الآن تنتهي، رسميا، الحرب التي لم يكن ينبغي أن تشن في العراق. يجب الاعتراف بالفضل للرئيس باراك أوباما، لأنه وعد بالانسحاب والتزم بتنفيذه. لكن مسؤوليات أميركا في العراق لن تنتهي الآن. فرغم مغادرة القوات القتالية، سيبقى نحو 50 ألفا آخرين كمستشارين حتى نهاية العام 2011. والمسؤولون الأميركيون أمامهم الكثير من العمل في مساعدة السياسيين العراقيين ، وتحفيزهم لبناء دولة مستقرة وديمقراطية إلى درجة مقبولة. الرئيس أوباما ألقي خطابا من المكتب البيضاوي، هو الثاني خلال رئاسته؛ تحدث خلاله عن العراق، وعن حقيقة أن «أكثر الجهود والتركيز منصب على أفغانستان». الأميركيون يزدادون تحفظا، وربما يأسا، بشأن تلك الحرب. والرئيس الأميركي بحاجة لبذل المزيد من الجهد لتوضيح المخاطر المتوقعة واستراتيجيته في هذا الصدد. هل لا تزال خطة «مكافحة التمرد» تمثل أفضل الفرص لقهر طالبان؟ ما الذي يفترض أن يتوقعه الأميركيون بشأن تصرفات الرئيس الأفغاني حامد قرضاي؟ ما هي خطط الرئيس أوباما لمنع باكستان من مواصلة لعب دور مزدوج، وحتى تتصدى للمتشددين؟ يحتاج الرئيس أوباما أيضا إلى الحديث عن العراق، وتذكير الأميركيين بأنه بعد سبع سنوات من القتال، لا تزال على أميركا مسؤولية، وأن لها مصلحة استراتيجية في مساعدة العراق على النجاح. البيروقراطية الأميركية، التي نخشى أنها تتحرك بالفعل في الاتجاه المعاكس، تحتاج لأن تسمع الرسالة بصوت عال وواضح. الشيء نفسه ينطبق على العراقيين. الكثير مما يجري على ساحة السياسة العراقية هو لعبة خاسرة. بعد خمسة أشهر من الانتخابات العامة، لا يزال الزعماء العراقيون عاجزين عن تشكيل حكومة. كما أن قائمة المهام التي لم تنجز، تطول، وفيها قانون النفط، ومستقبل كركوك، وغيرهما. وإذا اعتقدوا أن واشنطن ترفع يدها ، فان ذلك سيزيد الأمور سوءا. سيراقب أكراد العراق الأمر عن كثب، فقد كانت أميركا المدافع عنهم منذ حرب الخليج. وإذا شعروا بالخوف من أن يتركوا وحدهم، فقد يرتكبون حماقة أو تصرفا خطيرا في منطقتهم المتنازع بشأنها. ويحتاج الرئيس أوباما أن يشدد على سيادة العراق لردع القوى الإقليمية الطامعة. قد تمر عقود قبل أن تتوفر لدينا صورة صحيحة وكاملة عن هذه الحرب الكارثية، ولكن هذه المناسبة المهمة تحتاج إلى كشف حساب مؤقت. إسقاط نظام الرئيس السابق صدام حسين وتفعيل الديمقراطية، من الأمور الإيجابية، لكنها تتلاشى أمام أمور سلبية كثيرة أخرى. لقد غزا الرئيس الأميركي جورج بوش(الإبن) العراق عام 2003 بحثا عن أسلحة الدمار الشامل، ودافع عن ذلك السبب حتى بعد فترة طويلة من ثبوت عدم وجود مثل تلك الأسلحة. ولم تبرأ مصداقية أميركا من ذلك الكذب، بعد. كبدت الحرب أميركا أكثر من 4400 قتيل، علاوة على نحو 100 ألف مدني عراقي، ومئات المليارات من الدولارات. وقد حولت حرب العراق أيضا، وبشكل كارثي، الانتباه والتمويل عن حرب أفغانستان، الأكثر أهمية. فحركة طالبان، التي استأصلتها القوات الأميركية والأفغانية بعد 11 شتنبر، استعادت القدرة القتالية في ساحة المعركة سريعا، عندما أهملها «البنتاغون» والبيت الأبيض، وتحولت الحربان إلى عبء ثقيل على القوات الأميركية. ورغم أن أعمال العنف المفرطة قد خفت حدتها، فان المتمردين قد زادوا من هجماتهم في الشهور الأخيرة، متحدين الجيش العراقي وقوات الشرطة، في الوقت الذي يتسلم الجهازان مزيدا من المسؤولية الأمنية في العراق (الأميركيون سيساعدون فقط إذا طلب منهم ذلك). والشلل السياسي يدفع العراقيين للتساؤل عما إذا كانت الديمقراطية تستحق كل هذا العناء. أمر محرج للغاية! مستقبل العراق في أيدي العراقيين الآن، كما ينبغي له أن يكون.. ولكن أميركا لا تستطيع أن تتخلى عن مسؤوليتها. «نيويورك تايمز» الأمريكية