يومان فقط، بعد احتضان العاصمة الرباط لحفل توقيع مذكرة تفاهم لتطوير الشراكة في قطاعي الكهرباء والطاقات المتجددة بين المغرب وجارته الجنوبية موريتانيا، استقبل المدير العام لمجمع سوناطراك للمحروقات بالجزائر وفدا رفيع المستوى من الشركة الموريتانية للمحروقات برئاسة مديرها العام لمناقشة فرص التعاون المشترك بين الجانبين لتوسيع التعاون الثنائي في قطاع المحروقات. الخطوة تعكس في نظر الخبراء والمتتبعين للشأن المغاربي درجة حساسية وتذمر النظام الجزائري من خطوات التقارب المتعددة والمتصاعدة والتي بلغت مستوى الشراكة الاستراتيجية بين الرباطونواكشوط برعاية قائدي البلدين الشقيقين.
تذمر وغضب حكام قصر المرادية يتجلى أيضا بوضوح في ردود الفعل المتشنجة وغير اللبقة والتي تنطوي على تدخل إرادي سافر في الشأن الداخلي لدول مستقلة وذات سيادة وسلطة قرار.
بمجرد توقيع مذكرة التفاهم والتعاون الطاقي بين الرباط وجارتها الجنوبية سخر جنرالات النظام الجزائري انكشاريته الإعلامية للتهجم على موريتانيا وشجب خطوتها السيادية.
وهكذا ومنطق الوصاية المستعلية والغرور المرضي، نشر موقع الشروق الناطق باسم المخابرات العسكرية الجزائرية مقالا بحمولة مستفزة مفاده أن حزبا موريتانيا يحذر بلاده من الخروج عن دائرة الحياد في نزاع الصحراء، قبل أن يعمد ساعات بعد ذلك على حذف المقال بعد تلقيه أوامر مباشرة من أولياء نعمته.
موقع جزائري آخر زعم في نفس اليوم أن الاتفاق الموقع بين موريتانيا والمغرب والذي يتضمن الربط الكهربائي بين البلدين، قد أثار غضب أوساط سياسية موريتانية والحال أن الأمر يرتبط فقط بحزب موريتاني معارض وحيد ذي مرجعية يسارية مقرب من البوليساريو والجزائر وغير مؤثر في المشهد السياسي المحلي.
تزامنا مع الهذيان الرسمي لنظام الجزائر دفعت هذه الأخيرة القيادي الانفصالي الحالم بخلافة زعيم الجبهة الانفصالية المدعو البشير مصطفى السيد إلى إطلاق تهديدات جديدة وخطيرة ضد موريتانيا التي دخلت في مسار مفتوح من التعاون الإستراتيجي مع المملكة المغربية.
العنصر الانفصالي الذي يتقرب من دوائر الحكم بالجزائر لنيل تزكيتها ودعمها من أجل الانقلاب على زعيم عصابة الرابوني توعد صراحة وبوقاحة موريتانيا بأنها ستفتح عليها "أبواب النار إن هي وصلت في سياق اتفاقيات التكامل الواسع الذي تعقده حاليا مع المغرب إلى فتح معبر حدودي يربط السمارة المغربية وبير أم كرين شمال موريتانيا".
وبالعودة الى مسلسل التدخل الجزائري السافر في الشأن الداخلي لموريتانيا، تتداول مصادر إعلامية موريتانية بالكثير من الاستغراب كيف أن سفير الجزائر السابق بموريتانيا محمد بن عتو قد تمت إقالته مع بداية السنة الجارية بقرار رئاسي، بعد أن تجرأ في لقاء وصف بالساخن جمعه بوزير الثقافة والاتصال الموريتاني على مطالبته بإسكات موقع إخباري موريتاني اتهمه سفير تبون بالقيام بحملة دعائية معادية لبلاده وإلا سيتكفل هو شخصيا بإسكات المنبر الإعلامي.
وبالعودة الى سوابق الدبلوماسي الجزائري «المتجبر» في بلاد شنقيط فقد كان قد أصدر قبل سنتين بيانا صحافيا شن فيه هجوما حادا على مواقع إعلامية موريتانية ووصفها ب "المرتزقة"، مشيرا إلى أنها عمدت إلى محاباة بلد "معاد" (في إشارة الى المغرب) على حساب الجزائر.
الصحافة الموريتانية ومن خلال رابطتها المهنية تصدت بقوة لما سمته في حينه «تطاول» السفارة الجزائرية على بلدهم وتجرؤها على توجيه أوامر إليهم واتهامهم بالعمالة، محذرين مما اعتبروه محاولة تهدف إلى تركيعهم من أجل خدمة أجندة سياسية في إطار مخطط جزائري معروف.
تزامنت ردة الفعل الغاضبة للإعلام الموريتاني مع موجة التضامن التي أبداها الصحافيون الموريتانيون مع نظرائهم المغاربة عندما تعرض الوفد الإعلامي المغربي لاستفزازات أثناء نزوله بمطار الهواري بومدين لتغطية أعمال القمة العربية التي احتضنتها الجزائر، لتقرر مراكز القرار الجزائري من حينه وبمنطق وأطماع بسط النفوذ الإقليمي بمختلف الوسائل والسبل المباحة منها والمحظورة تسييج الجارة الجنوبية للمملكة المغربية والتعامل معها بأسلوب العصا والجزرة لتحذير نواكشوط من أي خطوة في اتجاه فك الارتباط الرسمي مع مرتزقة صحراء لحمادة في فيافي تندوف.