إن فشل الإصلاح، يرجع في جزء كبير الى الوضعية غير المستقرة التي عانت منها وزارة التربية الوطنية خلال العقدين الأخيرين وإلى أسلوب التدبير والتسيير الإداري المتبع خصوصا على مستوى الموارد البشرية وإسناد المسؤوليات. فبخصوص مسألة عدم الاستقرار، حطمت الوزارة رقما قياسيا في إعادة هيكلتها، إذ تمت هذه العملية أربع مرات خلال العقدين الأخيرين، وللصدفة كان كل وزير بشتغل على وضع هيكلة جديدة ولايكتب له أن يسهر على تفعيلها لكون فترة الاشتغال عليها تأخذ منه فترة تحمله المسؤولية علي رأس الوزارة بأكملها، وهو ما يشغله عن التفرغ لجوهر المشاكل، ويشكل ذلك فرصة «لمسامير المائدة لتعزيز زمام مواقعهم وللتحكم في زمام الأمور، ويكون على الوزير الجديد تفعيل الهيكلة التي رسمها سلفه بإكراهات وخلفيات لايعلم بها إلا جهابذة الإدارة بهذه الوزارة، فالهيكلة التي أخرجها الوزير بلمختار عند اقتراب نهاية مرحلته جاءت لتصفية الحساب مع تلك التي سبقتها، حيث كانت تضم مديريتين عامتين كبيرتين متنافستين، من خلال خلق مديرية ضخمة للعمل التربوي، تضم أهم الملفات من خريطة مدرسية وحركة انتقالية وتدبير هيأة التفتيش وكل الأنشطة المتعلقة بالحياة المدرسية. وكما أسلفنا الذكر، خاب أمل أصحاب المشروع وتم تعيين من كان غير مرغوب فيه، على رأس هذه المديرية من طرف السيد بلمختار الذي استفاق متأخرا. واشتغل الوزير مولاي اسماعيل بالهيكلة التي وضعها سلفه، بالاضافة لهيكلة وظيفية للتعليم الثانوي التقني. ولقد سهلت المديرية الضخمة مأمورية الوزير الجديد لتحكمها في أهم الملفات، من جهة، ولتوفرها، من جهة ثانية، على طاقم من أهم أطر هذه الوزارة انخراط في الحملة التي اعلنها الوزير مولاي إسماعيل لتعميم التمدرس خصوصا بالوسط القروي . وبعد تحمله مسؤولية الوزارة سنة 2000، وتفعيلا للميثاق الوطني للتربية والتكوين شرع الوزير عبد الله ساعف في وضع هيكلة جديدة للوزارة تأخذ بعين الاعتبار مسألة اللامركزية لإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين. وعوض الاشتغال على هذا الملف بشكل تدريجي وبشكل متوازن مع ملفات أخرى، تطلب وضع الهيكلة الجديدة ما يناهز سنتين، ولم يتم تفعيلها إلا في عهد خلفه الوزير المالكي، نفس الحكاية تتكرر، إذ تم خلق مديرية ضخمة من جديد تضم ملفات غير متجانسة ولا متقاربة فيما بينها، بل عملت الهيكلة، للأسف الشديد، على تبخيس مجالات، رغم أهميتها، والنفخ في ملفات عادية، بل أوجدت بنيات مختلفة لتشتغل على نفس الملف، والأدهى من ذلك، وكالعادة لم تحدد الهيكلة اختصاصات بنياتها، الشيء الذي فسح المجال للتأويل والتهافت على بعض الملفات من طرف المديريات مما كرس غياب تحديد المسؤولية عن بعض الملفات بدعوى التنسيق والعمل المشترك، وبلغ التأويل مسألة المركزية، إذ خلق مفهوم الشخصية المعنوية والاستقلال المالي للأكاديمية غموضا في علاقة هذه الأخيرة بالمصالح المركزية على مستوى الاختصاصات، وبدوره شرع الوزير المالكي في وضع هيكلة جديدة لم يكتب لها الصدور في عهده. أما بخصوص تدبير الموارد البشرية وإسناد المسؤوليات، فيمكن القول أن هذا الملف تم تدبيره بأسلوب لاعلاقة له بشعار الحكامة الجيدة، الذي تلوح به الوزارة، ولا بالكفاءة والمهنية ودون احترام التكوينات والتخصصات التي تتطلبها بعض المناصب، رغم المذكرات التي تم إصدارها لتنظيم عملية انتقاء المسؤولين. بالإضافة لذلك، عملت الوزارة بعرف يقضي بإسناد مسؤوليات على المستوى المركزي لأطر من خارج الوزارة أو لبعض الأطر من هيأة التدريس، لا لكفاءتهم ولكن فقط لكونهم استطاعوا إبهار بعض المسؤولين في أحد اللقاءات. وهو ما زاد في تأزيم الوضع بالوزارة جراء تقليص حظوظ الكفاءات التي تزخر بها الوزارة لتقلد المسؤوليات والترقي، من جهة، ومن جهة ثانية، تكريس عملية مسح ذاكرة الوزارة وتراكماتها في مجال تدبير وتسيير العديد من الملفات. ومن بين نتائج هذه الاختيارات هو عدم تردد عدد مهم من الكفاءات إبان المغادرة الطوعية في التعبير عن سخطهم على تدهور مستوى الاشتغال بهذه الوزارة، التي أصبحت تدور في حلقة مفرغة، وعلى التهميش الذي طالهم جراء تعيين مسؤولين على رأس مديريات وأقسام يجهلون ملفاتهم وأدبيات الاشتغال بها. إذ أصبحت الوزارة معبرا لتأهيل أشخاص لتقلد مسؤوليات كبرى على مستوى أجهزة الدولة. وبسبب هذا الوضع، ولتمكين الوزارة من تدبير ملفاتها، لجأ المسؤولون إلى مكاتب الدراسات وإلى الخبرات الخارجية. وأخذت الملفات تدبرخارج بنيات الوزارة وتسند مسؤولية تدبيرها لأطر لامسؤولية لهم بالوزارة. وفي نظرنا يشكل هذا الاختيار بدعة جديدة في سياق نفس الأساليب والسلوكات التي تم التعامل بها مع الوزراء السابقين. إذ بهدف التستر على عجز بعض المسؤولين عن بلورة المشاريع وإيجاد الصيغ العملية لتفعيلها، تتم الاستعانة بخبرات خارجية ويتم تدبير مشاريع البرنامج الاستعجالي خارج هيكلة الوزارة لتفادي المحاسبة والضبط. ونخاف أن يكون مآل البرنامج الاستعجالي، بعد ثلاث سنوات، هو مآل عشرية الإصلاح، في انتظار وزير آخر ليعلن، بحماس أكبر، عن نفس ثالث يتم بموجبه إدخال المنظومة لقاعة الإنعاش بعد أن يقر بفشل النفس الثاني للمخطط الاستعجالي.