ركن خاص بذكريات رجال ونساء التعليم : اللقاء الأول مع التلاميذ، العلاقات مع محيط المؤسسة التعليمية، العلاقة بالرؤساء والزملاء، طرائف وقعت خلال الحياة المهنية وغيرها من الذكريات... كاتبونا عبر البريد الالكتروني [email protected] تماما كما فعل دون كيخوته _ وهو بالمناسبة بطل كتاب «دون كيخوته دلمنتشا» الشهير- حرص أستاذنا الفاضل على أن يتخذ له رفيقا في رحلته من أجل تعلم لغة موليير. فلم يجد أنسب لهذه المهمة و أصلح من ابن عمه الكثيرِ الطموح، الذي أخذه الطمع في الاستفادة إلى الموافقة على طلبه دون تردد ولا تفكير، شأنه في ذلك شأن سانشو الذي خدم سيدَه رغبة في الحصول على إمارة يحكمها. هكذا؛ أضحى المتعلم الجديد لا يفارق معلمه في كل رحلاته السياحية: فم الحصن، تغجيجت، سيدي إيفني، كلميم، لعوينة...، و قراءاته الأدبية ل: محمد خير الدين، عبد اللطيف اللعبي، فؤاد العروي، محمد ندعلي، ياسمينة خضرة وغيرهم من كتاب الروايات المغاربية الناطقة بالفرنسية، إضافة إلى مئات الأعداد من مجلتي لوجرنال و تيل كيل. ومن أجل حفظ الكلمات التي يصادفها صاحبنا وترسيخها بذهنه كان يعمد إلى تلقيب تلميذه الوفي بالكثير من الأسماء التي قد لا تكون له علاقة بها؛ كأسماء الحيوانات والآلات الموسيقية وكلمات أخرى، ليستحق بذلك لقبَ: حامل السر. وأما مغامرته مع اللغة الأم: العربية. التي جعلها دائما موازية للغة الفرنسية، فلم تخل بدورها من متعة و إثارة؛ إذ قرأ العديد من الكتب والدواوين الشعرية التي طالما ناقشها مع حامل سره. ومازال صاحبنا على هذه الحال حتى بلغ مراتب متقدمة في تعلم اللغة الفرنسية؛ فصار ينشر العديد من المقالات في مختلف الجرائد والمجلات، وهي مقالات كان يقرأها رفيقه المتعلم قبل نشرها ليحفظها بعد ذلك عن ظهر قلب. بل و انعكس تطوره الكبير في الكتابة على مشواره المهني؛ فلم يجد أدنى صعوبة في اجتياز، وفي نفس السنة، كل من الامتحان المهني للسلم 11 وامتحان أساتذة تدريس اللغة العربية لأبناء الجالية المغربية المقيمة بفرنسا، بلجيكا واسبانيا. هذه إذن هي قصة رحلة الأستاذ ذي الطلعة البهية الذي توقف ينتظر تسوية وضعيته ويتحين لحظة التحاقه بمقر عمله الجديد ببلاد الكاتب الذائع الصيت سرفانتس تاركا حامل سره يواصل بكل عزم ومثابرة درب التحصيل لوحده بعد أن اشتد عوده و خبر مسالك التعلم وطرقه. وهاهنا، يَكمُن الاختلاف بين أستاذنا النبيل والفارس الحزين دون كيخوته. أما الأول فحقق مبتغاه بالانطلاق من واقعه المُعاشِ. و أما الثاني فوافته المنية قبل أن يدرك هدفَه؛ فقد كان يركد وراء سراب لا يناله ولو عمَّر الدهر كلَه. وهذه لَعمري عبرة لأولي الألباب.