كثيرا ما تطالعنا وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة عن أنباء إقالة ومتابعة أباطرة الفساد الإداري وناهبي المال العام.. تتويجا لحملات التطهير بمختلف المجالات الحيوية: الصحة، التعليم، الخدمات، المؤسسات المالية... ما يؤشر بالملموس على ترجمة الإرادة الملكية في التصدي لجيوب مقاومة تحديث مؤسساتنا الإدارية، دمقرطتها وتأكيد مواطنتها.. غير أن هناك قطاعات أخرى تحظى ببالغ الأهمية وأسمى الاهتمام، نظرا لارتباطها الحميم بمسألة الأمن الغذائي وتوفير كرامة عيش المواطنين وتحسين مستوى معيشتهم وتثمين مؤهلاتهم الطبيعية والبشرية، وبالتالي توفير شروط تنمية مستدامة لمناطقهم.. يتعلق الأمر إذن بالمجال الفلاحي وارتباطه بسلامة اقتصادنا الوطني وبكرامة ساكنة العالم القروي. إن أهمية القطاع الفلاحي تتمثل في مختلف الورشات التنموية المفتوحة والإصلاحات المؤسساتية المعلنة والصيغ التنظيمية المشرع لها.. تتجسد هذه الإرادة السامية في اعتماد المغرب على مخطط استراتيجي عنوانه المغرب الأخضر يتأسس على الرهانات السيوسي اقتصادية التي تمثلها الفلاحة المغربية.. من هذا المنطلق، ومن أجل تفعيل هذا المخطط الوطني الطموح وضمان شروط نجاحه واستدامته، فمن الموضوعي التساؤل عن غياب أو تغييب إدارة هذا القطاع الحيوي عن دائرة الافتحاص والمحاسبة وعن حملات التطهير التي طالت مختلف القطاعات الحيوية... هل لكونها إدارة القطاع الفلاحي نموذجا للتدبير النزيه الذي لم تشبه شائبة ولم يخترقه أخطبوط الفساد بعد.؟ أيمكن اعتبارها نموذجا للحكامة المنشودة في باقي القطاعات..؟ أم أن وتيرة إنجاز البرامج الوطنية الطموحة بلغت أهدافها الاستراتيجية؟ ليس الخبر كالعيان ولا جواب أبلغ من الواقع العيني الملموس الذي لم يعد يحتمل حجب الشمس بالغربال... يشكل واقع تدبير القطاع الفلاحي بالمنطقة الشمالية نموذجا واضحا وملموسا لاستخلاص عناصر الجواب عن أسباب »تنزيه« أو الاستثناء المرحلي لإدارة هذا القطاع الحيوي من الافتحاص والتدقيق والمسائلة والمحاسبة.. حيث القطاع الهيدروفلاحي أو ما يصطلح عليه بالري الكبير باعتباره رافعة الاقتصاد الجهوي والبنية التحتية الأساس للاستثمار الفلاحي، سجل تراجعا ملحوظا حسب رأي المختصين المتتبعين على مستوى الخدمات المقدمة لمستعملي المياه بشكل فظيع منذ ما يزيد عن 11 سنة. صاحب الأرقام القياسية في عقد صفقات تجديد التجهيزات الجديدة: تجديد مآخذ السقي، العدادات، محطات الضخ، المحركات الكهربائية.. مهندس الصفقات وتحويل الاعتمادات والفصول: منها إسداء صفقات اشغال الصيانة واصلاح التسربات المائية لمقاولات عديمة الاختصاص وغير مؤهلة، ما يفسر وثيرة تنامي اعطاب تسرب المياه من الشبكة وحرمان الفلاحين من مياه السقي.. إن مكوث الفاتح لبوابة تراجع خدمات السقي.. حجاج تنظيمات مستعملي مياه السقي وموءدها.. على رأس إدارة هذا القطاع لما يزيد عن 11 سنة جعلت إدارة هذا القطاع تمتلك أساليب اشتغال بالغة المهارة والاحترافية وأكثر قدرة على التأقلم مع الظرفيات واستغلال الامكانات المالية العامة التي تتيحها البرامج التنموية الطموحة.. هذا النموذج الميداني جدير بالدراسة والتتبع اللذين ستمكنا لا محالة من تطوير آليات الافتحاص والمراقبة وملائمتها مع خصوصية إدارة هذا القطاع الحيوي.. ذلك من حيث أن درجة احترافية اشتغال الاخطبوط بالقطاع السقوي لا يتيح ظاهريا إثارة الانتباه للمؤامرات التي يحيكها ضد اقتصادنا الوطني وتنمية عالمنا القروي خصوصا على مستوى قطاع الري الكبير باعتباره البنية التحتية الأساس للإقلاع التنموي.. يشكل القطاع الهيدروفلاحي لمنطقة اللكوس قاطرة التنمية بالمنطقة الشمالية، وقلعة من أعتى قلاع تخريب الاقتصاد الوطني على حساب فلاحي ا لمنطقة الذين يعانون بين سندان الديون ومطرقة القيم عن تدبير مياه السقي وزبانيته.. ومن المفارقات الغريبة انه بمنطقة تزخر بمؤهلات طبيعية غنية ومتنوعة: تنوع التربة، وفرة المياه السطحية منها والجوفية، تجهيزات هيدرولوجية جد متطورة موارد بشرية مؤهلة، موقع استراتيجي متميز، استثمارات أجنبية بالجملة.. أن يظل مؤشر المستوى المعيشي متدنيا بالعالم القروي ونسبة المديونية قياسية بين فلاحي القطاع التي فاقت 221 مليون درهم. هناك تراجعات خطيرة على المستوى الميداني تعيق تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي تسعى لجعل اقتصادنا الوطني محصنا وفي مستوى التحديات.. يتطلب الأمر إذن الاستمرار في تسليط الضوء على الصيغ الاحترافية. إن جميع المجهودات المبذولة من طرف الدولة لتحقيق تنمية مستدامة يبقى مدخلها الأساسي هو التصدي لجيوب مقاومة تحديث الإدارة وتخليقها تفعيلا للإدارة المولوية السامية.. من الأمانة والمسؤولية الوطنية افتحاص هذه القطاعات الحيوية وتخليقها والاستفادة من خبرات مواردها البشرية المتميزة والنظيفة.