الدعوة الإسلامية ومجابهة الشبه التي يثيرها أعداء الإسلام في كل وقت وحين من الأمور الأساس التي وقف عليها المرحوم العلامة عبد الله كنون حياته، وكان لا يترك مناسبة أو حادثا يستدعيان الرد أو التوجيه بالقول أو الكتابة إلا بادر باتخاذ لموقف المناسب، وله في هذا المجال إنتاج غزير ومواقف مشهورة سواء في كتاباته أو في دروسه الوعظية التي كان يلقيها في مناسبات رسمية (دروس حسنية) أو غير رسمية، وقد رأيت من المناسب ونحن في شهر رمضان التذكير ببعض مواقف الرجل في هذا الباب سواء باعتباره الشخصي أو باعتباره أمينا عاما لرابطة علماء المغرب. بعدما توقفنا في حديث الجمعة الأخير عن الكلام على العلامة المرحوم عبد الله كنون نستأنف الكلام عن هذا العلامة الذي كان له دور مهم في حياتنا الفكرية والعلمية والدينية وإذا كان الحديث الأخير خصصناه لدوره الوطني الفاعل في الجهاد ضد المستعمر فإننا سنحاول في هذه الحلقة ان نواصل الكلام عن دوره في قيادة رابطة علماء المغرب. مسؤولية نخبة العلماء اشرنا في حديث سابق إلى المؤتمر التأسيسي للرابطة وانتخاب المرحوم العلامة عبد الله كنون للأمانة العامة لهذه الرابطة كما اشرنا إلى النداء الصادر عن الجمعية في ذلك المؤتمر والذي كان موجها إلى الأمة المغربية من نخبة متميزة هي نخبة العلماء الذين أناط الله بهم مسؤولية توجيه الأمة وإرشادها إذ علماء هذه الأمة كما ورد في الحديث يقومون مقام الأنبياء في بني إسرائيل أي يجددون للأمة إيمانها وينبهونها بالقول والعمل إلى ما يجب ان تقوم به في سبيل صيانة العقيدة وحمايتها، وفي سبيل الدفاع عن الشريعة وأحكامها، وعندما نرجع إلى مرحلة التأسيس نجد ان المجتمع المغربي والإسلامي بصفة عامة يجتاز مرحلة دقيقة تستوجب تعبئة العلماء للدفاع عن القيم الإسلامية المهددة آنذاك بأمور كثيرة أهمها قيام أنظمة سياسية في كثير من البلدان الإسلامية ليست على وفاق مع التوجهات الإسلامية في كثير من القضايا الهامة التي تعتبر من صميم العقيدة والشريعة. بعض مظاهر الحياة العامة ويمكن هنا ان نشير إلى بعض المظاهر السياسية والعقدية في المجتمعات الإسلامية التي كان لها تأثير في مواقف مختلف الفاعلين من مثقفين وسياسيين وعلماء متخصصين في الشريعة الإسلامية من ذلك: 1/ لقد نالت الكثير من المجتمعات الإسلامية استقلالها حديثا وكان من يتولون القيادة فيها في أغلب الأحيان ذوي توجهات علمانية وان كانوا يحاولون إخفاءها ولكنها تظهر في مجال العمل والتشريع. 2/ كانت النزعة الاشتراكية أو ما يعبر عنه بالاشتراكية العلمية تستهوي الكثير من النخبة في المجتمعات الإسلامية حيث تأسست أحزاب لها توجه واضح في هذا المجال. وبدأت تستقطب الشباب مما كان له أثر سلبي على الجانب الإيماني لدى البعض من فئات الشباب والبسطاء وذوي التكوين الثقافي في مستويات مختلفة. 3/ تتصف الحياة السياسية في البلاد الإسلامية بالانقلابات والانقلابات المضادة حيث استولى العسكر على الحياة السياسية في بلدان كثيرة وأصبحوا يوجهونها كما يريدون وفي كثير من الأحيان لم تكن لدى هؤلاء مؤهلات علمية أو سياسية لتدبير الأمور ولكن كان بأيديهم السلاح والمال والسلطة من طبيعة الحال. 4/ اشتداد الحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية والغربية وانحياز بعض الحاكمين في العالم الإسلامي إلى هذه الكتلة وانحياز البعض الآخر إلى الكتلة المضادة، فاشتد الصراع بين المسلمين تبعا للصراع الحاصل بين الكتلتين وليس مبنيا على مصلحة الإسلام والمسلمين أو مصلحة الشعوب الإسلامية التي يحكمها هؤلاء. 5/ خلق صراع مفتعل بين المسلمين بناء على صراع الدولتين القطبين في الحرب الباردة بحيث يرمى البعض بالرجعية والتبعية لكتلة الامبريالية الرأسمالية وينعت البعض بالإلحاد والانحياز للكتلة الشرقية ذات الأفكار والتوجهات الهدامة. وفي هذا الصراع ضاعت مصالح الشعوب من طبيعة الحال. 6/اتخذ بعض الحكام مواقف صادمة تجاه الأحكام الإسلامية بل تجاه ما هو معلوم من الدين بالضرورة كالصيام مثلا حيث شاع أكل رمضان لدى البعض وهذا مظهر من مظاهر الانحراف السائد آنذاك في المجتمعات الإسلامية ولدى بعض القادة. 7/ كان الإعلام في أغلبيته موجه من طرف اليسار المناوئ للمبادئ الإسلامية والقيم الدينية وكان هذا الإعلام يشخص الدين أو الإسلام في جماعة معينة أو في أشخاص معنيين أو في مواقف محددة ويشجعون القائمون على شؤونه إصدار بعض الكتب والمؤلفات المناوئة للدين. 8/ بروز بعض النحل الهدامة والمنحرفة عن الإسلام والتي تستغلها بعض الجهات المشبوهة لتشويه الإسلام وخدمة أهداف صهيونية استعمارية تنصيرية مثل البهائية التي كان نشاطها ملحوظا في الوسط المغربي آنذاك. 9 / نشاط تنصيري في البلدان الإسلامية حيث عملت الكنائس النصرانية أكثر من جهد للدعوة للتنصير بوسائل مختلفة مستغلة فرصة الصراع القائم بين التيارات السائدة في المجتمعات الإسلامية وفي هذه المرحلة بالذات انعقد المجمع المسكوني بروما سنة 1962 والذي خرج بقرارات تستهدف الإسلام والمجتمعات الإسلامية. المغرب ليس بعيدا عما يجري 10/ ولم يكن المجتمع المغربي بعيدا عن هذا كله ولا عن الصراع الذي تعرفه بقية المجتمعات الإسلامية من الوجهة الدينية والعقدية نعم لم تكن القيادة في المغرب تعادي الدين أو تحاربه ولكن المجتمع كان يغلي وتوجد فيه العناصر التي تؤيد هذا التوجه أو ذاك أو تتبنى هذا الموقف أو ذاك في هذا الجو المضطرب كان على جمعية رابطة العلماء ان تتخذ المواقف الضرورية في المشاكل المطروحة آنذاك في المجتمعات الإسلامية إذ ينص قانونها الأساسي على خدمة الدعوة الإسلامية ومساعدة الأمة الإسلامية في التغلب على ما يواجه الدين من أعدائه، وبالأخص المجتمع المغربي، والتي تتطلب رأي العلماء اما بشكل جماعي أو باعتبارهم الشخصية الفردية وقد كان العلامة عبد الله كنون يتخذ المواقف الضرورية التي يراها بالصفتين معا فتارة يتخذ الموقف شخصيا فيكتب مقالا أو دراسة أو بحتا في موضوع مطروح على ساحة البحث والدراسة وتارة يتطلب الموقف ان تصدر الرابطة فتوى أو بيانا في موضوع معين، وهكذا اتخذت الرابطة موقفا من غلة البهائين المطروحة على المجتمع المغربي في بداية الستينات من القرن الماضي في مقال نشر يناير 1963 للرد على المنارات وعلى صاحبها. الرد على شبه المنصرين وليس هذا جديدا على موقف الأمين العام للرابطة الذي كان في الواقع يرسم سياسة الرابطة، فالعلامة عبد الله كنون كان متصديا منذ البداية لترهات المنصرين والمبشرين وطعونهم والشبهات التي يثيرونها في وجه المسلمين وبصفة خاصة السدج منهم ولا بأس هنا من استعادة ما سبق لي نشره في هذا الصدد في كتاب (نظرات في سورة الأنفال)، ويرجع تاريخ رد الأستاذ العلامة عبد الله كنون إلى سنة 1936م ونشره تباعا في مجلة الهداية الإسلامية المصرية وطبعه كتابا مستقلا في المطبعة المهدية بتطوان عام 1946 يقول في مقدمة الكتاب: حمل إلى مسلم غيور كتيبا صغيرا في نحو ثلاثين صفحة، اسمه «الأقاويل القرآنية في الكتب المسيحية» وقال لي: إنه وجد جماعة من المبشرين الإنجيليين يوزعونه مجانا بين المارة في شارع عمومي، فتطاول لأخذ نسخة منه، فما حصل عليها إلا بشق الأنفس، لكثرة الزحام على طلبه من العوام والصبيان وأشباههم، فعلمت حينئذ أن وراء الأكمة ما وراءها، وما اطلعت منه على ثاني الوجهين حتى تحققت أنها حيلة شيطانية من حيل هؤلاء الدعاة الممقوتين، اتخذت آيات الله ستارا، والاحتكام إلى القرآن شعارا، ليروج باطلها على السذج والاغرار، ومن في حكمهم ممن لا يميزون بين نافع وضار. ولما كانت الفكرة التي بنى عليها هذا الكتيب هي الدعوة إلى التمسك بالكتاب المقدس باعتباره وحيا منزلا من السماء، لم يعتريه تبديل ولا تغيير، ولذلك فالعمل به باق مستمر ولو بعد نزول القرآن. لأن القرآن لم ينسخه ولم يبطله، بل أثبته وصدقه، وكانت هذه المسألة من الأمور الجوهرية في الاعتقاد، وقد يقع ذلك الكتيب في يد من لا يدري حقيقته فيغتر به، لا سيما وهو مشحون بالآيات القرآنية وأقوال المفسرين التي يتوهم مؤلف الكتيب أنها شاهدة له، ولا يعلم أنها حجة عليه. رأيت أن أتتبع مواضع الخطأ فيه، منبها على ما كان منها بسوء فهم، أو سوء قصد. وقد كان يكفيني في بلوغ الغاية من هذا الأمر الاستشهاد بالقرآن المبين وحده، لأن الخصم وإن كان لا يؤمن به فهو يتظاهر بتصديقه فيما توهمه حجة على المسلمين في تركهم الأخذ بالكتاب المقدس، ولكني مع ذلك سأكثر من الاستشهاد بغير كلامه تعالى، من أقوال العلماء من المسيحيين والمسلمين، ومن الكتاب المقدس نفسه، لتتم فضيحة المبشرين الذين يهرفون بما لا يعرفون، ويكابرون في الواقع المحسوس ولا يخجلون». موقف سياسي شجاع لقد رأينا من الضروري التذكير بهذا الموقف لربط ماضي الرجل في الدفاع عن الإسلام وما يقوم به وهو على رأس رابطة علماء المغرب وإذا كان اتخاذ موقف سياسي من لدن العلماء من الأمور التي أصبحت موضوع أخذ ورد فإن العلامة المرحوم كنون لم يكن هذا الأمر بالنسبة إليه كذلك. ولذلك فقد اتخذت الرابطة تحت رئاسته موقفا من دستور 1962 وعبرت عنه في مقال صدر في جريدة الميثاق بتوقيع عبد الله كنون ونظرا لأهميته السياسية والتاريخية نورده بنصه كاملا: «عقدت الأمانة العامة لرابطة علماء المغرب اجتماعات شاركت فيه هيأة المديرين لمعاهد التعليم الأصيل من اجل تحديد موقفها إزاء الدستور وقد تواعد أعضاء الأمانة على هذا الاجتماع بعد ان درسوا مشروع الدستور دراسة وافية فكان الاجتماع مخصصا لإبداء آرائهم وان امتد من صباح يوم الخميس 4 جمادى الثاني 1382 إلى مسائه وأعيدت قراءة الدستور غير مرة. وكانت الملاحظة الأولى التي توافق عليها العلماء كلهم، هي أنهم لم يتساووا في الأمر مع ان حدثا خطيرا مثل هذا لم يكن ليقع قبل دون استشارة العلماء. وقد أعيد للذاكرة ما كان من تأمر على العلماء حتى ابعدوا عن كل استشارة وعن كل مشاركة في أمور الدولة على ان العلماء قد تساووا مع غيرهم من الطبقات والهيئات في عدم استشارتهم في هذا الأمر واعتبر الاستفتاء بمثابة الاستشارة العامة. ولوحظ أيضا ان كون اللغة العربية هي لغة البلاد الرسمية لم يذكر إلا في الديباجة مع الخلاف في كون الديباجة من صميم نص الدستور ام لا، وعدم التنصيص على عروبة المغرب ووحدة المغرب العربي والاكتفاء عنها بالمغرب الكبير، كما لوحظ عدم التنصيص على ان قوانين الدولة يجب ان تستمد من الشريعة الإسلامية، وان ولاية العهد لم تقرن بالبيعة التي هي شرط أساسي في الأمانة العظمى، ولكن بما ان هذه المسائل قابلة للاستدراك في اللوائح التكميلية للدستور أو في نفس النص الدستوري، اذ هي ليست من المستثنيات التي لا يقع فيها تبديل ولا تغيير فقد ارتأى العلماء ان يضمنوها في مذكرة خاصة يرفعونها إلى جلالة الملك بعد انتهاء حملة الاستفتاء ليلا يشوشوا بها على الرأي العام على ان العلماء قد سجلوا بارتياح البنود التي تؤكد على إن المملكة المغربية دولة إسلامية، وان الإسلام دين الدولة وان الملك هو حامي الدين وان النظام الملكي والنصوص المتعلقة بالدين الإسلامي لا ينالها التغيير، اما بالنسبة إلى الملكية فان هذا هو مبدأ العلماء الذي لا جدال عندهم فيه، وأما بالنسبة إلى الدين فان تلك البنود وان كانت تقرر أمرا واقعا إلا أن التنصيص على هذا الأمر في الدستور والتأكيد عليه بهذه القوة يعطي حجة للعلماء في مقاومة كل انحراف عنه، وقد كان يقع هذا الانحراف من كثير من المسؤولين. والمبدأ مقرر في القانون الأساسي فكيف إذا سكت عنه، وزادت هذه البنود فنصت على ان الملك هو حامي الدين، وهذا النص من الأهمية بمكان بحيث نعتقد ان غير الحسن الثاني بم يكن ليضع هذا البند في الدستور الذي يصبح حجة عليه في كل وقت. وفوق هذا فإن من أقوى العوامل التي جعلت العلماء يصوتون بنعم على الدستور، الضرورة الملحة على الخروج بالأمة من عهد الاستغلال والارتجال والفوضى الذي عانت منه ما عانت...» في وجه دعاة الإلحاد أشرنا في وصف الحالة العامة في المجتمعات الإسلامية إلى ظهور بعض الفئات التي تدعو إلى الإلحاد وفي هذا السياق كذلك كتب المرحوم عبد الله كنون مقالا منددا بهذا النوع من الدعوات جاء فيه: «نشرنا في العدد الماضي رسالة جاءت من بعض شباب طنجة الغيار تتحدث عن نادي الإلحاد فتح بهذه المدينة تحت اسم نادي الحرية وقد جاءتنا رسالة أخرى في الموضوع لكاتب فاضل فيها زيادة بين عن القائمين بهذا النادي... الأمر إذن جد خطير، وقد كنا تساءلنا في العدد الماضي عمن يحرك هذه العصابات والحقيقة إنها عصابات تتصدى لتحدي شعور المومنين والقضاء على مقومات الشعب المغربي فلم ننسى مأساة الناظور القريبة العهد التي مزقت أواصر المجتمع الريفي البريء ففرقت بين المرء وزوجته والأخ وأخيه وسجن فيها عدد من المخدوعين الذين لا يزالون تحت طائلة العقاب. انه مما لاشك فيه ان هناك أصابع خفية تحرك هذه الدمى وتتوسل بها إلى تشكيك المومنين في دينهم وتحويلهم عن عقيدتهم، وإلا فان هؤلاء المتبجحين المغرورين أحقر من ان يتقدموا لحركة هدامة مثل هذه، وان يفتحوا لها ناديا ويتحملوا المسؤوليات المادية والأدبية التي تترتب عليها. ان المبشرين المسيحيين والدساسين كما رأوا ان مواجهة العموم بدعوتهم إلى الارتداء عن الإسلام واعتناق ما يرجون له من نحل فاسدة ومذاهب كاسدة لا تأتي بنتيجة سارة وهاجلة اتخذوا هذه المطايا وسيلة لبلوغ اربهم عن طريق سهل وقاصد هو بث سموم الإلحاد بين الشباب بواسطة مغاربة مغفلين همهم الأول هو الحصول على المال والتمتع بمغريات الحياة وبذلك يضربون عصفورين بحجر فيجنون ثمار ما يغرسون عاجلا ويؤمنون من المتابعة ان كان هناك من يتابعهم. ولقد قال قائلون: ان الشباب يجرب ولابد ان يفيء هذا صحيح وهل ندع الشباب يجرب؟.. ان التجربة هنا بمعنى المغامر، وهي لا تكون بالعقيدة كيف والنبي(ص) يقول: كل مولود يوبد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، فالوالد الذي يترك ولده للتجارب الدينية فأحرى الإلحادية يكون معينا له على الخروج من الفطرة أي من دين الإسلام وكذلك الحكومة التي لا تسهر على عقيدة أبناء الشعب وتربية النشء تربية دينية إنما تدفع بهم إلى الكفر والهرطقة والإلحاد. وليت شعري إلى متى سيبقى الشباب يجرب وينتقل بين المذاهب والآراء وأزمة الحكم أكثرها بين أيدي الشباب فالذي يمر بتجربة الإلحاد يحارب الدين ويسخر من المومنين، والوجودى يمجد الابيقورية وينشر الانحلال والفساد في المجتمع، والشيوعي يخطط البرامج ويضع التصميمات التي تجعل الدولة وهي ملكية المفروض فيها ان تكون يمينية في أقصى اليسار. والى ان يفيء هؤلاء ان فاءوا الله اعلم ماذا يكون المصير؟. الرد على المستهزئين وبقدر ما كان يتصدى لمن ينال من القرآن مباشرة أو من الحديث النبوي الشريف ولم يكن المرحوم عبد الله كنون يغفل ان يرد بقوة على كل من سولت له نفسه ان يحاول النيل مما هو من صميم العقيدة وكذلك من العلماء أو الفقهاء الذين يحملون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم ومن هنا كان رده على أحد الكتاب المغاربة (إدريس الخوري) الذين كانوا يتخذون مواقف شاذة في حينه من طلبة القرآن واعني بذلك المقال الذي كتبه جوابا على أحدهم الذي كان يستهزئ بهؤلاء الطلبة ووصفه بانتحال اسم كنسي ولقب مسيحي وإلا كان اسمه مغربيا مع ضبط شكل الكلمة ومواقفه في تعريب التعليم والدفاع عن اللغة العربية وعن التعليم الأصيل وروافده كل ذلك كان معروفا في حينه ولا يزال الناس يذكرونه فيتذكرون له ولإخوانه تلك المواقف الشجاعة وقد كان في هذه المواقف يلتقي بتنسيق وبدون تنسيق مع مواقف الزعيم علال الفاسي ويمثلان في الواقع نموذج العالم الذي يدافع عن العقيدة والشريعة دون ان يتأثر بما يتأثر به الناس عادة ولست هنا بصدد سرد كل المواقف التي كانت للرجل وللرابطة التي كانت بقيادته ورفاقه من مثل المرحومين الجواد الصقلي والرحالي الفاروق فكان لهم رأي مسموع وموقف ملحوظ في كثير من القضايا الوطنية والدينية واللغوية. انسجاما مع أهداف الرابطة وكانت مؤتمرات الرابطة تمتاز بالخطب التي كان يفتتح بها المؤتمرات كما تمتاز بالنداءات والبيانات التي كانت تصدر عن تلك المؤتمرات وذلك تمشيا مع قانونها الأساسي الذي وضعه المؤتمر الأول الأهداف العليا على النحو التالي: أ- الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والقيام بنشر الدعوة الإسلامية في الحواضر والبوادي وتلقين الناس مبادئ دينهم على الوجه الصحيح من الكتاب والسنة، سواء ما يهمهم في عقائدهم وعباداتهم وانكحتهم ومعاملاتهم وأخلاقهم في المساجد والأندية وحتى في الأسواق والطرق ولسجون ان دعا داع إلى ذلك. ب – تجديد القيم الإسلامية بإحياء السنة وأمانة البدعة ومحاربة اللادينية والإلحاد والزندقة والانحلال الخلقي والاجتماعي ونشر الدعوة الإسلامية في البلدان غير المسلمة. ج – السعي لحماية التعليم الإسلامي العربي في جميع مراحله بما يضمن المحافظة على تراث الثقافة الإسلامية العربية. د – مقاومة التبشير ضد العقيدة الإسلامية عن طريق النشرات أو المحاضرات أو التطبيب أو المكاتب أو المدارس أو دور الأمومة وغير ذلك. ه- العمل على صيانة استقلال المغرب ووحدة ترابه. و – مساندة الحركات التحررية في مختلف جهات العالم في نطاق التعاليم الإسلامية. ز – التبشير بالإسلام في الأقطار غير الإسلامية. إنها أهداف سامية وأغراض نبيلة لم يغلب العلماء فيها جانب الروح على جانب المادة ولم يرموا فيها لغاية غير المصلحة العامة والنفع المشترك، فالرابطة ليست نقابة للدفاع عن حقوق العلماء كما قد يتوهم.