في منتصف يوم الخميس (25/11/2010) طلعت مقالة للويس ماريا أنسون في ملحق (إل كولترال) لصحيفة (إل موندو) تداولتها الصحف الإسبانية باهتمام بالغ وتحليل مدقق لموقع صاحبها الفكري والسياسي ولما جاء فيها من نقد للحزب الشعبي وزعيمه فيما يخص الموقف من المغرب في الدفاع عن وحدته الترابية واضعة النقط على الحروف، وذلك لأنها خرجت عن المألوف في هذه الأيام في سياق الربط بين واقع السياسة العامة لتوجهات الإسبان الحديثة والعلاقة مع المغرب فيما يخص استرجاع صحرائه. فالمفاهيم التي عبر عنها الكاتب في مقالته لم يكن لأحد من ذوي النفوذ الفكري أو السياسي أو الإعلامي في إسبانيا من قبل الجرأة للإفصاح عنها أو مقاربتها. كما أن المصطلحات والألفاظ التي استعملها الكاتب بانتقاء كبير وإيحاء بليغ في وصف الحقائق ليست مقبولة لدى الرأي العام الإسباني ولا متداولة في صحفهم الى حد الساعة. لقد أنكر ل. م أنسون على الحزب الشعبي الإسباني موقفه من المغرب باستعمال (لا) سبع مرات. أما جبهة البوليساريو فقد نعتها مرتين بالإرهاب. والمثير في الأمر أن الكاتب يرأس حاليا جريدة (المحايد) (إل إمبرثيال) ومع ذلك فضل نشر مقالته هذه في الملحق الثقافي لجريدة (إل موندو) وهي على ما هي عليه مع المغرب، ربما في ذلك غاية أو هدف لأن الجريدة لسان الحزب الشعبي الذي يقود الحملة ضد المغرب ومصالحه، وهذا الحزب من المنتظر أن يتولى تسيير شؤون البلاد بعد الانتخابات المقبلة عام 2012 أو لأن هذا المنبر الإعلامي يهتم به المثقفون ذوو الفكر الأكاديمي والسياسيون على اختلاف مذاهبهم والصحفيون من كل المنابر الإعلامية. يقول لويس مريا أنسون: «(راخوي) يتمادى في الخطأ بشكل مثير للدهشة، وهذا غير معقول». «لا يمكن نصح أحد بالوقوف ضد المغرب إلى جانب الممثل السينمائي (خابيير باردم) ومصاحبة أصحاب الحنين للشيوعية السوفييتية». «يؤلم الإدلاء بهذه النصيحة لحزب يأمل أن يتولى السلطة في عام 2012». «لا يمكن فقدان الشعور بالموضوعية من أجل حماقة مصلحية». وقد بدا الكاتب في المقالة مخالفا لمواقفه السابقة إمعانا في النصح للحزب الشعبي وزعيمه المتورط وإظهارا للحقيقة لصحف اليمين كلها مبينا أن منافسيهم في الحزب الاشتراكي العمالي الحاكم هم أكثر توازنا. فيما يخص العلاقة مع المغرب يقول ل. م أنسون: «(زابطيرو) في النهاية مع ما يمكن الزج به من تحفظات عليه، ورغم كل ما ينتظر معه من انعكاسات فإنه يتبع سياسة التحفظ والمرونة مع المغرب، ذلك أن هذه مسألة مبدئية إذ تأييد (جبهة البوليساريو) يعتبر تأييدا للإرهاب». وفي معرض الموازنة بين المصالح والمبادئ وهو ما يدخل في صميم العمل السياسي وتتضح به رجاحة أصحاب القرار وتموقع حزبهم خدمة لمصلحة البلاد ووقوفا إلى جانب الحق يقول الكاتب: «لا يمكن، ولا يحق لإسبانيا أن تعمل على إشعال فتيل الحرب مهما كانت المصالح المادية». «حتى ولو كان منتظرا ظهور ثروة نفطية في شواطئ المحيط الأطلسي ما بين الصحراء وجزر الكناري». «حتى ولو كان للمغرب قدرة على محاصرة إسبانيا في مسألة سبتة ومليلية وجزر المتوسط». «حتى ولو كان ذلك لمصلحة الصيد البحري أو لبنود قضايا أخرى». «لا، لا يحق لإسبانيا تأييد وتشجيع وتمويل وحماية قطاع إرهابي كجبهة البوليساريو». «لا يمكن لقضية الصحراء أن تجمع تحت لواء واحد أصحاب الخطاب الشيوعي العتيق والحزب الشعبي لهدف واحد هو إسقاط الحكومة الاشتراكية». لويس مريا أنسون لا ينتمي حاليا لحزب ما، ولم يكن مرتبطا قط بحزب سياسي كما أنه لم يقبل أبدا تحمل أية مسؤولية سياسية مباشرة، وأهم منصب سياسي انخرط فيه قبول انضمامه إلى السكرتارية الخاصة للأمير (دون خوان دي برربون) إبان مطالبة هذا للجنرال فرانكو بعرش إسبانيا إلى أن حلت هذه السكرتارية سنة 1969، فكانت اعتزاليته الحزبية مرجعية في تنصيبه رئيسا لوكالة الأنباء الإسبانية (إيفي) سنة 1976 مباشرة بعد موت الجنرال فرانكو وانطلاق مسلسل الإصلاحات الديمقراطية في إسبانيا. أما نشاطه الدؤوب في خدمة اللغة الإسبانية والدفاع عنها وانشغاله بالشعر والتأليف والصحافة فقد بوأه الحصول على العضوية في الأكاديمية الإسبانية للغة سنة (1998) وكذا نيل الدكتورة الفخرية مرتين من جامعتي المكسيك والبرتغال. ل.م أنسون لم يشاطر أبدا التوجه الاشتراكي الاجتماعي للحزب الحاكم حاليا في إسبانيا لأن نزعته المبدئية تميل إلى اليمين الليبرالي المحافظ وهو ما يتجلى في ارتباطه الطويل بصحف اليمين تسييرا وتأسيسا وتوجيها: I صحيفة (أ ب س) عمل في هذه المؤسسة الإعلامية الكبيرة في مرحلتين الأولى ما بين 71/1974 والثانية كمدير لها ما بين 83/1998. . صحيفة (بلانكو إي نكرو) أسسها سنة 1975 وفي نفس السنة أسس كذلك (لكزيط إيلوسطردا). . صحيفة (لافنغوارديا) وهي صحيفة ذات بعد مركزي تصدر باللغة الإسبانية في مقاطعة كاتالونية التي تنتشر فيها اللغة القومية المحلية وقد عمل في مجلس إدارتها سنة 1976. . سنة 1996 ترأس مشروع تلفيسا للتلفزة الرقمية جمع فيه تلفونكا، تيفي 3، أنتنا 3 كنال 9، تفك وتل مدريد. . صحيفية (لارسون) أسسها سنة 1998 وطبعها بطابعه الخاص فهي إلى يومنا هذا ذات نزعة أدبية وتدعم وحدة إسبانيا وتدعو للمحافظة على النظام الملكي. صحيفة (الأمة) أسسها سنة 2005. أنشأ الملحق الثقافي (إل كولتورال) سنة 2005 في جريدة (إل موندو). صحيفة (المحايد) أسسها ل.م. أنسون سنة 2008 لغرض سياسي وهو انتقاد الحزب الاشتراكي الحاكم والعمل على إسقاط حكومته. نزعة لويس مريا أنسون الليبرالية المحافظة دفعته ليقف في صف المعارضين للجنرال فرانكو ونظامه مدة طويلة. في الستينيات، وهو بمنفاه في المكسيك، كتب عنه فرانكو يقول «أنسون أكبر أعداء النظام» ومن تجليات نزعته هذه الحملة الإعلامية الشرسة التي قادها ضد (فليبي غونسالس) مدة ترأسه للحكومة الإسبانية لدرجة زعزعة الدولة على حد تعبير غونسالس في قبة البرلمان وباعتراف أنسون نفسه، حيث قال «تلك كانت الطريقة الوحيدة لخلعه». أما المظهر الثالث لهذه النزعة فيتجلى من خلال تأسيسه لصحيفة المحايد سنة 2008 لانتقاد حكومة (زابطيرو) الحالية وتأليب الرأي العام ضدها أملا في إضعافها وإسقاطها، وله عمود يوقعه تحت عنوان «في الهواء الطلق». ل.م أنسون لم يكن أبدا متعاطفا مع المغرب ولا مؤيدا لسياسته ولا حتى راغبا في وجوده ووحدة ترابه رغم أنه يعرف المغرب جيدا لأنه في سنة 1960 حصل على الجائزة الكبرى للصحافة (لوكا دي تينا) عن عمل قام به في المتابعة الصحفية لزلزال أكادير. فمنذ أسابيع فقط وفي عموده الهواء الطلق (11/11/2010) كتب يقول في معرض حديثه عن تخلي الحكومة الإسبانية الاشتراكية الحالية عن مسؤوليتها في الدفاع عن سيادة الدولة: «مع الجنرال فرانكو أضعنا أيضا ما تبقى من أطراف إمبراطوريتنا الاستعمارية وهي: طنجة، شمال المغرب، سيدي إفني، غينيا، فرناندو بو، الصحراء». «تبدلت الأوضاع منذ 1975 لكن مسؤولية قوتنا الاستعمارية مازالت قائمة. وبعد هذا بأسبوع فقط كتب يقول: «لن يدافع عنا الحلف الأطلسي في القضايا العالقة مع شمال إفريقيا، لن تحترمنا وتقدرها الجزائر وخاصة المغرب إلا إذا كانت قوتنا العسكرية قادرة على الردع. من الصعب التذكير بهذا ولكن تجرع الحقيقة أحيانا يكون مرا». قدرة ل. م أنسون البليغة على التأثير والتوجيه والنصح لكل الأطياف من خلال العمل الصحفي كبيرة يشهد له بها حصاده لكل الجوائز التي تمنح في هذا الحقل بإسبانيا وأمريكا اللاتينية؛ فهو الصحفي الوحيد الذي فاز بأكثر من مائة جائزة بما في ذلك الجوائز الست الرفيعة للأدب والعلوم الإنسانية والصحافة بإسبانيا وكذا فاز بالجائزتين الكبيرتين بأمريكا اللاتينية في هذا الحقل.