لم يجف بعد مداد توصيات القمة العربية الاستثنائية بمدينة سرت الليبية ، حتى بدأت تطفو على السطح الخلافات العربية (الخالدة) حول موضوع من الأهمية بمكان . يتعلق الأمر بمنظومة العمل العربي المشترك. وكالعادة ، هناك المؤيدون ، وهناك المعارضون، وهناك من هُمْ لا في العير ولا في البعير، وأغلبهم مع«اللهم انصر من أصبح». ما العيب ، مثلا، في استبدال اسم جامعة الدول العربية باسم آخر يتم الاتفاق عليه لا أن يتم الاتفاق على ألاَّ يتفقوا..؟ ماذا يضير النظام العربي أن يتم التغيير من أجل تحقيق قفزة نوعية إلى الأمام مادام أن الاقتناع موجود بأن هذه الجامعة لم تجمع الدول العربية إلا من أجل الاجتماعات المغلقة ؟ ومن حسن الحظ أنها مغلقة ، ولو كانت مفتوحة ومُباشِرة لَوَقَف المواطن من المحيط إلى الخليج ، مشدوها، على الدَّرَك الأسفل الذي يصل إليه بعض قادته من السِّباب والشتم فيما بينهم. وهناك من لا تخلو أيّ قمة عادية أواستثنائية من شطحاته وتوجيه سهام القذف يمينا وشمالا.. ماذا تغيّر في جامعة الدول العربية منذ المرحوم عبد الرحمن عزام إلى طيِّبِ الذِّكْرِ عمرو موسى ؟ عرفت أوربا منذ بداية وضع الحجر الأساس لاتحادها، كيف تجمع أعضاءها ، المعنيين بالاتحاد، أوًّلاً في إطارالمنظمة الأوربية للفحم والفولاذ؛ وتركوا فكرة الاتحاد تختمر وتنضج مع العمل على تقويتها بالأسس الصلبة والضرورية قبل الانتقال ، في مرحلة ثانية، إلى السوق الأوربية للطاقة، ثم ، في المرحلة الثالثة ،إلى منظمة السوق الأوربية المشتركة التي كانت لها القدرة على استيعاب أعضاء آخرين.. ثم إلى الاتحاد الأوربي ، في المرحلة الرابعة ولعلها الأخيرة الذي عرف توسعا ملفتا ربما لم يكن يدور في خلد كثير من الاستراتيجيين الأوربيين وغير الأوربيين، وذلك باضطرارهم لقبول فكرة انضمام دول (شرقية) كانت ، بالأمس القريب، من ألدِّ أعدائهم. وما زالت «قشَّابة» الاتحاد قابلة للتوسع ، خاصة أن طموح أوربا كبير في أن تصبح قوة تضاهي قوة الولاياتالمتحدةالأمريكية إنْ لم تكن تفُوقُها أو تخلفها في زعامة العالم في الآتي من الأيام، وذلك بفضل الأداء الجيد والمرن والمتناسق لمختلف الدواليب التي تشرف وتسهر على سير قطار الاتحاد الأوربي العالي السرعة. هذا الاتحاد الأوربي يطل على العرب من الضفة الشمالية والشرقية وما جاورهما للبحرالأبيض المتوسط؛ والتعامل بين العرب والأوربيين موجود على أكثر من صعيد وعلى مختلف المستويات ، كما أن السحر الأوربي حاضر في أغلبية العواصم العربية ، وله تأثيره الخاص.. ومع ذلك لم يُثِر أيّ شيء من هذا وغيره حَمِيَّةَ العرب وغيرتهم في الانتفاض على أنفسهم والشروع في بناء قواعد صحيحة للبيت العربي القديم الجديد. لن أسرد المعطيات البديهية( التاريخية والجغرافية والثقافية والدينية والعرقية والنفسية..) التي تعتبر أساسا ممتازا لأيّ وحدة واندماج ، وليس فقط لاتحاد أو تجمُّع. وأكتفي بالقول أنه في غياب الإرادة الحقيقية للتغييرلن تقوم قائمة لأيّ كيان ولو كان يتوفر، في جوفه، على عناصر تكتُّلِه ووحدته .. النظام العربي ، ياقوم، استمرأ حالة السكون والخمول التي يوجد عليها وفيها منذ تأسيسه . ومن الطبيعي جدا أن يرفض جسمه المنهك الخضوع لعملية تجميل أو تقويم تعيد إليه بريقه وحيويته. وما دام الأمر كذلك، فلن يتفق الأعراب ، لا في قمة عادية ولا في قمة استثنائية، لا على منظومة ولا على معزوفة ، بينما العالم من حولهم يدور، وهم يخوضون في توقيت المؤتمر المقبل ومكانه. ويعلم الله ماذا يجري حول القضايا المصيرية الكبرى. إن دواليب جامعة الدول العربية معطّلة بفعل ما طالها من صدأ . وحتى عملية التزييت والتشحيم التي يقوم بها الخبراء بين الفينة والأخرى ، لا تفيد كثيرا. والمطلوب استبدالها بدواليب جديدة وعصرية وصلبة.... [email protected]