إن المغرب متوفر على رصيد غني ومتنوع من التراث الثقافي والحضاري، بحيث يساهم كل منطقة بما لها من خاصيات في إبراز الثقافة الوطنية والميراث الحضاري، ومن هنا، تفرض أسبقية الالتزامات في صيانة التراث على جميع الأصعدة والحفاظ على المآثر التاريخية. ولما تعكسه من مهارات البناة الأولين، وما تزخر به خصوصا المدن العتيقة من مختلف المظاهر الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. إن المدينة لهي القلب التاريخي النابض المعبر عن حياة البلاد، بما تشتمل عليه من مختلف الأنشطة التقليدية، وبما تمتلكه من رصيد يمثل المركز الأساسي فيه المسجد الكبير والأحياء التاريخية بمحيطاتها الطبيعية والمنشآت التي تعطي إضافة إلى التوثيق التاريخي، صورا ناطقة عن العمران المدني القديم. لولا إن هذه المنشآت أصبحت عرضة للتهديم وضروب التخريب إن لم نقل اضمحلال من جراء ما أصاب المجتمعات من اجتياح العصرنة المتولدة عن التطور الصناعي. الأمر الذي حدا بالدولة إلى التفكير في مشروع لمقاربة جديدة من أجل تدخل واسع النطاق على مستوى المدن. وإنه لتصور من شأنه أن يعمل بصورة أفضل على إنعاش الكيفية المعمارية بفضل التوقف على مختلف العوامل المتطلبة للتغلب على الشوائب التي لحقت التخطيط العمراني ومحو التشوهات الناشئة عن تعقيد وسرعة النمو العمراني. وبفضل تضافر الجهود من لدن الجميع من ممثلي السلطة والقطاع الخاص والمجتمع المدني ليتوفر التمويل المالي والتقني لتحقيق الأهداف المتوخاة، وهكذا سيقوم المشروع حسب مقتضيات الأحوال على الصورة التالية: مشروع معماري شمولي على مستوى التكتل السكاني (الجهة) مشروع معماري محلي على مستوى المدينة مشروع معماري منتظم على مستوى الحي إن التجديد المعماري لسلا يقتضي التوقف على مختلف المشاكل والمقاربات مصحوبة بالمبادرات المادية والاقتصادية المعتمدة على حسن التسيير المعماري العام، ونظرا للأهمية التاريخية للمدينة وما لتراثها المعماري من قيمة فنية فإن الأمر يقتضي تغذية الذاكرة الشعبية قصد النهوض بمستوى الحياة. فالمواطن مهما يكن منفتحا على العالم الخارجي فإنه يظل متشبثا بتراثه الثقافي وتبقى المشاركة عنصرا إيجابيا طالما أن التشبث بالماضي والأمجاد التاريخية يضمن تكوين شخصية مؤمنة بالمستقبل، معنى ذلك أن يسير التشبث بالتراث حذو الإبداع من أجل خلق الأنشطة. بيد أن هذا التراث رغم غناه وتشعب جذوره يظل رهين التداول الشفوي فلا الذاكرة تزول خصوصا مع مرور الزمان إذ الأقوال تذهب جفاء ويمكث المكتوب، وما معصومة عن أصدق مثال على ذلك فلم يكن للتاريخ أن يثبت إلا بفضل رسوخ لقيم تراثنا الشفوي أصدق مثال على ذلك. فلم يكن للتاريخ أن يثبت إلا بفضل رسوخ الوثيقة المكتوبة، لذا فإضفاء القيمة على موروثنا الثقافي يظل برفع التحدي من لدن كل من وزارات الثقافة والاتصال والتعليم العالي والسياحة والصناعة التقليدية والمجتمع المدني. وبفضل الحفاظ على هذا التراث الذي يثبت هويتنا نستطيع أن نبني مغربا عصريا يجتمع فيه ما حباه الله به من جمال الطبيعة وما أورثناه إياه السلف، وما نحظى به من ثقة وإيمان وقدرة على الإبداع. ولكي نثبت تعلقنا بهذا التراث وبهذه الثقافة ينبغي أن نترجم ذلك بواسطة العمل وبممارسة المواطنة الكاملة، دفاعا عن القيم الوطنية.كفى من اللا مبالاة والتقاعس عن الاهتمام بالقضايا الوطنية، فلا سبيل إلى ضمان غد أسعد إلا بفضل أفكار بناءة والقضاء على ما يشل الطاقات وأهم مرجعية لتصور المواطنة الديمقراطية تتمثل في المشاركة الفعالة للمواطنين في القيام بالواجبات وممارسة الحقوق التي تضمنها المجتمعات الديمقراطية. ولقد أضفى صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله على مبدأ المواطنة أهمية خاصة بفضل ما رسمه من أهداف من أجل أن يتناول الشعب الكلمة وليشعر بمشروعية ما يجب له من الحقوق، فمعنى المواطنة الديمقراطية هو الإيمان بوجوب مشاركة كافة المواطنين لتحقيق سيادة الشعب. ولا تتأتى المواطنة الديمقراطية ومعرفة أصول السلوك المثالي للديمقراطية إلا على سبيل التربية. لذا، ينبغي العمل على تكوين المواطن لتمكينه من ممارسة حقوق المواطنة، وليعرف أن الانحصار في النشاط المحلي يحول دون انبثاق المواطنة الحقة، وإن المواطنة ليست بموضوع نظري بقدر ما هي ميدان للعمل، ومن واجب التربية على المواطن أن تعمل على تغذية روحه وإنعاشه بطاقة إرادية، ليستجيب لاحتياجات الآخرين مدركا لهويته الوطنية، منفتحا على العالم، عاملا بمقتضى معاني المشاركة في الحياة الديمقراطية بشقيها السياسي والقانوني. هذه مدينة سلا، مدينة التاريخ، بشخصيتها، بطابعها الأصيل، بخاصيتها وبما أسهم به أبناؤها في صناعة التاريخ المتكامل مع تاريخ البلاد. وبمشاهدها الحضارية التي يمكن أن تصبح ميدانا للاستثمار في المجالات الاقتصادية و الثقافية والسياحية للجمع بين الحسنيين، الاعتزاز بالأمجاد والشعور بمسؤولية المشاركة من أجل المستقبل. وهكذا، تصبح الذاكرة التاريخية متغذية بروح المسؤولية العملية، مما يمكن معه إعادة كتابة تاريخ يسلم للأجيال اللاحقة، لا هو تاريخ يطغى عليه الغلو في التقديس والبهرجة العاطفية، ولا هو ينساق للأنزاق التعصبية. لكن تاريخ موضوعي يترجم الواقع ذلكم الواقع الذي هو الوسيلة الأكيدة لاستقطاب الأفكار وتوجيهها نحو السبيل الأصلح، سبيل العدالة الاجتماعية والإنصاف والتفهم والتعايش والتضامن. هذا المسعى إذا حظي بما يلزمه من دقة في التنظيم، من شأنه أن يضمن للمواطن شخصية متوفرة على المؤهلات والمهارات، مفيدة للفرد والمجتمع معا، ومستجيبة لمتطلبات التماسك الاجتماعي، إذ الازدهار الاجتماعي يظل شرطا أساسيا ومتكاملا مع الازدهار الاقتصادي، على أن المشكل الأساسي الذي يتعرض له مستقبل المدن هو ما يلحقها من تخريب ناتج عن العصرنة المعمارية، وفيما يخص مدينة سلا، فإن الانفجار السكاني الذي أصابها حديثا، تارة قليلة بتخطيط، وكثيرة بعشوائية، مما أدى إلى ذهاب رونق المدينة وأحالها من مدينة قائمة بذاتها إلى مجزءات متفرقة مبعثرة على مستوى مختلف المحاور الطرقية، على أن المتأثر بالتغيير في الدرجة الأولى هو الجانب الإنساني. لم تعد المدينة مجرد ملجأ للفئات الكثيفة من الهجرة القروية التي عوضت جماعات من أهل المدينة الموسرين، فضلوا المغادرة خارج الحيطان ليقطن جلهم بالعاصمة، مما فتح الباب على مصراعيه أمام مضاعفة الانفجار الديمغرافي واستفحال توالد وتكديس السكن العشوائي ومما أدى إلى ضآلة صورة المدينة وجعل ذاكرتها التاريخية ترزح تحت نير تشوهات الأحياء والإقامات المفتقرة إلى أبسط ضروريات الحياة. إن مسؤولية التفكير في إنقاذ هذه الذاكرة المنسية لتستعيد مكانتها الرمزية بين التراث تقع على كاهل أبناء المدينة خاصة الطبقة المثقفة لتضافر جهود الجميع معماريين كانوا أو اقتصاديين أو سياسيين لوضع مقاربة ناجعة في تجديد التفكير وطرق العمل ونهج الأساليب الديمقراطية بفتح باب الحوار مع المواطنين وتوجيههم وتوقيفهم على مختلف المشاكل وإشراكهم والإنصات إلى تصوراتهم لإيجاد الوسائل والحلول المقترحة. تلكم هي الصورة الحية اللازمة لترسيخ دولة القانون والديمقراطية التي يظل أمير المؤمنين سبط الرسول الأمين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله الضامن لدعمها والتي يجب العمل على الحفاظ عليها وإغنائها في جميع أبعادها المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فما هو التصور المفترض للمقومات الضرورية التي يعتمد عليها في بناء المستقبل النموذجي للمدينة؟ هو أن تسير الأعمال بروح من الشفافية والشعور بالمسؤولية والاستعداد للإنصات إلى قضايا المواطنين، وتوفير اللازم لحسن أداء خدمتهم، وأن تتضافر جهود الجميع من ممثلي السلطة والمنتخبين والسياسيين والمجتمع المدني بالتزام روح تكاملية لا تنافسية. واعتماد سياسة تمليها القيم الإسلامية والديمقراطية وسيادة العدالة والتضامن.فلنستقرئ الذاكرة التاريخية للمدينة مع الرؤى المتعلقة بالحفاظ على الهوية ومحفزات الإبداع. الحقيقة إنه بتكاثر التحسر على ما آلت إليه حاضرة سلا العريقة معقل القراصنة المجاهدين والأصالة والأمجاد، مما يلحق طبيعتها الأخاذة من نضوب، وما تتعرض له من اندثار معالمها الحضارية الضاربة جذورها في أعماق التاريخ، مع أنه لا مجال للبحث عن مبرر لنقف موقفا سلبيا مكتفين بالتفرج وتبادل إسقاط اللوم والمسؤولية بل إن الواجب يقتضي إيجاد السبل الكفيلة بإعادة الاعتبار إلى هذا الميراث القيم بما يستجيب مع النداء المولوي لعاهلنا المفدى الذي ما فتئ حفظه الله يؤكد في شتى المناسبات على إيلاء الاهتمام بالحواضر العريقة بصورة تلائم بين الوفاء للسلف وقوة الإرادة في الإبداع، وبما يعمل في نفس الوقت على حفاظ مدينة سلا على هويتها من جهة ومن جهة أخرى أن تتوفر لها المقومات حتى لا تبقى مجرد ظل لمدينة الرباط لكن لتصبحا معا حاضرتين متكاملتين. وإن مشروع العناية بضفتي أبي رقراق الذي يقام بفضل الرعاية المولوية لهو مشروع ضخم نبيل، من شأنه أن يحقق الهدف المتوخى وأن يرتقي بالمدينتين معا إلى مستوى العواصم المتوسطية بفضل ما يرسمه من حركية اقتصادية في المنطقة يتحقق معها تقديم صورة نموذجية في رقي بيئتهما وازدهار مستوى عيش أهلهما. لقد بدأت أشغال مشروع" بورقراق" في بداية سنة 2006 وهكذا أصبح الحلم حقيقة. ومن الاهتمامات الملكية تأهيل النسيج الحضري والتنمية المستديمة للمدن المغربية، وفي هذا الإطار تم يوم الاثنين 13 جمادى الأولى 1426 / 20 يونيو 2005م بالديوان الملكي وتحت الرئاسة الفعلية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله التوقيع على اتفاقية، وذلك ضمن ثلاث اتفاقيات للشراكة تهم التنمية الحضرية للرباط سلاتمارة، التي وقعها والي مدير الجماعات المحلية ورئيس مجلس جماعة سلا تتعلق بالتنمية الحضرية لمدينة سلا 2005/ 2009. وتهدف هذه الاتفاقية إلى تطوير وتأهيل النسيج الحضري للمدينة وتمكينها من مواجهة التحديات المقبلة من خلال تهيئة الطرق في جميع الأحياء وتقوية وتحسين الإنارة العمومية وتأهيل المساحات الخضراء، وتحسين النقل الحضري وإحداث مرافق اجتماعية وثقافية ورياضية وإعادة هيكلة عدد من الأحياء, وفي هذا الصدد يجب تقييم وتقويم مشروع تأهيل المدينة ومعرفة الإكراهات التي أخرت انجاز المشروع في الوقت المحدد له. وفي هذا السياق نلتمس من القطاعات الحكومية المشاركة أن تفي بالتزاماتها حتى يتحقق التأهيل في أحسن الظروف وفي الوقت المطلوب كما نلتمس من المنتخبين تجنب الاتهامات الضارة بسمعتهم وبسمعة سلا ويتركوا القضاء وسلطات المراقبة تقوم بواجبها في هذا الصدد وينشغلوا بما هو أهم كدراسة المشاريع الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وتحقيقها في الآجال المحددة لها لتأهيل سلا ورد الاعتبار لهذه المدينة التاريخية مواكبة للتطور الاقتصادي والسياحي للجهة, وفي هذا الاتجاه يجب تهييء مشروع مجالي طموح يعكس آمال المواطنين ويتناسب والعهد الجديد الذي يعتمد بالأساس على سياسة القرب والحكامة الرشيدة والإدارة بجميع مرافقها في خدمة المواطنين ، وهذا يتجلى في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي تتمثل في رفع وتحسين وترقية المستوى المعيشي للمواطن، وهذا لن يحدث إلا بوجود آفاق وتطلعات تنموية على المستوى المحلي تتمثل في تدعيم الاستثمار المحلي وتفعيل دور المواطنين في التنمية المحلية ونهج سياسة التخطيط طويلة المدى.وحسب المعطيات الاقتصادية والاستثمارية لجهة الرباطسلا زمور زعير وبخاصة المشروع الإقتصادي والسياحي لضفتي أبي رقراق، هذا المشروع الطموح والمجالي الذي سينعش المنطقة اقتصاديا وسياحيا سيخلق مناصب للشغل وحركية اقتصادية فاعلة في المنطقة ولاشك أن سلا ستلعب الدور المحرك للمجال الجهوي في إطار الموقع الحدودي مع الربا ط وفي إطار القطبية مع عاصمة المملكة . فساكنة سلا الغيورة على مدينتها مدعوة للمشاركة الفعالة والمسؤولة في مشروع التنمية المستدامة لعمالة سلا إلى التفكير بجدية في مقومات هذا المخطط المنشود الذي حظي بإجماع القائمين على الفعل السياسي بالمدينة والعمالة.