ليس كل شعب عربي يصنع ثورة مثل تلك التي صنعها شباب تونس وكهولها وشيوخها بناتها وأبناؤها، فاقتلعوا الصنم ، ولفظوه خارج الحكم وحتى البلاد. وعلى عظمة هذا الإنجاز الذي افتك الحرية، ووضع البلاد على طريق الديمقراطية ، فإن أمرا آخر لا بد من الوقوف عنده لأنه يشكل ظاهرة مجتمعية تستحق التقدير. فلقد واجه هذا الشعب، فلول ميليشيات الرئيس السابق من بعض "رجال" الأمن الرئاسي بالحزم والإعتماد على النفس إضافة إلى قوات الجيش والأمن المخلصة. وإن المرء ليذكر ما فعله صدام حسين يوم 9 أفريل 2003، قبل أن ينسحب من الحكم تحت ضغط هزيمة مدوية، عندما سلح ميليشيات من جنسيات عربية مختلفة ونشرها في الشارع العراقي تقتل العراقيين ، وتدمر كل ما هو جميل وحتى متحف بغداد أحد أكبر المتاحف وأثراها في الشرق الأوسط. ويبدو أن كل الديكتاتوريين نُسجوا من نفس القماش، ففي ليلة الرابع عشر من شهر جانفيي 2011 وبعيد رحيله، انتشرت المليشيات من الأمن الرئاسي في شوارع المدن مع من استقطبتهم بالمال من السذج المحتاجين لترويع الأحياء والمدن، والحرق والنهب، ليلة مروعة كانت تلك الليلة. ولكن الشعب الذي صنع الثورة ، وفتح باب الأمل لم يكن ليستسلم ، ففي الليلة الموالية تشكلت في المدن والقرى والأحياء النائية والقريبة ، لجان يقظة تسلحت بالهراوات لتدافع عن نفسها ، وعن مكتسباتها وعن مقدرات المجموعة الوطنية من منشآت عامة وخاصة، ومعاضدة الجيش الوطني ، وقوى الأمن الوطنية التي لم تنزلق إلى منطق "علي وعلى أعدائي يا رب" . وفي ما كانت قوات الجيش تتعقب هذه الميليشيات هي وقوات الأمن ، وتلقي القبض عليها ،كان الجنرال مدير قوى الأمن الرئاسي يحاول التسلل هاربا عبر الحدود الليبية في سيارة "هامر" قيمتها بمئات آلاف الدولارات، بعد أن أدى "مهمته في ترويع الناس" وترك وراءه من ترك من تلك الميليشيات تعيث في الرضى فسادا، فيتفطن له المواطنون ويقبضون عليه ويسلمونه لوحدات الجيش الوطني. ولقد كان المخطط واضحا، ومعدا من زمن ، في حالة إسقاط الصنم ويتمثل في زعزعة الأمن للحد الذي تبدو معه عودته ضرورية لإقرار الأمن وإعادة الإستقرار.؟ ولكن الشعب الذي صنع الثورة هو الذي وقف لحمايتها وصيانة البلاد أرواحا ومكتسبات، فشكل لجانا تتداول على حراسة أحيائها ، وتنبئ بمكان أفراد الميليشيات التي قامت بالنهب والحرق المنظم . لكم كان ذلك مؤثرا ، ولكم كان حضاريا ، ولكم كان يدل على روح مدنية عالية. وفي المقابل ذلك هو حال رجل السياسة الذي لا يرتفع إلى مستوى رجل الدولة ، والذي يدفعه حقده لفقدان كرسيه الرئاسي للإضرار بوطنه بعد أن استغله هو وعائلته على مدى أكثر من عقدين، ولترويع مواطنيه والإضرار بمكاسب الوطن. *كاتب صحفي رئيس التحرير السابق لجريدة الصباح التونسية [email protected]