أكد الباحث في التاريخ عبد الرحيم وزين في مداخلة شارك بها في فعاليات الندوة الأولى التي نظمتها مؤسسة علال الفاسي يوم السبت 13 فبراير 2010 بالرباط بمناسبة الذكرى المائوية لولادة الراحل علال الفاسي في موضوع مرتكزات الخطاب الكولونيالي أن هذا انبنى على مجموعة من الطروحات تروم تفكيك بنيات المجتمع المغربي، وتهديد الهوية الوطنية ووحدتها. وقال وزين في عرضه إن الأطروحات الاستعمارية تصور المغرب مقسوما إلى شطرين، قسم خاضع للسلطان لا يتجاوز المدن الكبرى وضواحيها، وقسم شاسع آخر تحتله قبائل سائبة لا تعترف بسلطة أحد. والواقع أن كتاب الصحف المسيحية الصادرة في المغرب خلال هذه الحقبة، لم يتخلصوا أنفسهم من ازدواجية الحديث عن بلاد السيبة وبلاد المخزن، والتي كانوا يرسمون من خلالها صورا، تصف مدى محدودية سلطة المخزن، التي تقتصر حسب زعمهم، على المجال الحضري دون بقية البوادي والمناطق الجبلية، حيث تتركز التجمعات الأمازيغية. ووقف عند ما أشارت إليه مجلة «En Terre d'Islam»، حيث اعتبرت العنصر الأمازيغي يتكون من ثلاث مجموعات، وهي المجموعة الريفية، ومجموعة الأطلس المتوسط، ومجموعة الأطلس الجنوبي، وتضم المجموعة الثانية قبائل الأطلس المتوسط وضواحيه، وتمتد إلى حدود زمور. وأكدت على أن هذه القبائل، قد عرفت بوفائها القوي لتقاليدها، وأنها «شكلت بلادا للسيبة والتمرد، وقليل هم السلاطين الذين تمكنوا من خلال الحملات العسكرية الدورية من فرض سلطة مؤقتة وممتدة عليها ». وأوضح أن كتاب هذه الصحف لا يميزون بين المنطقتين فقط، من حيث مدى امتداد سلطة المخزن إليها، وإنما كذلك من حيث درجة انتشار الإسلام بها، حيث هناك اختلافا من حيث الأفكار، والثقافة، والتطلعات بين الشطرين. فالمراكز الحضرية، تقول «Le Maroc Catholique»، تعرف « إسلاما قويا (Très islamisés)، وتخضع جيدا لسلطة وإدارة المخزن، وتستغل لصالحها الاحترام الرمزي للأمير، زعيم الجماعة الإسلامية، وتدافع بحدة على هيبة ونفوذ السلطان». و حسب نفس المجلة هناك دائما، بلاد شاسعة، وجبلية، تمتد من أبواب الرباط إلى الصحراء، مرورا بالأطلسين، حيث « ترفض الجماهير سلطة دنيوية للسلطان ومخزنه الخاص، وكذا أي إمكانية للتصرف في هذه المناطق». وفي موضع آخر، تقول: «(..) فهم [الأمازيغ] يختلفون دينيا تماما عن العرب، إذ بالرغم من تدرعهم بالإسلام، فهم لا يقرون دائما بالسلطة الروحية لسلطان المغرب (..) فهم يقبلون تأثيرنا أكثر بكثير من حكم السلطان، ولديهم العديد من عناصر الشبه مع فلاحينا الفرنسيين أكثر من العرب الرحل، فالأمازيغ هم أكثر سهولة للاندماج..» ومن مظاهر ضعف سلطة المخزن، وعدم التشبع بالمبادئ الإسلامية، لدى أمازيغيي المغرب، حسب En Terre d'Islam، «غياب الشعور بالتضامن الوطني مع القبائل الأشد ارتباطا بالإسلام». وفي مقابل ذلك أوضح وزين أن ما تدعيه هذه الصحف من هيمنة للطقوس والممارسات الوثنية لدى الأمازيغ المغاربة، يرى كتابها، أن الإسلام قد بدأ يعرف انتشارا سريعا في أوساط هؤلاء، مع بداية فرض الحماية الفرنسية على المغرب، ففي شهر مارس 1928 كتبت En Terre d'Islam: «منذ عشرة قرون، كان هؤلاء الأمازيغ، يوجدون إلى جوار بلد إسلامي سني وقوي منذ عهد طويل، وكانوا يحتفظون بتنظيم اجتماعي قديم، وبفكر يجعلهم قريبين من المجتمعات الأوربية، ويهيئهم للتنصير سريعا، أكثر من إخوانهم العرب، لكن، ومع استقرار الأوربيين بالمغرب، اتضح أن هناك تهديدا أصبح يكبر يوما بعد يوم؛ فالبلاد الأمازيغية أخذت تتماهى مع الإسلام، ويمكن أن نتوقع يوما ما، أنه يمكن لهذه الرقعة من الإسلام الملطف (Islam mitigé)، أن تزول وتختفي نهائيا من العالم الإسلامي». أما Le Maroc Catholique، فقد أكدت هي الأخرى، على أن«أسلمة البلاد الأمازيغية، تتم تحت أعيننا كل سنة، وأن الذين بإمكانهم استقبالنا، سنكون أقل قدرة على اختراقهم ». وترى En Terre d'Islam أن هذا الواقع، يعتبر إحدى النتائج المباشرة لإقامة نظام الحماية بالمغرب، مؤكدة أن انتشار الإسلام بهذه الديار أصبح يتم بطرق مختلفة، منها امتداد نفوذ السلطان إلى مجموع مناطق المغرب؛ وتقول: « فسياسة الحماية لم تترك فقط نفوذ السلطان والمخزن سليما، ولكنها قامت بدعمه بشدة. فالمغرب سيخضع جميعه للسلطان، بل وسوف يتوحد تحت سلطته الناجعة والمباشرة جدا، وسيتقدم الإسلام في حمى القوى الفرنسية. فمن خلال الشريف، أو الخليفة، أو السلطان، لا يمكن سوى الترغيب في نشر إسلام خالص داخل البلدان التي كانت في سالف الزمان غير خاضعة لنفوذ السلطان». ومن جهة أخرى أشارت نفس المجلة، إلى أن انتشار الإسلام داخل مجموع مناطق المغرب، لا يعود فقط لامتداد نفوذ السلطان داخلها، ولكن وبصفة خاصة، لكون «جميع حاشيته يتم انتقاؤها من بين الطبقة المتعلمة، الأشد ارتباطا بالإسلام، شعورا وتقليدا». وذكر أنه انطلاقا من التصور الذي رسمته هذه الصحف عن إسلام أمازيغيي المغرب، فهي ترى أنه قد آن الأوان لأجل التدخل قصد تنصيرهم، وأنه من الواجب إرجاعهم إلى الدين المسيحي الذي تعتبره دين أجدادهم، فبالإضافة إلى «السياسة اللسانية»، و»السياسة العرقية»، تقول Le Maroc Catholique: «يجب أن نضيف سياسة دينية ملهمة، فلا يمكن القيام بأي شيء، لأجل الإدماج التدريجي المناسب، وعبر مراحل للجنس الأمازيغي، مادمنا لم نقم بتشجيع تطوره، نحو أخلاق ومعتقدات المسيحيين». فقد شكل انتهاء عهد المقيم العام ليوطي، وتعيين «هنري فييل» على رأس أسقفية الرباط سنة 1927، بالإضافة إلى حدث اعتناق محمد بن عبد الجليل المسيحية سنة 1928، وبصفة خاصة السياسة التي انخرطت فيها الإقامة العامة، خلال عهد المقيم العام «لوسيان سان» Lucien SAINT (1929-1933)، شروطا حقيقية عملت على فتح الباب على مصراعيه أمام نشاط البعثات التنصيرية، حيث انخرط ضمنها العديد من كبار موظفي الإقامة العامة، ونذكر منهم على سبيل المثال «جول سيكار» Jules SICARD، كما قامت باستقدام العديد من القبايليين الذين تنصروا بالجزائر لتشغيلهم بالمناطق الأمازيغية داخل المغرب. حيث التحمت رغبة الإقامة العامة بحماسة المجموعة الفرانسيسكانية، من خلال لسان حالها Le Maroc Catholique للخروج مما كانت تسميه ب «التنصير الأخرس» (L'Apostolat muet)، والذي طبع عهد المقيم العام الجنرال ليوطي، والانخراط ضمن عمل جاد وفعلي، يرمي إلى تنصير الأمازيغ أولا، في أفق تنصير المغاربة جميعا. وتقول Le Maroc Catholique في هذا الصدد:« إن تنصير المغرب ممكن وضروري (..) كما أن تنصير الأمازيغ يعد أمرا مستعجلا، إن الأمر لا يتعلق هنا فقط، بنهج تنصير أخرس لعدة سنوات، وتعويد الأهالي على الوجود المسيحي. إن سياسة الانتظار لم تعد مفهومة في جملتها من وجهة نظر المغاربة، بل حتى بالنسبة للعناصر الأكثر حذرا من ممارساتنا، والذين أصبح الأمر يبدو لهم ضعفا منا لايعقل تصوره (..) إن الأمازيغي لايمكن إدماجه إلا إذا أصبح مسيحيا».