يطمح شعبا المغرب والجزائر الشقيقان إلى إعادة العلاقات الثنائية إلى حالتها الطبيعية الأولى كما كانت في السابق؛من منطلق أن ما يربط فيما بين الشعبين هي علاقات نسب وأخوة ومصاهرة من جهة وعلاقات دينية وتاريخية ومذهبية وجغرافية ولغوية؛وهي أواصر أقوى أكثر حرارة ودفئا مما هي عليه العلاقات السياسية بين النظامين التي تسودها الدبلوماسية والمجاملة. وإن المغرب ملكا وحكومة ما فتئ في كل مناسبة رسمية يطالب حكام الجزائر بفتح الحدود الجزائرية؛بعد سبق فتح حدوده؛تحسينا للعلاقات الدبلوماسية المتردية؛ومواصلة بناء اتحاد المغرب العربي المتعثر؛وهي مواقف شجاعة يسجلها المغاربة والشعب الجزائري بمداد الفخر في حسنات النظام المغربي رغم استمرار حكام الجارة الشقيقة في تعنتهم غير المفهوم. ويبدو أن الجزائر ترفض فتح حدودها ما لم تتم تسوية ملف الصحراء المغربية؛بإجراء استفتاء من أجل تقرير المصير؛وهو شرط واه بعيد عن المنطق ؛مادامت الجزائر تدعي من حين لآخر أن لا علاقة لها بهذا الموضوع؛علما أن المغرب منضبط للشرعية الدولية؛بدخوله مسلسل المفاوضات الثنائية مع البوليساريو تحت رعاية المبعوث الأممي؛استجابته لمقررات مجلس الأمن بهذا الصدد؛وهو ما قد يعطي ثماره بعد عقد أو عقدين آخرين من الزمن؛وبالتالي أضحى من غير المعقول رهن العلاقات المغربية الجزائرية بنزاع لا علاقة للشعب الجزائري به. لاشك أن ثمة أسبابا أخرى لا نقوى على معرفتها بهذا الشأن؛ويبقى النظام العسكري الجزائري الحاكم هو الأدرى بها؛إن لم نقل أن مع عملية تسريع تسليح الجيش وتحديث الترسانة العسكرية الجزائرية في الآونة الأخيرة؛تهييئا سريا لشيئ خطير بالمنطقة؛وهو ما يتتبعه المغرب والرأي العام الدولي باهتمام شديد بالمنطقة. إن الجزائر طالما ادعت أن لا مصلحة لها من وراء فتح حدودها مع المغرب مخافة تسرب المخدرات والإرهاب إلى حدودها من المغرب؛وأن اقتصادها سيتضرر كثيرا من جراء توافد الجزائريين على السياحة بالمغرب؛وبالتالي فهي ليست مستعدة في الظرفية الحالية لذلك؛بينما العكس هو الصحيح؛حيث إن المغرب في تقديري سيكون المتضرر الأكبر من فتح الحدود الجزائرية؛إذ قد يجني المغرب فعلا موارد مالية متواضعة من جراء السياحة والتعامل التجاري؛لكن هذا لا يمنع من الاعتراف بأن ثمة مضار وعواقب وخيمة ستنعكس على الشعب المغربي من جراء فتح هذه الحدود. إن المضار التي يمكن أن تلحق المغرب متعددة من عدة نواحي؛نكتفي في هذا المقال على الجانب السياسي منها؛حيث أن الجزائر نظام جمهوري وعسكري بامتياز؛ويعمل منذ حوالي عقد ونصف بنظام الطوارئ؛وهو نظام لا يقر باحترام الشرعية الديموقراطية على مختلف المستويات. وعلى المستوى الدستوري ليس هناك احترام لقواعد الدستور الجزائري خلافا لما عليه الحال بالمغرب؛وخير مثال على ذلك تعديل رئيس الدولة للدستور مؤخرا في ظرف وجيز من أجل إعادة انتخابه لولاية ثالثة؛حيث لم تمر تلك التعديلات عبر القنوات الدستورية؛كما أن منافسيه أعلنوا عن تزوير هذه الانتخابات الرئاسية؛بعد حصول الرئيس على 91 % ؛واحتقار منافسيه بحصر عدد أصواتهم فيما دون عدد الأصوات الملغاة أي زهاء المليون صوت. وعلى المستوى الحزبي لا يسمح النظام العسكري بتعددية حقيقية؛ولا بمجتمع مدني شعبي متنوع؛كما أن على مستوى حقوق الإنسان تسجل منظمة العفو الدولية و يومان رايتس ووتش وتقارير وزارة الخارجية الأمريكية غياب احترام الحقوق والحريات العامة؛إلى حد إعلان السيد حسين زهوان رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان نفسه أن "وضعية حقوق الإنسان بالجزائر كارثية". وعلى الصعيد القضائي لا تحترم الجزائر مبدأ استقلال القضاء؛وخير مثال على ذلك ما سجلته منظمة العفو الدولية مؤخرا من غياب مبدأ محاسبة ومتابعة قوى الأمن والجيش ومليشياتها بشأن الانتهاكات السابقة والحالية لحقوق الإنسان؛نذكر من بينها قضية معتقلي الصحراء الذين لم ينصفوا بعد؛وضحايا إضرابات القفة وانتفاضة التراجع عن نتائج الانتخابات التشريعية بعد نجاح الإسلاميين في الانتخابات؛وطي ملف قتلة الرئيس الجزائري السابق المرحوم بوضياف وشخصيات حكومية وازنة معارضة لمواقف الجيش في منتصف التسعينيات؛دون إغفال كل من ملف رفع السرّ العسكري بفرنسا عن مقتل 7 رهبان فرنسيين في "دير تيبحيرين" بالجزائر عام 1996؛بعد تصريحات الجنرال الفرنسي المتقاعد" فرانسوا بوشوالتر" قبل أسابيع باتهام الجيش الجزائري بقتل الرهبان خطأ والتستر عليهم؛وملف المغاربة المطرودين ضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر سنة 1975. وسيتضرر المغرب كثيرا من الناحية السياسية من فتح الحدود الجزائرية؛من منطلق أن الجزائر لم تقو لحد الآن على مكافحة الإرهاب والتطرف؛رغم إصدارها لقانون الرحمة سنة 1994 وقانون الوئام سنة 1999 وميثاق السلم والمصالحة سنة 2005،وهو ما قد تنعكس عواقبه لا قدر الله على المغرب كلما تم دعم النظام العسكري بهذا الشأن؛كما أن الجزائر تعرف انتفاضات جهوية من حين لآخر ينادي بعضها بالانفصال؛كما هو شأن منطقة القبايل بالجنوب التي تطالب بحسم مسألة الهوية الأمازيغية عن طريق الحكم الذاتي؛وما يحصل من حين لآخر من مواجهات مذهبية فيما بين المالكية والإباضية منذ أحداث بني يزقن في 1975 وغرداية في 1985 والقرارة في 1989؛ومؤخرا ببريان إلى حد تجرؤ البعض برفع الراية الخضراء للدولة الرستمية التي أسسها زعيم الإباضية عبد الرحمن بن رستم فوق مباني السكان الإباضيين ببريان؛كما أن حملة التنصير منتشرة بشكل كبير؛إلى حد زعم الصحف الإسبانية مؤخرا بالاعتراف بتنصير حوالي 50 ألف جزائري وهو ما حاول وزير الشؤون الدينية والأوقاف دحضه مؤخرا. com .hotmail @o.Chouaib