ما تزال مسألة الهجرة تقسم الحكومة البريطانية التي تبحث عن الانسجام عشية الانتخابات الجهوية و المحلية التي نظمت يوم 5 ماي في بريطانيا. و تخص هذه الانتخابات المحلية تجديد مقاعد على مستوى بلديات البلد و بلديات لندن حسب النظام السياسي الخاص لبريطانيا. ويكتسي الرهان السياسي لهذه الانتخابات أهمية بالغة كون العماليين الموجودين حاليا في المعارضة قادرين على العودة بقوة بعد الغضب الذي أبداه البريطانيون خلال هذه السنة و التي ميزها برنامج التقشف الصارم الذي تبنته الحكومة. وقالت وسائل الإعلام إنه إذا ضيعت حكومة «دافيد كامرون» مقاعد خلال هذه الانتخابات سوف يكون ذلك بمثابة مؤشر يوحي بان الائتلاف قد يخسر المعركة خلال الانتخابات التشريعية المقبلة. ولهذا يتحدث السياسيون عن امتحان حقيقي واجهته حكومة كامرون يوم 5 ماي. وتعد مسالة الهجرة إحدى المسائل التي أظهرت أولى التصدعات في صفوف الائتلاف شأنها في ذلك شان مسألة تغيير نمط الاقتراع الذي يواجه المؤيدين والمعارضين للتصويت البديل. و قد تمحورت النقاشات المكثفة التي ميزت الساحة السياسية في المملكة المتحدة خلال الأيام الأخيرة حول المسألة الشائكة للهجرة حيث أبدى أعضاء الحكومة تحت وقع ضغط برنامج التقشف تحفظات بشأن دعم الهجرة للبلد. لقد باتت أصوات تتعالى أكثر فأكثر لاسيما منها أصوات اليمين داعية إلى تقليص عدد العمال المهاجرين في المملكة المتحدة. و كان الوزير الأول المحافظ دافيد كامرون قد حذر مؤخرا من أن «الهجرة تشكل تهديدا لنمط الحياة البريطاني» و عليه يجب أن تشكل من الآن فصاعدا محور النقاش السياسي في البلد. و ذكر في هذا السياق أن عدد الأشخاص الذين قدموا للإقامة في المملكة بين 1997 و 2009 بلغ 2ر2 مليون شخص معتبرا أن «هذه التدفقات كانت لها ضغوطا اقتصادية واجتماعية حقيقية». كما أوصى في مختلف تدخلاته بتقليص الهجرة خارج الاتحاد الأوروبي إلى عشرات الآلاف في السنة بعدما بلغت خلال العشرية السابقة مئات الآلاف. و قد أثارت تصريحات الوزير الأول استنكار المهاجرين المقيمين في بريطانيا و الشركاء الليبراليين الديمقراطيين في الحكومة. و في هذا الصدد يرى محللو الصحافة اللندنية أن هذه الوضعية تعكس حالة الائتلاف الحالي بين الحزبين. و كان أول عضو في الحكومة يواجه السيد كامرون بشأن هذه المسألة الحساسة هو وزير الشؤون الخارجية فانس كابل من الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي وصف تصريحات الوزير الأول ب»المتهورة». و في خطاب شديد اللهجة ضد السيد كامرون ندد السيد كابل بموقف المحافظين الذين انتهكوا، حسبه، الاتفاق الذي سمح بتشكيل حكومة الائتلاف غداة الانتخابات التشريعية لماي 2010. و يرى السيد كابل أن تقليص تدفقات المهاجرين لم يكن مدرجا ضمن الاتفاق المبرم بين التشكيلتين. و بالنسبة لليبراليين الديمقراطيين تعد فكرة تقليص الهجرة سياسة الحزب المحافظ «لا تلزم حكومة الائتلاف». و يعتبرون أن المحافظين يلعبون ورقة الهجرة لربح اكبر عدد ممكن من الأصوات خلال الانتخابات التشريعية يوم 5 ماي الجاري. كما يرى الليبراليون الديمقراطيون الذين يعتبرون أن الهجرة تلعب دورا حيويا في الاقتصاد البريطاني أن «النقاشات حول الهجرة قد توقد نار التطرف». و ابدوا في هذا الصدد معارضة صارمة للمحافظين بشأن هذه المسألة معتبرين أن كامرون يعالج مسألة الهجرة من خلال وجهة نظر محافظ «متصلب». و من جهة أخرى اغتنم العماليون في المعارضة فرصة هذه الخلافات حول الهجرة لإبراز نقاط الضعف ضمن الحكومة مسجلين «نقص الانسجام من طرف الذين يحكموننا». و أوضح زعيم العماليين اد ميليباند بهذا الخصوص أن «الخلافات ضمن الحكومة بشأن مسألة الهجرة تظهر أن البلد يقوده ائتلاف متآمر وليس ائتلاف مبدئي». و طالما اتهم المحافظون الموجودون اليوم في الحكم بأنهم مصدر تدفق الهجرة في بريطانيا حيث أن العماليين، على حد تعبيرهم، فقدوا سيطرتهم على الوضع خلال عهدهم. و يرى المحللون أنه بغض النظر عن الحسابات الانتخابية طرحت مسألة الهجرة مشكل التفتح الحقيقي للثقافات وقبول الغير في بلد يعرف بتسامحه ونمطه المتعدد الثقافات وحيث تعتبر الأقليات فيه جزءا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي.