وسط أجواء احتفالية تصاحبها مجموعة من العادات النادرة، يقام العرس في الصحراء، ورغم دخول المدينة، والإندماج في التمدن بشكل متقدم، إلا أن هناك إصرارا على المحافظة على تلك العادات التي تضفي جوا من الفرحة والابتهاج ، وتبقى عادات نادرة قد لا تجدها في مكان آخر... يبدأ العرس في الصحراء عندما يذهب أهل الفتى إلى أهل الفتاة محملين بمهر في موكب يعرف ب «الدفوع» ويتكون عادة كما هو معروف لدى أهل الصحراء من الإبل، وأكياس السكر، الزرابي، الأثاث المنزلي، زينة العروس... وغيرها كثير من الهدايا، حسب قدرة كل شخص. عند وصول «الموكب» يتم استقباله بالزغاريد والأهازيج، وتتم خلال هذه الفترة عادة يتم من خلالها تجاذب شريط من الثوب الأبيض بين مجموعتين، الأولى تمثل أهل العريس، والثانية تمثل أهل العروس، وهو يعكس التحدي الذي يحصل بين أفراد العائلتين بعدها يتم عقد القران بحضور نائب العريس ووصي العروس، لتنطلق بعد ذلك الأفراح وتتعالى الزغاريد تعبيرا عن الفرح... ويقام حفل كبير بالمناسبة تغنى خلاله الأغاني، وتلقى خلاله القصائد، التي تثني على أهل العروس والعريس... المقربون أولى... من الطقوس التي لازالت سائدة عند بعض القبائل في الصحراء، حفاظهم على فكرة الزواج الداخلي، والمتمثل في تفضيل الزواج من أبناء العمومة، ويفسر الباحث في التراث الحساني «إبراهيم الحيسن» هذه المسألة بكونها راجعة إلى رغبة بعض الأسر الحفاظ على مصالح وممتلكات العائلة. إلا أن ذلك لم يمنع العديدين من أن يغيروا هذه العادة، ولم يعودوا يفكرون بنفس المبدأ. محمود (28 عاما) يقول: «لا أجد ما نعا من الزواج من خارج العائلة، بل ومن خارج القبيلة، اليوم نحن في عصر الانفتاح والكثير من الشباب تزوجوا من بنات من خارج أرض الوطن، فما بالك من خارج العائلة، فكلما ابتعد الإنسان عن أبناء عمومته في الزواج كان الأمر أفضل». أما محمد (30 عاما) فيرى أن زواج أبناء العمومة وإن كان لازال معمولا به عند البعض، غير أنه ليس شيئا ملزما، لكل اختياره، وعلى الإنسان أن يختار مايريده هو وليس ما تفرضه عليه بعض العادات... سمية (25 عاما) تقول: اليوم اختلفت الأمور تماما كثيرا ما نسمع عن أناس ربط مصيرهم بفتيات وهن لازلن في سن مبكرة، أما اليوم الوضع مختلف تماما ولكل حريته الشخصية في اختيار ما يريد ومع من سيواصل حياته: أما سعيد (31 عاما) يقول: «أنا اخترت المرأة التي أردت، لم يفرض علي أحد الزواج من قريبتي أو ابنة عمي... واليوم أعيش ولله الحمد حياة مستقرة، المهم هو ما يختاره القلب...». وبمقابل الآراء التي تقول بضرورة الزواج من الأقارب يبرز المثل الحساني «بعَّد من دمَّك لاَ يَمْلاك». ومعناه، ابتعد عن دمك كي لا يملأك وهي قاعدة يتخذها البعض في اختيار الشريك المستقبلي. غلاء ونفور أدت الطفرة المهمة على مستوى قيمة المهور، الى عزوف الكثير من الشباب عن الزواج، فالمناسبات أصبحت مجالا للإفتخار والتباهي بين العائلات ، والتي تصر على إقامة حفلات زفاف بتكاليف كبيرة جدا. أحمد (34) عاما يقول: لا أرى في الأمر عيبا إذا كان يتعلق بليلة العمر فمهما كانت التكاليف فذلك لا يهم مادام أن الأمر يتعلق بليلة لا تتكرر مرات عديدة. أما سعيد (29 عاما) يرى العكس تماما، فهو يرى أن حفلات الزواج الآن أصبحت مجالا للتباهي لا أكثر، جميل أن نحافظ على تقاليدنا لكن كل حسب قدرته، يضيف سعيد، وبعد ابتسامة قصيرة يقول: أنا أعرف أشخاصا ليس لهم قدرة على إقامة حفلات زفاف ضخمة، ورغم ذلك أقاموها وظلوا يسددون أقساط الديون مدة طويلة. مريم (27 عاما) تؤكد أنها تصر على أن يقام حفل زفافها بشكل يجب أن يشرفها، فالأمر يتعلق بليلة العمر كما تقول مريم، وحفاظنا على عاداتنا الاحتفالية لا يضاهيه ثمن. عادات مميزة لعل من الأمور المميزة في الزواج بالصحراء، هو تلك العادات التي مازالت الأجيال المتلاحقة تصر على المحافظة عليها، باعتبارها موروثا يعكس عن المنطقة، ومن أهم ما يميز الزواج في الصحراء كونه يتميز ببروز الاختطاف كعادة تعكس حدة المنافسة بين أصحاب العريس وحلف العروس، هذا الأخير الذي تقضي التقاليد بسعيه إلى إخفائها بعد «اختطافها» من طرف صديقاتها، وعلى الرجل و«حلفه» من أصدقائه أن يبحثوا عنها ويحرروها في الوقت المناسب، وإلا وجب على العريس دفع ثمن لافتداء عروسه. يرتدي العريس خلال حفل الزفاف «دراعة» بيضاء وسروالا أبيض وبلغة بيضاء ولثاما أسود، ويضع في يده شرائط من الجلد المزخرف، يضرب بها كل من يتجرأ عليه من أهل العروس خلال عملية «الاعتراك بين الحلفين». وترتدي المرأة لباسا من قطعتين قطعة ثوب أسود وقطعة ثوب أبيض، وتجلس إلى جانب العريس دون أن تكشف عن وجهها. وتعد الحناء واحدة من الطقوس التي لازالت مستعملة في تجهيز العروس وتزيينها. ويلاحظ الأهمية القصوى التي توليها المرأة للحناء، باعتبارها واحدة من أهم مكونات التزيين في الصحراء. ويؤدي العريس خلال حفل الزواج قدرا من المال لفك حلية من حلي العروس التي تحتجزها - لمعلمة - وفي ذلك تعبير رمزي عن مدى حبه لها وتعلقه بها. حفاظ على التراث وعي الشباب بأهمية الحفاظ على التراث، جعل من حفلات الزفاف التي تقام في الصحراء، محافظة على نفس الطقوس، فرغم كل ما يقال، فإن العرس في الصحراء يعد واحدا من المظاهر الاحتفالية ذات الطابع المميز، الذي يجعل من عيون الشغوفين بالتراث، بصفة عامة، يرصدونها ويشجعون الحفاظ عليها باعتبارها أحد أهم روافد الثقافة الحسانية.