تطرح قضية اليوم إشكالية ترويج الخمور وما يرتبط بها من انحراف وإجرام، وأمراض نفسية وجسدية، علما أن الزبون الأول والأخير المستهلك لهذه المادة التي تدر دخلا هاما على خزينة الدولة هم فئات واسعة من المغاربة من خلال ترويجها بمحلات مرخص لها، بما في ذلك فضاءات عمومية، و«كرابة» بالأحياء الشعبية والهامشية والذين يعمد بعضهم إلى صناعة منتوج خاص بهم، إضافة إلى مستعملي «لانكول». وفي انتظار أن نحل مثل هذه «الانفصامات في الشخصية» وفقا لمنطق سليم بعيد عن الحسابات الضيقة نقدم فيما يلي ملخص منطوق الحكم الصادر عن غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالرباط ملحقة سلا : صك الاتهام: توبع في هذه النازلة متهمان اثنان، الأول ميكانيكي، مزداد سنة 1970، متزوج، أب لثلاثة أبناء يقطن بتمارة، حيث وجهت له تهمة هتك عرض بالعنف والسكر العلني البين. أما المتهم الثاني فهو مسير مطعم، من مواليد 1969، أب لثلاثة أطفال وجهت له تهمة بيع الخمور للمغاربة المسلمين. صياح في الثانية صباحا: أثناء مرور دورية للدرك الملكي بتمارة في إطار «حملة تطهيرية» أثار انتباههم في الساعة الثانية والنصف من صباح يوم 7 يوليوز 2007 صياح فتاة بصوت عال طالبة النجدة وهي مُمسكة بشخص يُحاول الإفلات من قبضتها بجانب موقف السيارات التابع للمطعم والحانة المسماة... وبمجرد الاقتراب منهما وجد رجال الدرك الفتاة في حالة طبيعية بينما الطرف الآخر/ المتهم في حالة سكر مفرطة، لا يقوى على الوقوف. وأوضحت الفتاة عند استفسارها من طرف عناصر الدرك أن المعني بالأمر عرّضها لاعتداء جنسي والضرب والجرح، مؤكدة عند الاستماع إليها يوم «3 يوليوز 2007» أنه خلال تجولها بالقرب من المطعم الآنف الذكر حوالي الساعة التاسعة والنصف ليلا تقدم المشتكى به نحوها وطلب منها مرافقته لممارسة الجنس معه، لكنها رفضت وشتمته قصد الابتعاد عنها أمام إصراره على طلبه، مما حدا به إلى صفعها وضربها ثم إرغامها على الصعود معه إلى سيارة من نوع مرسيدس ليتجه بها إلى إحدى الفيلات بمدينة الرباط، ويمارس عليها الجنس من دبرها. «الترويح عن النفس» يفضي إلى التّورط أوضح الميكانيكي عند الاستماع إليه من قبل الشرطة القضائية أنه أنهى عمله يوم «6 يوليوز 2007» حوالي الساعة الثامنة والنصف مساء واتجه إلى المطعم المذكور قصد «الترويح عن نفسه» باحتساء قنينات من الجعة إلى ساعة متأخرة من الليل، لكنه فوجئ عند خروجه بالمشتكية تنقض عليه وتدّعي الاعتداء عليها جنسيا وبالضرب والجرح ليطلب آنذاك من حارس الحانة الاتصال بدورية الدرك، مضيفا: (أنه سبق أن دخل في نقاش مع الضحية بسبب الخمر ، وربما تحرش بها أو سبّها من جراء تأثير الخمر) منكرا المنسوب إليه. أما المتهم الثاني فصرح أثناء الاستماع إليه تمهيديا أنه لا يعرف المتهم الأول ولم يسبق له أن تردد على المحل الذي يشتغل به، نافيا قيام هذا الأخير بشرب الخمر في محلهم، مؤكداً أنه يتوفر على رخصة بيع المشروبات الكحولية للأجانب غير المسلمين. وقد أنكر المتهمان عند استنطاقهما ابتدائيا وتفصيليا أمام قاضي التحقيق المنسوب إليهما، والذي خلص (قاضي التحقيق) إلى متابعتهما بالتهمة الآنفة الذكر طبقا للفصل 485 من القانون الجنائي، وم.م المؤرخ في 14 نوفمر 1967 وقرار مدير الديوان الملكي الصادر يوم 17 يوليوز 1967. مفارقات في التواريخ : تخلف المتهمان عن حضور جلسة المحاكمة ليوم 22 يونيو 2009،حيث أنجزت المسطرة الغيابية في حق المتهم الأول، الذي كان قد أنجز له الدرك الملكي بتمارة محضراً بتاريخ 7 يوليوز 2007 بينما محضر المتهم الثاني مؤرخ في اليوم الموالي في حين أن المشتكية تتحدث عما وقع لها يوم 3 يوليوز 2007 بشأن واقعة يوم 6 يوليوز صباح اليوم الموالي. وإذا كانت واقعة السكر والاعتداء على الفتاة وقعت في شهر يوليوز 2007 فإن مفارقة هذه التواريخ تكمن في طول إجراءات التقاضي، حيث أصدرت المحكمة حكمها يوم 22 يونيو 2009، والقاضي بمؤاخذة المتهم الأول بسنتين حبسا من أجل المنسوب إليه، وستة أشهرحبسا للمتهم الثاني، وغرامة نافذة قدرها ألف درهم، مع تحميل المتهميْن الصائر تضامنا والاجبار في الأدنى. ولاشك أن هذه القضية ستعرف أشواطا أخرى عند عرضها أمام غرفة الجنايات الاستئنافية ثم المجلس الأعلى، الذي يمكن أن ينقض الحكم ويٌعيد المناقشة من جديد، مما يعني «تجرجر» الملف لسنوات أخرى بعض النظر عن منطوق الحكم، دون الحديث عن انعكاس هذه الوضعية من جانب الحالة النفسية للمتهم الأول مثلا، وتداعيات اعتقاله على أسرته (مأكل ومشرب وتطبيب، وتمدرس...). تعليل حيثيات الحكم: جاء في حيثيات تعليل حكم المحكمة في الملف عدد 08.576 . 22 مايلي تبعا للقرار 524: بناء على متابعة السيد قاضي التحقيق للظنينين أعلاه من أجل الأفعال المنسوبة إلى كل واحد منهما. وحيث اعترف المتهم المسمى... تمهيديا بكونه نظرا لحالة السكر التي كان عليها ربما يكون قد تحرش بها، أو عرضها للسب والشتم. وحيث إن مايدعم هذا الاعتراف التمهيدي ويسنده تصريحات الضحية المسماة... تمهيديا بكون المتهم المسمى...اعتدى عليها جنسيا وهتك عرضها، وكذا الشهادة الطبية التي تثبت الاعتداء الجنسي الواقع على الضحية والذي تزامن تاريخ إنجازها مع تاريخ تقديم الشكاية. وحيث إن المحكمة واعتبارا لما ذكر تكوَّنت لديها القناعة الكافية بثبوت الأفعال الجرمية في جانب الظنين المسمى... وحيث أنكر المتهم المسمى... الجنحة المنسوبة إليه في سائر مراحل البحث والتحقيق، لكن حيث إن إنكاره هذا تفنده تصريحات الظنين المسمى.. تمهيديا، والذي أكد على أنه احتسى في المطعم المسمى... الذي يشرف على تسييره المتهم المسمى... ثمان قنينات من الجعة من نوع «سبيسيال». وحيث إن المحكمة واعتبارا لما ذكر، اقتنعت بثبوت التهمة في جانب الظنين المسمى... ونظرا للظروف الاجتماعية للمتهم المسمى... (الأول) ارتأت المحكمة تمتيعه بظروف التخفيف. وحيث يتعين تحميل الظنينين الصائر تضامنا والإجبار في الأدنى. ملاحظات: لانعرف ما إذا كانت الضحية/الفتاة قد تنازلت عن حقها كمطالبة بالحق المدني، وتعميق التحقيق بشأن ادعائها أن المتهم أرغمها على امتطاء سيارته والاتجاه بها إلى فيلا لممارسة الجنس عليها من دبرها بعد ضربها، مما يعني توفر عناصر «الاحتجاز والاختفطاف» إذا ما ذهبنا بعيداً مع هذا الطرح، فضلا عن التدقيق في تاريخ الاعتداء، والمدة الزمنية الفاصلة بين 9 ليلا والثانية والنصف من صباح يوم 7 يوليوز 2007 ، وذلك لعدم توفرنا على جميع معطيات الملف، الذي لاشك أنه ألم بجوانبها.