من الدشيرة الجهادية إلى الشهرة العالمية… البروفيسور المغربي منصف السلاوي العلم الإلكترونية: بقلم // عبد الناصر الكواي ملأتْ صورته رفقة ترامب الدنيا وشغلت الناس، وألهبتْ لدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي شعوراً بالفخر مِزاجُهُ تساؤلاتٌ عن مصير الكفاءات المغربية في وطنها، إنه البروفيسور منصف السلاوي، المغربي الذي لاذ به رئيس أقوى دُولِ المعمور في حرب بلاده الضروس ضد كورونا.. فعيّنه مستشارا رئيسيا رفيعا لقيادة جهود بلاد العم سام، في تطوير لقاح لفيروس مس ضرُّه زهاء 5 ملايين من سكان الأرض، أزيدُ من خُمسهم أمريكيون. على ترابِ الدشيرة التي ارتبط اسمها بالجهاد، وعلى بعد 9 كيلومترات من عاصمة سوس العالمة أكادير، رأى منصف السلاوي النور، في يوم قائظ هو 27 يوليوز من سنة 1959، لأبوين متوسطَي التعليم، وكان والده من المقاومين للاستعمار الفرنسي. تقول مصادر، إن السلاوي الأب، كان من النخبة الفاسية، وكان تاجرا كبيرا في المواد الفلاحية وتجهيزات الري الزراعي، ومن أعيان المنطقة، وكانت له عقارات كثيرة حتى إن حيا بأكمله حمل اسمه (حي السلاوي)، وهو المشرف على الشارع الرئيسي للمدينة والمسمى حاليا بئر إنزاران. وتضيف المظان التاريخية، أن الفتى الذي نبغ في تعليمه منذ سنواته الأولى، بدعم كبير من عائلته المنتمية للنخبة الفرنكوفونية، التي سكنت الدشيرة منذ عهد الحماية، درس بثانوية عبدالله بن ياسين بإنزكان، حيث حصل على شهادة الباكالوريا، ومنها كانت البداية وكانت الهجرة إلى الديار الأوروبية، التي لم يكن يرى المسافة بينها وبين المغرب بعيدة كما هي اليوم. في المقابل، أفادت مصادر من محيطه “العلم”، بأن البروفيسور السلاوي ولد فعلا بأكادير، غير أنه نشأ في الدارالبيضاء، وهو فاسي الأصل وليس أمازيغيا، ينتمي إلى أسرة علمية معروفة، فله أخوان طبيبان وثالث توفي، وأخت أستاذة جامعية في الأدب الفرنسي واللغويات، هذه الأخيرة واسمها هادية أكدت خلال روبورتاج تلفزي أن أخاها منذ الصغر كان كريما رصينا محبا لأسرته ووطنه، دائمَ الحضور معهم حتى في غيابه. بينما أعربت والدته لطيفة السلاوي، عن كون سفره المبكر إلى الخارج ترك في فؤادها صدمة وفراغا كبيرين. كما كان للفتى اليافع حسٌّ نضالي ووعي سياسي منذ حداثة سنه، ترجمهما انخراطه المبكر في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ومنظمة إلى الأمام، يقول في شهادته حول هذه المرحلة من حياته، “لقد ناضلتُ كثيرا، وفي تلك السن كان لدى أقراني تعلق بالمثاليات، وهي قيمي التي لم تتغير، ففي مراهقتي كنت أظن أن الفرق بيننا وبين الدول الغربية أقل مما هو الآن”. وقد ظلت علاقة السلاوي بهذا التنظيم الطلابي، قائمة بعد هجرته إلى بلجيكا، حيث ترأس فرعه للطلبة المغاربة هناك قبل الانفصال عنه من أجل التفرغ للبحث العلمي، وإعداد الدكتوراه. فرحة الهجرة ومفاتيح التيسير… من القَصص النادرة، التي يرويها السلاوي حول هجرته سنة 1976، أنه من فرط انشغاله بالهجرة، نسي مفاتيح سيارة والدته – ولعلها مفاتيح التيسير- في جيبه يوم سفره وأخذها معه حتى استقل الطائرة، فتذكرها وأرسلها إلى الأسرة مع شخص على عجل، قبل أن تقلع ذات الجناحين متوجهة به إلى حيث سيبدأ مشواره المتميز بفشل البدايات، الذي كان يضمر له نجاح النهايات. نعم، يبدو أن البروفيسور، كان في فورة الشباب نَسِيّاً، ذلك أنه نسي قبل التحاقه بفرنسا وجهته الأولى بديار المهجر، أن يسجل نفسه في الجامعة التي كان ينوي متابعة دراساته العليا فيها. وفي رواية أخرى، فإنه تخلى عن سنة دراسية في هذه الجامعة من أجل البقاء بجانب أمه شديدة المرض. حدث ذلك، قبل أن يسوقه القدر المحتوم إلى بلجيكا لدراسة الطب، غير أنه وجد شعبته أغلقت التسجيل، ليلعب الحظ لعبته مرة أخرى ويلتحق صاحبنا بدراسة البيولوجيا الجزئية. وفي جامعة بروكسيل الحرة، التي نال فيها دكتوراه في علم المناعة، سيتعرف الباحث الشاب على رفيقة دربه التي ستصبح زوجته، كريستين السلاوي، ومن أجل مرافقتها رحل إلى أمريكا التي كانت تجري فيها دراسات علمية حول فيروس يصيب البقر، لفائدة عملاق شركة الأدوية “سميث كلاين-رات”. وقد تابع السلاوي، المتوفر إلى جانب جنسيته المغربية، على جنسيتين أُخرييْن، دراساته العليا في علم الأحياء، ما بعد الدكتوراه في جامعة هارفورد الشهيرة بالولايات المتحدة، ومنها حصل على دكتوراه ثانية، وكانت زوجته كريستين السلاوي تجري أبحاثا فيها. ولأن الشن وافق طبقة، فإن لدى عقيلة البروفيسور السلاوي، عدة براءات اختراع، وأزيد من 40 منشورا علميا أصيلا، وقد دخلت في صفقات ومشاريع علمية تتجاوز قيمتها 30 مليار دولار. ولأن البذل يستتبع التتويج، فقد صار طالب الأمس أستاذ اليوم في الجامعة ذاتها، وصنفته مجلة “فورتن” الأمريكية الاقتصادية، ضمن أكثر خمسين شخصية ساهمت في تغيير العالم، وكيف لا وقد كانت فكرته دائما أن يفعل أشياء يمكن أن تؤثر على العالم. وعلى مدى 15 عامًا، شارك السلاوي في تطوير واكتشاف غالبية لقاحات علم المناعة كالملاريا، وسرطان عنق الرحم، والمكورات الرئوية وغيرها.. وله أزيد من 100 ورقة بحثية أصيلة. نقلة نوعية في مسار شخصية عبقرية.. في سنة 1985 بالتحديد، ستقع نقلة نوعية في مسار السلاوي العلمي، شركة “سميث كلاين-رات” التي سيصبح اسمها “كلاكسوسميث كلاين”، وهي رابع أضخم شركة أدوية في العالم، عرضت عليه الانضمام إليها كمستشار في المناعة، وهناك سيكتشف صاحبنا عالما جديدا في البحث، هو علوم اللقاحات، التي استهوته فصار مهووسا بها بعد هوسه بالبيولوجيا البشرية. وبعد أربع سنوات التحق بفريق من خيرة الباحثين استطاع تطوير واكتشاف أول لقاح للملاريا، عقب ثلاثين سنة من بحث العلماء وإنفاق أزيد من 560 مليون دولار بغية تحقيق ذلك الانتصار الذي أنقذ مليون ونصف المليون من أطفال أفريقيا. بعدها، تولى السلاوي مسؤولية البحث والتطوير، ثم صار عضوا في مجلس إدارة الشركة، وبالتالي رئاسة أكثر من 15 ألف باحث. وكانت الشركة تنتج لقاحا استهلاكيا واحدا في السنة، بتكلفة 5 مليارات دولار، وبعد تحمله ابن الدشيرة للمسؤولية فيها ما بين سنتي 2011 و2016، استطاعت الشركة البحث والتطوير وإنتاج 24 دواء، بتكلفة أقل ب 40 في المائة مما كانت تنفقه، أي من 5 إلى 3,5 مليارات دولار فقط. وبعد عام على كل هذا التميز، قرر السلاوي التقاعد من الشركة. منهج الرجل في البحث، هو إيمان الباحث في أي مجال أنه سيجد الحل. وبها وجد عدة لقاحات، منها لقاح “روتاريكس” الشهير وهو عبارة عن تطعيم حي، ضد خمسة أنواع من الفيروس العجلي، يتم إعطاؤه عن طريق الفم. كما أن أمريكا سمت مختبرا علميا كبيرا باسمه. هنا بدأ البروفيسور المغربي تجربة أخرى، على رأس شركة “كالفاني بيوإلكترونيك”، المختصة في التكنولوجيا الحيوية والتابعة لعملاق “غوغل”، وكذلك أربع شركات أخرى في المجال نفسه. غير أن المهم في هذا السياق، هو رئاسته للجنة البحث والتطوير لدى “شركة موديرنا”، المتخصصة في البحث عن إيجاد لقاح لفيروس كورونا المستجد. وبالفعل بين 13 يناير و25 مارس 2020 استطاع فريق السلاوي، تصميم لقاح أولي ضد الفيروس تم تجريبه سريريا على الإنسان، ومازال في طور الاختبار في أفق معرفة النتيجة الكلية لآثاره مع متم العام الجاري. لحظة للتاريخ… وجاءت لحظة التكليف والتشريف بالحق، فكان تاريخ الجمعة 15 ماي 2020، يوما مشهودا ومتجهةً له أنظار الناس، ففيه عين الرئيس ترامب، الباحث المغربي البلجيكي وكذا الأمريكي، منصف السلاوي، مستشارا رئيسيا لفريق قيادة جهود تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا المستجد بالولايات المتحدةالأمريكية، إلى جانب الجنرال الأمريكي جوستاف بيرنا، على رأس فريق من خيرة الباحثين يعكفون ليل نهار على تخليق اللقاح المعتق لرقاب ملايير البشر من ربقة الفيروس التاجي. لحظة كبيرة لعالم كبير، قال ترامب من قلب البيت الأبيض، إنه من أكثر الرجال احتراما. رجل قال في تواضع العلماء بعدما اختير من بين خيرة علماء أمريكا، إنه يرأس فريقا ينصهر فيه مجهود الجميع، من الجيش والهيئات الحكومية والشركات الخاصة، وهو ما يُظهر إيمانه المتجذر بالعمل الجماعي، وعدم ادعائه الفضل في إنقاذ البشرية، وإن حُق له مثل ذلك. كما تحدث البروفيسور، وترامب منتصب عن يمينه يتابعه وينصت إليه ويصفق له، عن اللقاح المنتظر، وبشر الإنسانية بقناعته أنه في متم عام 2020، سيتوصل فريقه لاكتشاف لقاح تُوزّعَ ملايين الجرعات منه، وكذلك تطرق لدواء المصابين بالفيروس، ما يعني اشتغاله وفريقه المتسق على شقين متوازيين آناء الليل وأطراف النهار خلال هذه الأشهر المقبلة. ومن ذلك، أن شقيقته كشفت أنه منقطع عن الناس للبحث لا يتصل بأحد من أهله. ولأن الرجل ذو طموح في نفع البشرية، فإن هناك من يرجو أن يكون أول مغربي يحصل على جائزة نوبل للعلوم. وضمن شهادته في حق الرجل، قال البروفيسور مولاي مصطفى الناجي، مدير مختبر الفيروسات بجامعة الحسن الثاني بالبيضاء، إن البروفيسور السلاوي مغربي يجب أن يفخر به كل المغاربة بدون أدنى تحيز، مضيفا في تصريح ل”العلم”، أن هناك طاقاتٍ مغربيةً تلقت تكوينها في الخارج، وبعده منها طائفة اختار البقاء في تلك الديار، وأخرى قررت العودة إلى بلدها الأم، وكلا الطائفتين يساعدان بلادهما بطرق شتى. واعتبر البروفيسور الناجي، أن الترحال لطلب العلم قديم، وأن أول جامعة في العالم كانت في المغرب وكان الناس يقصدونها من بقاع الأرض، فلا يسقط عنهم ذلك جنسياتهم ولا حب أوطانهم، مشددا على أن المغرب لابد أن يحتاج أبناءه النوابغ والسلاوي منهم. واستشهد بمقولة كيندي: ” السؤال الذي يجب طرحه هو ماذا سأعطي بلادي وليس ماذا ستعطيني بلادي”. لا كرامة لنبي في أهله… وغير بعيد عن مضمون مقولة كيندي، فقد اشتهر العرب بالبراعة في ضرب الأمثال، ومنها ما ينطبق إلى أبعد حد على علماء المغرب، ومنهم منصف السلاوي، حيث قال هؤلاء إنه “لاكرامة لنبي في أهله”. وسبب النزول، هو ما تحمل الدكتور كمال المسعودي، صديق السلاوي مسؤولية الشهادة عليه، إذ كشف في تدوينة على حسابه بموقع فيسبوك، أن الخبير الذي اعترفت أمريكا بعلو كعبه في العلم، حينما كان شابا في العقد الثالث من عمره حرمه مسؤولون مغاربة من المحاضرة في جامعات بلاده. وأضاف المسعودي بالحرف، “أتذكّر جيدا لما حكى لنا ما حدث له حين عاد إلى المغرب، حاملا دكتوراهُ، وهو متحمس لخدمته؛ فتوجَّهَ إلى كلية الطب بالرباط ليقترح تقديم محاضرة في اختصاصه بشكل تطوعي، فاستحسَنت مسؤولة الشعبة الفكرة في البداية، وحدّدت تاريخ المحاضرة، غير أنه بعد ذلك بيوم سيُخبَر بأنّ المحاضرة أُلغيت بدون تقديم أيّ مبرر”. وأضاف شاهد العيان ذاته، “كرَّر منصف العرض نفسه على كلية الطب بالبيضاء، وكان الصمت المطبق هو الجواب”، مبررا تدوينته هاته بالقول “أردت أن أروي هذه الحادثة اليوم لأني أتذكر الحسرة والأسف اللذَين كان عليهما، وأتذكره وهو يكرر: ‘لا أريد منهم المال ولا أيّ شيء، أريد فقط أن أفيد بلدي، والبيولوجيا الجزئيّة علم حديث، ومهم للصحة العمومية، ويمكنني أن أقدم الكثير””. إن منصف السلاوي، وسلوى رشدان الباحثة في وكالة “ناسا” الأمريكية، وسارة بلايلي عضو فريق الأحلام بأكبر مختبر عالمي بفرنسا، وكمال الودغيري عالم الفضاء الذي أشرف على إنزال أول مركبة على المريخ، وأسماء بوجيبار التي خطفت الأضواء بوكالة “ناسا”، وكريم التويجر الذي أرجع الابتسامة إلى وجوه مرضى السرطان بأمريكا، ورشيد اليزمي مخترع بطارية الليثيوم للهواتف النقالة، وعدنان رمال منتزع الجوائز العلمية الراقية من الأوروبيين، والقائمة تطول.. كلهم أنبياء نرجو أن تكون لهم كرامة في بلدهم !