ على نفسيتها ويجعلها تشعر بالنقص أحياناً وربّما يقودها للتعقيد ويزداد تأملها بذاتها وكلفها بنفسها ولابدّ في هذه اللحظات من تواجد الأُم والأب والأهل عموماً بجانب بناتهم ومسايرتهم لهنّ لتجنب أن يرافق إنعزال الفتاة المراهقة مضاعفات تتمثل بالعدائية لبعض أفراد أسرتها أو زميلاتها. في أوج الإنفعالات يتولد تناقض بداخل كيان المراهقة يدفعها إلى مسالك متقاطعة منها العمل على تدعيم مركزها، وتثبيت كينونتها بأن تحيا حياة الراشدات المكتملات، وتعتبر أي إعتراض أو نصيحة إجحافاً بحقها وتجاوزاً على وجودها ويشتد بها الصراع بين رغبتها بالاستقلال وبين واجبها بالامتثال لأوامر ونواهي الأسرة، في تلك الفترة يكون عقلها مسرحاً لعوامل كثيرة متضاربة، فهي من ناحية تحس بشيء من الذنب إزاء أُسرتها التي تربط بها إرتباطاً عاطفياً ويعزى إحساسها بالذنب هذا إنها تريد التمرد أو بالفعل تتمرد على الأسرة، ومع هذا فهي ما فتئت بأمس الحاجة إلى حنان الأسرة وحمايتها، ويعتريها أحياناً صراع حاد في أعماق نفسها نتيجة الاحتدام بين المثالية وضغط النزعات والرغبات المتوقدة في داخلها مما لم تألفه من قبل، ومن جهة أخرى ترى ذاتها أمام آفاق مستقبل فسيح يرسمه خيالها الخصب فتنساق وراء مُثل وقيم عليا تفوق واقعها وطموحاتها وهنا تكون بين مختلف التوجهات وكلها جديدة فتسأل نفسها (من أنا؟) أو (اي مصير ينتظرني؟) وغيرهما من الأسئلة التي تنم عن حيرة وقلق. في هذه المرحلة المهمة بالذات يبرز دور العائلة تحديداً والمجتمع والمدرسة عموماً بالأخذ بيد الفتاة المراهقة وعدم تركها لأمواج التفكير تتلاطم بها ولا تعرف أين تنتهي؟ والتخفيف عنها بعرض تجارب أخواتها الأكبر منها أو قريباتها عليها لتسهيل مهمة المقارنة بحالتها، وتتوصل للهدوء في المشاعر ويقل ضغط الإنفعالات. إنّ القلق الذي يعصف بالفتاة المراهقة وبحثها عن ذاتها سيوقظ عندها سلطة الضمير، أي ستحاكم نفسها بنفسها، وكل ما يحيط بها حيث ستضع لنفسها قيماً ومعايير خاصة لكن يمكن للأهل والمجتمع التأثير في القيم والمعايير بقدر تأثيرهم واحتضانهم لابنتهم وعدم إهمالها، عدا ذلك ستكون قيمها ومعاييرها غريبة قد لا تنسجم مع المحيط الذي تعيش فيه. في أغلب الأحيان تتعرض المراهقة للإعياء الجسمي والإجهاد العقلي وتفتيت الطاقة النفسية بفعل الصراعات الداخلية عندها بدلاً من تعبئتها وتوجيهها للإنتاج، وقد تنشأ عند عدد قليل من الفتيات المراهقات بعض الأمراض الهستيرية مثل الرُخام أو الوهن النفسي (النوراستنيا) وهنا يجد أهل الفتاة المراهقة إنها دائمة التمرد عليهم، وغالباً ما تثور بسرعة ولا بسط الأسباب، لكن هذا التصور من جانب الأهل ليس صحيحاً دائماً، فلابدّ من الصبر والحكمة، وإنّه من الخطا بحق الفتاة المراهقة ان نفسر كل ما يبدر منها بأنّه دليل التهور، بل هو مؤشر للرغبة الحقيقية بإتجاه النضج والإستعداد لتحمل المسؤولية. وهناك جانب نفسي بالغ الأهمية حيث إنّ الفتاة المراهقة كثيراً ما تنوء باعباء متطلبات الذات العليا عندها، وترغب بالتقدّم بقفزات متطلعه إلى مطامح بعيدة المرامي، فنجدها تنزوي وتنطوي وتنخرط بالبكاء لأبسط الأسباب، وتفقد التركيز على عمل يعهد إليها فيتدنى مستواها الدراسي مما يقلق ذويها والهيئة التدريسية. ولو أُتيح لكثير من الآباء والأُمّهات وإدارات المدارس أن يقرأوا ما تكتبه الفتيات المراهقات من مذكرات لوقفوا على كثير من غوامض أمورهنّ، فهذه فتاة تقول (أريد أن أضع أسس بناء أحلامي وآمالي... لكن أيفسح لي روح الزمن بأن أوسع قلبي وفكري وعقلي لكل تلك الملكات...) فليتدبر الآباء والأُمّهات ما تمور به خوالج بناتهم.