تعد بداية فصل الخريف عامة وشهر أكتوبر خاصة موعدا للدخول الجديد في الحياة السياسية،وهو ما يصطلح عليه بالدخول السياسي،وهو دخول له عدد من الفاعلين المعنيين بالشأن السياسي سواء من قريب أو من بعيد،علما أن بجانبه ثمة ما يعرف بالدخول الاجتماعي والدخول الاقتصادي وغير ذلك من أنواع الدخول. وفي تقليد البلدان الديموقراطية يتم الدخول السياسي باغتنام كل فاعل سياسي، من حكومة وبرلمان وأحزاب سياسية ومركزيات نقابية ومجتمع لمدني، مناسبة شهر أكتوبر ليبرز فيه ما تم إعداده من مبادرات سياسية تنموية شجاعة فاعلة بشكل إيجابي في المشهد السياسي، تشكل قيمة مضافة نوعية هامة، تبرز بوضوح تميزه عن غيره بما يحظى به من أطر كفأة في الحقل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. ورجوعا إلى الحقل السياسي المغربي يبرز بكل موضوعية أن ثمة فاعلين معدودين شرعوا في تهيئ دخولهم السياسي والإعلان عن خطوطه العريضة،بينما فاعلون آخرون يجهلون كلية أن ثمة دخولا سياسيا في الحياة السياسية،ولا يزالون غارقين في سباتهم العميق. لاشك أن الحكومة شرعت في تحديد معالم دخولها السياسي بشكل مبكر،حيث برزت بشكل واضح في قراراتها الاحتجاجية ضد إسبانيا بشأن الاعتداءات العنصرية المتطرفة بكل من سبتة ومليلية،وبرزت في ملف الوحدة الترابية بمنابر الأممالمتحدة بشأن الخرجات السلبية لكل من الوسيط الأممي والجزائر،وكذا بشأن قضية المناضل الصحراوي المغربي مصطفى ولد سيدي مولود سلمى، دون إغفال نجاح الحكومة في إصدار مدونة السير مع ما تتطلبه من ترسانة تشريعية وعتاد لوجستيكي ومالي وبشري ينهض بإشكالية نزيف ضحايا حوادث السير على الطرقات المغربية ،وكذا الشروع في فتح الحوار بشأن مشروع قانون المالية الجديد الذي برزت معالمه الأساسية ابتداء من الآن،وغير ذلك من الأوراش. وإن المغاربة لا يزالون ينتظرون الدخول السياسي للمؤسسة البرلمانية،التي خرجت مع كامل الأسف في آخر السنة غير راضية عن نفسها،كما جاء على لسان رئيسي غرفتيها،نظرا لظواهر الغياب والترحال وعدم انسجام الغرفتين معا وتردي وضعية المعارضة البرلمانية الشكلية، وبالتالي ينتظر ابتداء من الجمعة الثانية من شهر أكتوبر الحالي بروز معالم جديدة للمؤسسة البرلمانية. ويبقى بارزا على المستوى غير الرسمي أن الهيئات النقابية تهيئ نفسها لدخول سياسي صعب،حيث بدأت تلوح بالدخول في تصعيد تدريجي ضد بعض القطاعات الحكومية،مرة ضد وزارة العدل ومرة ضد وزارة المالية ومرة ضد وزارة التربية الوطنية ومرة ضد وزارة التشغيل وغيرها،علما أن بعضها فشل فشلا ذريعا في إضرابه المخدوم ضد مدونة السير الجديدة ،بعد سبق مصادقتها عليها. وإن الدخول السياسي للأحزاب السياسية لا يزال مثار تساؤل الجميع، حيث أن هذه الأحزاب وخاصة الكبرى منها لا تزال تتخبط في بعض مشاكلها التنظيمية،وينتظر أن تجتمع هياكلها التقريرية في شهري أكتوبر ونونبر من أجل اتخاذ قرارات سياسية شجاعة من للنهوض بالمشهد السياسي الضعيف ،حيث بدا واضحا أن حزب الاستقلال هو أحد الأحزاب القليلة التي أعلنت عن اجتماع هيئاتها الوطنية والمركزية في الأيام القليلة المقبلة، من أجل التداول في القضايا الحساسة والحيوية للدخول السياسي المقبل. وإن مما يؤسف له أن الأحزاب السياسية الكبرى وهي تخطط لوضع خارطة طريق سياسية جديدة للدخول السياسي المقبل فإن أحزاب المعارضة البرلمانية بدأت تلوح بدخول سياسي عدواني على الحكومة وعلى أحزاب الأغلبية الحكومية،مما يطرح تساؤلات عميقة عن الروح والغيرة الوطنية التي من المفروض أن تتصف بها هذه المعارضة الحزبية،وعن افتقادها لبعد الرؤية السياسية في تحليل الأوضاع وفي تدبير الشأن العام من زاويتها الاعتراضية. إن المغاربة المتتبعين للشأن السياسي يستغربون للدخول السياسي البهلواني للمعارضة البرلمانية،حيث اندهش الجميع كيف لمعارضة سلفية تنبش في ملفات قديمة كملف أحداث 16 ماي الإرهابية،وهي تعاني من نزيف وترحال العديد من أطره ومنتخبيه نحو أحزاب أخرى ،بعدما يئسوا من الوضع المتردي داخل هذا التنظيم السياسي،دون إغفال اقتتال نقابيي مركزيته النقابية فيما بينهم من أجل إقرار قواعد الديموقراطية داخلها. واندهش المغاربة أيضا لدخول سياسي لتنظيم سياسي معارض آخر جديد على الساحة السياسية ،حيث شرع في دخوله هذا بإعلان الحرب على الحكومة وعلى أحزاب أغلبيتها،مشيرا إلى أن همه هذه السنة هو نقد العمل الحكومي،وذلك لإقناع المغاربة في استحقاقات 2012 المقبلة على أنه «المهدي المنتظر»،حيث أنه أصيب بالسعار السياسوي في حملته القبلية لهذه الاستحقاقات،وشرع بشكل مبكر في هدم كل منجزات الحكومة ،وهو ما لمسناه أثناء عرض الوزير الأول لتصريح منتصف الولاية الحكومية أمام البرلمان،معلنا أن كل الأوراش هي أوراش ملكية وأن كل المنجزات التنموية هي منجزات ملكية،ضحكا على ذكاء المغاربة وفطنتهم . إن المغرب وهو يمر بأزمة مالية عالمية الطابع والطبيعة،وبوضع دقيق في قضية وحدته الترابية،وبوضع دقيق على مستوى سلمه الاجتماعي والاقتصادي ،لا يسمح سوى بتفكير الجميع في كيفية تقوية الجبهة الداخلية والخارجية عوض التفكير في هاجس انتخابات 2012 بعيدة الأوان، وبالتالي على المعارضة أن تكون وطنية وبناءة عوض رسم سياسة عدوانية ضد الحكومة وأحزابها المساندة لها ،حيث لم يعد الوقت يسمح اليوم بخلخلة استقرار المغرب نبإشعال فتيل النعرات والصراعات النقابية ضد الحكومة ،كما سجلناه على مستوى مدونة السير أو على مستوى العديد من المجالس البلدية كمجلس عاصمة المملكة الإدارية أو عاصمة المملكة العلمية بفاس وغيرها،وعلى مستوى استراق منتخبي الأحزاب السياسية البرلمانيين والمحليين بالضغط والترهيب وما شابه ذلك،لقد صح قول القائل بأن ورش البناء صعب وشاق لكن النقد سهل المذاق.