تتواصل التحقيقات المكثفة لمعرفة ملابسات تحطم الطائرة التي كانت تقل الرئيس البولندي الراحل ليخ كاجينسكي, بينما فتح الباب على مصراعيه في الساحة السياسية البولندية لمشاورات بشأن انتخابات رئاسية مبكرة. ويستعد برونيسلاف كوموروفسكي القائم بأعمال الرئيس البولندي لمحادثات وشيكة مع الأحزاب السياسية للاتفاق على موعد الانتخابات الرئاسية, بعد وفاة كاجينسكي في حادث تحطم الطائرة في وقت سابق يوم السبت الماضي بروسيا. وفي كلمة متلفزة موجهة إلى الشعب, قال كوموروفسكي إن عليه أن يعلن موعد انتخابات الرئاسة خلال 14 يوما, على أن تجرى الانتخابات في غضون 60 يوما من ذلك الإعلان. وكان الرئيس البولندي ومحافظ البنك المركزي وقائد الجيش من بين 97 شخصا قتلوا إثر تحطم طائرة كانت تقلهم وسط ضباب كثيف عند اقترابها من مطار مدينة سمولينسك بغرب روسيا. وكان أيضا على متن الطائرة وهي من طراز توبوليف 154 زوجة الرئيس وعدد من المسؤولين الحكوميين الكبار, حيث سقطت الطائرة وسط الأحراج على بعد نحو كيلومترين من المطار. يشار إلى أن ركاب طائرة الرئيس المنكوبة كانوا في طريقهم للمشاركة في الذكرى السبعين لمجزرة كاتين، قرب سمولينسك. ووقعت المجزرة حينما قامت شرطة الزعيم السوفياتي الراحل جوزف ستالين في غابة كاتين في العام 1940 باعدام أكثر 22من ألف ضابط بولندي كان تم أسرهم خلال الحرب العالمية الثانية. في هذه الأثناء, تتواصل التحقيقات حول الحادث, وقال المتحدث باسم الحكومة المحلية في سمولينسك أندريه إيفسينيكوف إن خطأ طيار ربما كان سبب تحطم الطائرة. وقال مسؤولون محليون إن الطائرة اصطدمت بشدة بقمم أشجار لدى هبوطها. ونقلت مصادر إعلامية من موقع الحادث معلومات عن مصادر ملاحية روسية أن الطيار حلق أربع مرات حول المطار ثم قرر الهبوط، مرجحا -نقلا عن تلك المصادر- أن يكون الطيار امتثل لأمر بالهبوط أصدره الرئيس لعدم رغبته بالهبوط في مينسك أو موسكو. كما نقلت رويترز عن مسؤول بغرفة المراقبة الروسية أن «الطيار تجاهل النصيحة بالتوجه إلى موسكو أو مينسك بسبب الضباب الكثيف وقرر الهبوط حيث كان يجب أن لا يهبط». وأعلن وزير العدل البولندي كريستوف كفياتكوفسكي أنه سيأمر بالبدء في تحقيق خاص في أسباب الحادث، وقال الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف إن محققين روسا سيتعاونون مع الجانب البولندي. أما في روسيا فقد أعلن الحداد العام, وتوجه رئيس الوزراء فلاديمير بوتين إلى موقع الحادث وتحدث إلى نظيره البولندي تاسك, ووضعا أكاليل الزهور. كما كلف الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف رئيس حكومته بوتين برئاسة لجنة تحقيق في الحادث. من جانبه أعلن وزير الطوارئ الروسي سيرغي شويغو تحديد موقع كل جثث ضحايا الطائرة، التي لم ينج أحد من ركابها البالغ عددهم 97، ثم تم نقل الجثث إلى العاصمة الروسية موسكو. وكان مصدر في الشرطة الروسية أعلن في وقت سابق أنه تم العثور على ما يُعتقد أنها جثة الرئيس البولندي. صدمة ببولندا وخيمت أجواء الصدمة على بولندا, ووصف رئيس الوزراء دونالد تاسك تحطم الطائرة بأنه أكثر الأحداث مأسوية في تاريخ البلاد بعد الحرب. وبينما تجمع آلاف المعزين خارج قصر الرئاسة, ثارت تكهنات بشأن التطورات السياسية المقبلة, وتشير رويترز إلى أن موت كاجينسكي، بالإضافة إلى العديد من كبار المسؤولين في حزب القانون والعدالة الذين كانوا على متن الطائرة في حادث واحد, يغير من طبيعة السياسة البولندية. وعلق أستاذ علم النفس الاجتماعي في وارسو جاسيك فاسيلفسكي على تبعات الحادث قائلا إن عواقبه السياسية «ستكون طويلة الأمد وربما ستغير مستقبل السياسة البولندية بأكملها». يُشار إلى أن كاجينسكي كان يطمح لترشيح نفسه لفترة رئاسية جديدة من خمس سنوات في سبتمبرالقادم بعد انتهاء فترته الرئاسية، يذكر أيضا أن دور الرئيس في بولندا رمزي إلى حد بعيد إلا أن من يتولى هذا المنصب يمكنه نقض التشريعات الحكومية. وكان كاجينسكي قد أغضب حكومة تاسك مرات عديدة من خلال عرقلة تشريع يشمل إصلاح القطاع الصحي. وقد تم اختيار رئيس مجلس النواب برونيسلاف كوموروفسكي قائما بأعمال الرئيس حسبما ينص الدستور. كما أن كوموروفسكي هو مرشح الحزب الذي ينتمي إليه تاسك في انتخابات الرئاسة. وعبر قادة ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا والتشيك وهولندا وإسرائيل وهنغاريا وليتوانيا ولاتفيا والأمينان العامان للأمم المتحدة وحلف الناتو عن أسفهم البالغ وصدمتهم لمقتل كاجينسكي. ووصف الرئيس الأميركي باراك أوباما نبأ مقتل نظيره البولندي بأنه «خسارة هائلة للبولنديين والأميركيين وبقية العالم». وقال إنه كان رجل دولة مميزا لعب دورا مهما في حركة تضامن ويتمتع باحترام واسع في أميركا بوصفه زعيما كرس نفسه للدفاع عن الحرية والكرامة الإنسانية.