القرآن الكريم مأدبة الله تعالى أنزلها إلى أحبابه ليغتذوا منها ويسعدوا بها. القرآن الكريم هو حبل الله المتين، من اعتصم به هُديَ إلى صراطٍ مستقيم. وتعامُل المسلمين مع كتاب الله عز وجل يقوم على الطهارة، ويبدأ بالتلاوة، مع التدبّر ويُفضي إلى التطبيق مع التّعليم والدّعوة. التربية القرآنية أساسُ التّربية الرّوحية ومنبعها، ومنها تنبثق الاستقامة والعمل الصّالح وارتقاء مدارج السالكين العارفين أهل الله. فأهل القرآن الكريم أهل الله وخاصّته. وهذا الكتاب المجيد كتاب هداية وإرشاد وتربية وترقية وتقويم. وهو كذلك كتاب علمٍ وعرفان، فما شئت من مبادئ العلوم ومصادر المعارف، وماطلبت من دلالات الحقائق وطرق الاستنباط والاعتبار والاستبصار وجدتها مبثوثة في آياته البيّنات. والقرآن العظيم دستور الحياة ومنهج بناء المجتمع الصّالح ونبراس تشييد الحضارة الإنسانية القويمة النّافعة. القرآن ينبوع الحِكَم. والحكمة علمٌ وعمل، أو ممارسة لتوجيهات العلم في مضمار العمل. كتاب لايمسه إلا المطهرون: الذين طهر الله تعالى قلوبهم من مختلف الأمراض وملأها بأنوار الأسرار، وأسرار الأنوار، وحلاوة الإيمان، وشوارق الإحسان، وطوالع العرفان. هم الذين يسمو بفهومهم الإلهام إلى اقتطاف ثمار أشجار الحكمة القرآنية، واجتناء فواكه حدائقها الدانية. إنهم أهل القرآن، أهل الله، الذين أسسوا تعاملهم مع هذا الكتاب العزيز على تطهير القلب وإعداده لاستقبال غيوث الفتح، وسوانح الفهم، مثلما يحرث الفلاح أرضه ويهيئها ثم يلقي البذر وينتظر غيث السماء. القرآن الكريم غيث السماء. الغيث الذي هو أنفع للبشرية من مطر السماء. إنه أنفع لها من المطر للنبات، ومن الشمس للحياة والأبصار، لأنه الوحي الذي به تقوم الحياة، وتسعد الحياة، وتحلو الحياة. ولا تكون حياة بالمعنى الحقيقي للكلمة إلا في ظلاله الوارفة. إنها حياة القلوب والأرواح التي بها حياة الأفراد والمجتمعات وحياة المسيرة الصحيحة للإنسان على هذه الأرض بانيا، ومصلحا، وهاديا مهديا. (وكذلك أو حينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان، ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا. وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم.)