الحدث في إسبانيا منذ أسبوعين هو إعلان رئيس الحكومة رودريغيث ثاباطيرو أنه لن يترشح في الانتخابات التشريعية القادمة، وبالتالي لن يكون رئيسا للحكومة في ولاية ثالثة. وعلم أنه أسر لصديقه بونو، رئيس مجلس النواب في ديسمبر 2007، أنه لن يزيد على ولايتين، وأنه سيعلن عن قراره هذا قبيل عام من الموعد. ليست هذه بدعة. ففي إسبانيا الديموقراطية هناك سوابق تدل على أن السياسيين هناك لا تخامرهم فكرة الدفاع " زنكة زنكة" عن البقاء في المنصب. فقد قرر اليميني خوصي مرية أثنار عزمه على عدم الترشح، بل وعلى مغادرة الحياة السياسية، وذلك قبل عامين من الموعد. وكان عمره عند المغادرة 51 سنة. وكذلك فعل فيليبي غونثالث، الذي طبع الحياة السياسية الإسبانية بقراراته ومواقفه، حيث قرر عدم الترشيح والاعتزال وعمره 54 سنة. وبهذا يكون القادة السياسيون الإسبان قد سنوا قاعدة مفادها أن التقاعد يكون في الخمسين. وهو عمر افتراضي يسمح للسياسي بأن يتألق وأن يضمن خروجا أنيقا من الحلبة. كان أثنار قد اتخذ قراره بالانسحاب، وهو في عز نجاحه السياسي، بعد أن حقق مكاسب اقتصادية باهرة، مكنته من أن يدخل الولاية الثانية بأغلبية مطلقة لحزبه. ولولا خطيئة الكذب، حينما تورط مع بوش في حرب العراق، وسلوكه المعيب أثناء تفجيرات مدريد، لكان الحزب الشعبي قد فاز في انتخابات 2004 التي لم يكن الاشتراكيون يراهنون بجد على الفوز فيها. وها هو ثاباطيرو يقرر الانسحاب بعد عشر سنوات من قيادة الحزب التي أحرز عليها في مؤتمر كان منافسه فيه هو بونو من قادة الحزب المرموقين. وكان نجاح ثاباطيرو إشارة إلى رغبة القيادات الشابة في الحزب الاشتراكي، على تسلم قيادة تنظيم ليس مفتقرا إلى الكفاءات، وهي من عيار ألمونيا وبوريل وتشافيز. والآن من جديد يتردد أن الجيل الجديد من الاشتراكيين يتطلع إلى مواصلة حمل المشعل في حزب تأسس منذ 130 سنة، وقاد إسبانيا حاملا راية اليسار. وقد خلف قرار ثاباطيرو صدى قويا في صفوف الاشتراكيين المقدرين في زعيمهم أنه وضع مصلحة الحزب فوق مصلحته الفردية، إذ تحمل تبعة استياء الرأي العام من الأوضاع الاقتصادية، بدلا من أن يجر الحزب أذيال الخيبة، والبلاد مقبلة على انتخابات محلية في مايو، ثم انتخابات تشريعية في العام القادم. ومن جراء الصعوبات الاقتصادية نزلت شعبية رئيس الحكومة الذي تتجسم فيه المسؤولية المباشرة، إلى 3,3 على 10، وهو درك لم يصل إليه من قبل أثنار ولا فيلبي. وليست شعبية غريمه راخوي، رئيس حزب المعارضة أفضل حالا، إذ أن نسبة رفضه أعلى من نسبة رفض ثاباطيرو. إلا أن الفرق مازال شاسعا فيما يتعلق بنوايا التصويت بين كل من الاشتراكي والشعبي حيث يتفوق هذا الأخير حسب آخر الأرقام بنسبة 10 في المائة. 3 أبريل 2011